كتب حسن عصفور/ رب ضارة نافعة، هكذا قال لنا الأجداد منذ مئات السنين ليس هروبا من مواجهة أو بحثا عن اتكالية، بقدر ما كان تعبيرا عن منح الإنسان أملا ان هناك ما هو أفضل، ذات العبارة صاغها الشاعرالشيوعي التركي الكبير ناظم حكمت بقوله ” ان أجمل الأيام لم تأت بعد”، وما شهدته “بقايا الوطن” وخاصة في جنوبه بقطاع غزة بعد هجوم “اليكسا” المجنون، هل يمنح الانسان أملا بان القادم قد ينتج أفضل، بعد أن فتح الاعصار باب التساؤلات الكبيرة من بوابة الطبيعة الجغرافية وليس الطبيعة السياسية: وبعد ماذا سيكون مصير ما تبقى من وطن، بعد أن كانت “الاستغاثة” هي العبارة الأشهر خلال ايام الاعصار..
ما كشفه الاعصار من ضرر سياسي يفوق كثيرا ما ألحقه بقطاع غزة من تدمير منازل وتهجير آلاف الأسر وحالة رعب انساني أطلت براسها على أطفال وكهول انتظروا “غرق مفاجيء” قد يداهم منازلهم، فما انكشف من مهزلة الحال السياسي سيبقى أثرا بعد زوال كل آثار الضرر الطبيعي، فالحكومة الفلسطينية لم تهتز مشاعرها الانسانية قبل حدوث الكارثة للأهل في قطاع غزة، ولم تكلف عبئ تشكيل “خلية أزمة خاصة” لمتابعة ما يتوقع نتيجة الاعصار الذي كان معلوما للعامة أنه سيكون الأعنف والأخطر، فلم يبق سرا لم تتحدث عنه نشرات الارصاد الجوي، الا أن تلك الحكومة تجاهلت المسألة وكأنها غير ذي صلة بما سيكون..
وبعد أن وقعت الواقعة واستنجاد اسماعيل هنية بأمير قطر الذي لم يترك المسألة الانسانية دون التجاوب معها، فطلب من الرئيس محمود عباس أن يطلب ارسال الوقود الى غزة لانقاذ ما يمكن انقاذه وسيدفع قيمة المبلغ فورا للخزينة، والتي لم نعد نعرف هل نسميها الفلسطينية أم غيرها، وما ان انهى الأمير القطري وعده حتى سارعت الحكومة اياها بالاعلان أن “مكرمة رئاسية” لارسال الوقود الى غزة، دون حياء..وبعد أن انكشفت كل العورات وللتغطية على الفضيحة بدأنا نقرا بيانات من عناصر فتحاوية ترحب وتشكر الحكومة والرئاسة على تقديمها “العون والمساعدة” للمحتجين والمتضررين من أبناء القطاع، بل وصل الأمر الى حد المأساة عندما يقال من قبل “نائب” أن وزير الأوقاف د. الهباش كلفه ببحث الاحتياجات، دون أن نسمع كلمة واحدة من الوزير الذي كان ابرز وزراء الحكومة اطلاقا للتصريحات في الاسابيع الماضية، لكنه َصمت صمت ابو الهول فيما يخص مصيبة أهل القطاع..
ولأن المسالة ليست مساحة لوم ومعاتبة، فتلك لا تقدم ولا تؤخر، فالاعصار وضع المشهد الفلسطيني بأطرافه كافة أمام مسؤولية خاصة، فما حدث ليس قصورا وكفى بل هو كارثة سياسية بكل معنى الكلمة، فبأي منطق يترك وضع القطاع لحالة الاستجداء عن طريق آخرين، وكان بالامكان العمل بشكل مسؤول بعيدا عن حالة “التصيد” التي تسود في التعامل مع قطاع غزة، وكان معاقبة أهل القطاع سيؤدي الى “ثورة” ضد حماس، ولو افترضنا ذلك فهل يعتقد من يقف مشاركا في الكارثة الانسانية سيكون “البديل المنتظر” ما بعد الخلاص من سلطة الانقلاب، هل مثل ذلك التفكير الساذج لا زال له مكان، ولو افترضنا أنه كان يمكن أن يكون فهل لا زال أهله يعتقدون أنه بعد القرارات المأساوية ضد موظفي غزة، او الوقوف متفرجين على كارثة الاعصار الى حين أن يناشدهم أمير قطر، هل “النخوة المدفوعة الأجر” يمكنها أن تنطلي على سكان قطاع غزة..من يظن ذلك ليس سوى ساذج جدا فأهل القطاع أكثر احساسا من مصدري بيانات “التهليل الفئوية” المطلوبة..
