كتب حسن عصفور/ في سابقة سياسية غريبة، بل ومثيرة، ان يتم نقل قاضي من منصبه كونه تعامل مع روح قرار الأمم المتحدة الذي اعترف بفلسطين كدولة عضو مراقب لتصبح الرقم 194، وهو ذات الرقم الذي يحمله قرار الأمم المتحدة الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين 194، في مفرقة قدرية لم تلفت اهتمام البعض، لكن القاضي أحمد الأشقر اعتقد أن بات حقه التعامل في المسائل القضائية، وفقا لقرار 19/ 67 الذي أعلن قبول فلسطين ..
القاضي الأشقر تصرف وفقا لما تعلمه في المدرسة القانونية، ان قرار الأمم المتحدة باتت حقيقة سياسية، خاصة وأن عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين تفوق من يعترف بدولة الكيان، بل أن القانون الذي تعلمه القاضي الأشقر وأخلص له وابدع فيما يساهم به من إخلاص لقضية وطنه، بل وهو يعتقد اعتقادا راسخا أن القانون الذي يجب أن يسري في أرض دولة فلسطين وفقا لقرار الأمم المتحدة لا يميز بين مجرم ومجرم، ولا بين لص ولص، حتى وإن كانت بعض الظروف قد تقيد يديه بتطبيق القانون وفقا لمن يصعب أن يصلهم القانون، رغم ان جرائمهم يعرفها كثيرون من أهل “بقايا الوطن”، ويتدالونها من مقهى لآخر ومن مكتب لمكتب..
وبعيدا عن اي سجال بلا جدوى، هل انتهت اتفاقات اوسلو زمنيا وسياسيا أم لم تنته، وهل لا زالت تمثل مرجعية سياسية للسلطة الوطنية ودولة الكيان أم لا، باعتبار أنهما طرفي الاتفاقات، وبدون مرور على كل الانتهاكات لتلك الاتفاقات من قبل دولة الكيان الاحتلالي، نشير الى بعض العناصر التي يجب أن تكون حكما حول “شرعية الاتفاقات ام عدمها”..
بعيدا عن الاطار الزمني الذي انتهى عمليا منذ ما يقارب 14 عاما، وفعليا بعد انتهاء قمة كمب ديفيد التي أعلنت حكومة باراك بداية الحرب العسكرية على السلطة الوطنية الفلسطينية في نهاية شهر سبتمبر ( ايلول) 2000 واكمال الحرب العسكرية باغتيال الخالد ياسر عرفات، فجوهر الاتفاقات كان “التبادلية”، وليس “الشرطية”، فالالتزام بنصوص الاتفاقات يجب أن يكون متبادل، واي مخالفة له يجب حلها ضمن اطر تنسيق أو هيئات خاصة بالمفاوضات، ولكن دولة الكيان لم تعتمد يوما تلك الآلية الخاصة بالاتفاقات، بل استخدمت سلاح الاحتلال وآلياته لتنفيذ تلك الاتفاقات كما تراها هي وليس كما هي نصا مكتوبا واضحا..
دولة الكيان أعادت احتلال الضفة الغربية بكاملها منذ عام 2000 وحتى تاريخه عمليا، وهي التي لم تنفذ بندا واحد يتصل بالاتفاقات منذ ما بعد كمب ديفيد، ولا نظن أن هناك ضرورة لتعدادها، دون أن تتوقف يوما عن نشاط استيطاني وتهويد متلاحق في القدس الشرقية، وكلها أنشطة لا تمت بصلة للاتفاقات، بل العكس ما جاء بها، ويمكن من يحمل ملف تلك السمؤولية أن يخرج ليقول كلمته، بدل من ترداد شعارات دون تنفيذ، كالقول ” لاسلام مع الاستيطان” وما حدث أن لا سلام ولكن الاستيطان مستمر بلا اتقطاع..
دون أن ننسى مجمل الجرايم التي ارتكبتها خلال تلك الفترة، بينها 3 حروب ضد قطاع غزة، صدر خلاله تقرير “غولدستون” الشهير بادانة دولة اليكان وقيامها بارتكاب جرائم حرب، وتم ابطال التقرير بفعل فاعل معلوم لكل طفل فلسطيني، ومع ذلك لا زال البعض يردد اتفاقات والتزام باتفاقات، في مهزلة لا مثيل لها في العالم!
والأهم الذي يصر البعض في السلطة الوطنية أن يتغافلوا عنه، ما أعلنه رئيس حكومة الكيان نتنياهو انه يفتخر بما فعله لانهاء اتفاق اوسلو عام 2000، في تسجيل يمكن أن تقوم أجهزة الأمن الفلسطينية أن تقدمه ليسمعه الرئيس، بل أن دولة الكيان لا تعترف بأن الضفة الغربية هي أرض فلسطينية، وباتت منذ سنوات تطلق عليها التسمية اليهودية بما يعرف “يهودا والسامرة”، ولا تسمح لأي رسالة أن تخرج الى السلطة الا بهذا الإسم اليهودي رغم ان الاتفاق صريحا جدا في تسميتها الضفة وانها ارض فلسطينية..
ولنقفز عن كل اجراءات وسلوك ومواقف دولة الكيان من الاتفاقات، ونقف لنفكر قليلا، هل المحكمة الجنائية قبلت توقيع الرئيس محمود عباس بصفته رئيس للسلطة أم لدولة فلسطين، بل هل يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تتعامل مع قضايا تأتي من السلطة أم من الدولة، وهي المحكمة الجنائية التي لا تتعامل الا بالقانون، وستحاكم الاسرائيليين مرتكبي الجرائم التي تراها تستحق المحاكمة..ولعل اوباما حاول استغلال تلك لاعتبار أن فلسطين ليست دولة!
عمليا، من يستحق الحساب هو من يصر على عدم تنفيذ قرار الإمم المتحدة الخاص بدولة فلسطين، ويبقي على ما ينتقص من مكانتها القانونية والسياسية، والعجب أن يحاكم قاض فلسطيني لانه اصر أن يعترف بالقرار التي تقول الشرعية الفلسطينية أنها تطالب دول العالم على تنفيذه، ويبدو أن القاضي الأشقر آمن بما يسمع ويرى من اقوال وتصريحات تطالب بالاعتراف بدولة فلسطين..
الطرف الذي يجب أن يعاقب من ليس أمينا على تنفيذ ما يجب تنفيذه من حق فلسطيني، وبدلا من ” الشعارات التي تتردد ليل نهار” عن أن اسرائيل لم تنفذ ما اتفقت عليه، بل أن خطاب الرئيس محمود عباس عام 2014 في الجمعية العامة يمكن أن يكون وثيقة إدانة لمن عاقب القاضي الذي وضع نص الخطاب الرئاسي كجزء من قسمه القانوني من أجل الحق وفلسطين..
وبدلا من الاصرار على عقوبة هي أصلا تستوجب الإدانة، على الرئيس عباس أن يكافئ القاضي الشجاع والمبدع، بل ويعلن أن عهدا جديدا قد بدأ مع حكم العدالة الفلسطينية التي أعلنها القاضي أحمد الأشقر..وكل يوم زائد لبقاء السلطة هو انتكاسة وطنية ضد المشروع الوطني..
الاتفاقات ليس ورقة مطلقة الأحكام، بل هي وسائل للتنفيذ، وما لم تنفذ تصبح باطلة ولاغية وغير شرعية..
السيد الرئيس: أعد للقاضي كرامته المسلوبة ببيان يجهل واقع التطور السياسي الأهم لدولة فلسطين..وقبل أن تطالب العالم ومجلس الأمن بجدول لانهاء الاحتلال لتبدأ انت بوضع حجر اساس الاعتراف بدولة فلسطين فوق أرض الوطن، وتكرسيها واقعا بديلا لسلطة باتت عقبة وعائقا أمام حركة الاستقلال الوطني، واتفاقات اصبح الحديث عنها معيبا، فما بالنا الإصرار عليها بعد كل ما حدث..
عار ان يستمر عقاب قاضي إمتلك رؤية وشجاعة لتطبيقها دون أن ترمش جفونه وتصك رجليه هلعا من قوات الاحتلال، كما تعلم من الشهيد الخالد ياسر عرفات..شهيدا أم طليقا!
الاتفاقات باطلة ومن يصر عليها كما هي الآن باطل قرارا وموقفا ومكانة!
بالمناسبة كاتب هذا المقال ياسيادة الرئيس كان جزءا في كل اتفاقات تم توقيعها، عدا اتفاق باريس، بينما بعض المصرين عليها الآن كانوا باحثين باي طريقة ليكونوا في بعض منها ورحم الخالد ابو عمار..وعلمك وغيرك ايضا كفاية.. ولست نادما على ما فعلت ولكني اعيب التمسك بها بعد انتهاء كل ما بها منذ زمن بعيد!
ملاحظة: حسنا أن تعود اللجنة التنفيذية لانعقاد جلستها بدون “الزفة العامة”..لكن الأحسن أن تتحمل مسؤولية الملفات كافة وليس بالتجزئة، فهي قيادة الشعب وليست قيادة لأحد غيره..الملفات الكبرى لا تزل خارج النص!
تنويه خاص: أصيب بعض العرب الحاضرين مؤتمر دافوس الاقتصادي في سويسرا ان الفلسطيني الأكثر حضورا هو ياسر عرفات..صوره تملئ الدنيا..الغائب الأكثر بريقا ..صحيح هل هناك من يمثل فلسطين رسميا..أم اعتذر قادتها بحكم “انشغالتهم” في توفير او تقطيع الأرزاق!