درس سياسي قاس ولكن على الرئاسة الفلسطينية، قبل أي جهة أخرى، تعيد تقييم كل ما حدث بعيدا عن التعصب ورد الفعل الخاص أو الشخصي لو كانت لا تزال ترى في قطاع غزة جزءا من دولة فلسطين التي أقرتها الأمم المتحدة، ما حدث في الأسابيع الأخيرة تجاه القطاع يفوق كثيرا ابعتباره أخطاء وقصور، بل هو “خطيئة سياسية وجريمة وطنية”، ما يفرض تشكيل “خلية مسؤولة وبلا غايات شخصية” لتقييم ما كان من سلوك لو لم يتوقف سيؤدي الى تنفيذ عملي للمخط المعادي المعروف بأركانه كافة.. المسؤولية الآن بيد الرئيس محمود عباس ولا سواه، وسيفعل خيرا لفلسطين لو اقال هذه الحكومة فورا، واعلن عن تشكيل “حكومة وحدة وطنية” سواء قبلت بها حماس ألم تقبل، ولكن أن تكون فعلا “حكومة وحدة” لانقاذ ما يمكن إنقاذه ولقطع دابر المؤامرة والفتنة السياسية المقبلة، مسؤولية الرئيس تتجاوز “الغضب او الانفعال” من اي نقد للممارسات الكارثية التي حدثت، وعلها فرصة وناقوس يمنح الرؤية مكانا للحضور بعد الغيبة السياسية..
وبالتأكيد، فإن الاعصار بنتائجه رسالة قاسية الى حركة “حماس”، فرغم الجهد الشخصي لقائدها اسماعيل هنية وتحركه الدؤوب من أجل ايجاد سبل لمواجهة الكارثة، إلا أنها اشارت أن طريقها الانفصالي – الانعزالي لا مستقبل له، وأن قطاع غزة لا يستطيع البقاء كـ”جزيرة خاصة” بلا جار ولا جوار، ولا يمكنه البقاء منتظرا رحمة وعطف وانسانية دولة قطر أو دولة الاحتلال، ولا تظن القيادة الحمساوية أن التقدير الشخصي لتحرك هنية يسقط عنها مسؤولية المصيبة التي حدثت، فلولا الانقسام لما كان الذي كان من ترك القطاع بلا وقود أو كل مستلزمات الطاقة أو مستلزمات مواجهة الاعصار..
وقطعا فموقف حماس من ثورة مصر وقيادتها الراهنة يشكل أحد اوجه تلك المصيبة، المكابرة التي تصر حماس وقيادتها ألا تراها، وكأن الحصار او الكارثة ستمنحها قوة مضافة للبقاء خاطفة قطاع غزة.. لم تعد المسألة مقبولة ابدا فعلى حماس أن تنهي كل خيوط اللعبة الإخوانية وتكف وسائل اعلامهها ان تكون بوقا للجماعة المنبوذة شعبيا ووطنيا وقوميا، على حماس ان ترسل رسالتين وفورا، واحدة للرئيس عباس أن يأت ليستلم كل ما بالقطاع من مؤسسات حكم وحكومة، وأخرى لمصر انها تعتذر عن أي اساءة قد تكون لحقت بثورتها خلال الفترة الماضية..
بذلك نفتح باب الأمل ونقول فعلا أن طرب ضارة نافعة”..ودون ذلك ستبقى غزة تحت رحمة القدر وقطر واسرائيل!
ملاحظة: هل تقدم لنا حكومة فتح ووزيرها الأول كشف حساب بما قدمته لغزة من خزينتها خلال الايام الماضية..قبل أن تختبء خلف البيانات الشاكرة لجهد لم يلمسه غزي!
تنويه خاص: خبر نشرته وكالة “وفا” ان رئيس حركة حماس اتصل بالرئيس عباس شاكرا له جهده لدعم قطاع غزة..الغريب ان مواقع حماس لم تنشر الخبر، والأغرب أن الأولى بتقديم الشكر لو كان له ضرورة، هو اسماعيل هنية وليس مشعل الجالس في قطر!