كتب حسن عصفور/ بات حلم الإنسان العربي أن يخيب أمله مرة واحدة بمجالس الجامعة العربية في السنوات الأخيرة، وان تحدث جديدا فيما تقول أو تفعل، تحركت الشعوب واسقطت انظمة وقوى مستبدة، ووضعت حواجز كبرى أمام تنفيذ المشروع الأميركي التقسيمي، وازاحت من طريق حريتها أخطر قوى “الشر السياسي”، الا أن الجامعة العربية ومؤسساتها لا تزال تعيش في زمن خارج “نص حراك الشعوب”، مصابة بهلع وخوف ورعب من الدولة المسماة أمريكا، فعندما تصل العبارات الى سياسة واشنطن وخاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني – العربي مع دولة الكيان، نرى كل اشكال “الرزانة السياسية” “والكياسة الانسانية” تهبط على امينها العام – سكرتير جامعة العرب – ، وهو بطبعه رجل مهذب، لكن تهذيبه الشخصي شيء وتهذيبه السياسي شيء آخر..
فبالأمس سارع المجلس الوزاري العربي الى الانعقاد من أجل تشكيل غطاء سياسي للطرف الفلسطيني في تفاوضه مع دولة الكيان برعاية أمريكا، بعد أن فقدت تلك المفاوضات اي ترحيب فلسطيني بها، ولم تجد سوى قلة قليلة، انضم لها رئيس حماس المقيم في قطرخالد مشعل بحسابات غير وطنية فلسطينية، اجتماع شهد واحدة من “كبرى المهازل السياسية” التي نودع بها العام 2013، وايام قبل ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة حركة فتح والزعيم الخالد ياسر عرفات، مهزلة لا يمكن أن تجدها أو تلمسها الا في مثل هذه المنابر المصابة بتكلس ابدي، وكأنه شكل من “اشكال السرطان” الذي لا شفاء منه..
فالسيد نبيل العربي سكرتير عام جامعة دول العرب، تقدم لنا يوم أمس بـ”إختراع” قد يمكنه من الفوز بأحد الجوائز العالمية التي يتم توزيعها شمالا وجنوبا بحق وكثيرها بغيره، او قد يجد نفسه موشحا بأعلى وسام فلسطيني لكفاءته النادرة في تحريف حقيقة المفاوضات الجارية، تفوق تلك الكفاءة التي يتمتع بها “المفاوض العتيق”، فالعربي تقدم في اجابة على سؤال صحفي عن “المؤامرة الأميركية” ضد الشعب الفلسطيني، ليقول أن ذلك غير صحيح فلا وجود لمؤامرة ابدا، وشرح لمن تابع المؤتمر الصحفي بعد نهاية “لقاء العرب للتغطية على استمرار التفاوض العبثي”، بأن امريكا لا تتآمر بل تقدم أفكارا بعضها “مقبول” وبعضها قد لا يقبل..
هكذا لخص سكرتير جامعة العرب ما تقوم به واشنطن ضد فلسطين، وكي لا نستعرض حلقات التآمر الأميركي تاريخيا ضد فلسطين، سنكتفي بما جاء على لسان الرئيس الحالي خلال الاشهر الأخيرة فقط، فيوم زيارته الى فلسطين التاريخية وفي مطار تل أبيب قال اوباما أن لليهود “حق تاريخي” في هذه الأرض، ما تم وصفه بوعد بلفور 2، بل أنه اضاف له أنهم، اي اليهود، يريدون “التنازل عن بعض حقهم” ليعيشوا بسلام مع الفلسطينيين، تصريحات يمكن لسكرتاريا السكرتير العام أن تعود لها مسجلة صوتا وصورة، ولن نقف امام اجبار الرئيس عباس الى العودة للمفاوضات في ظل الاستيطان والتهويد ومصادرة الأرض، دون أن تجبر دولة الكيان على احترام مشاعر الطرف المسير معا الى التفاوض، ففتحت كل ابواب الشروع لزيادة النشاط الاستيطاني وقتلت من قتلت وحملة التهويد للقدس ومقدساتها لم تعد سرية، بل سنذكر العربي “النبيل”، بتصريح الرئيس الأميركي قبل ايام بانه يجب أن يبدأ قيام “دولة فلسطينية بالضفة الغربية – يقصد ما سيتبقى منها ( 60 – 70% ) من مساحتها، على أن تصبح “نموذجا” – ربما على الطريقة الكورية مع استبدال الشمال بالجنوب والعكس – ، وبعد أن تزدهر يمكن لأهل قطاع غزة أن يثوروا ضد حماس ليلتحقوا بـ”الدولة المزدهرة شمالا”..
لننسى الخطة الأمنية – السياسية الرسمية التي تقدم بها جون كيري، والتي نفاها مفاوض فلسطيني بلا سبب، سوى أنه لا يريد أن يشعر بالحرج أو الخجل من تفاوض على خطة تشكل عارا سياسيا لمن يبحث فيها أو بها او يتسلمها أصلا، ولكن سنكتفي بأقوال اوباما لأنه لا يمكن نفيها فهي علنية جدا، الا يراها السيد العربي بانها “مؤامرة” كاملة الأضلاع، مؤامرة بداية على تقزيم “دولة فلسطين” التي أقرتها الأمم المتحدة، وهربت يومها يا سيد عربي من حضور لحظة النصر لتحضر عشاءا فاخرا في بيت سفير بلدة قطر في نيويورك، وهل الحديث عن “دويلة الضفة – دولة الجدار- ” دون قطاع غزة، الا تراه مؤامرة، وهل لا ترى أن تصريح اوباما رسالة شديدة الوضوح لتكريس الانقسام لسنوات وسنوات، وهو الذي يجمع كل أبناء فلسطين المنتمين لها حقا، بأنه “المؤامرة الكبرى الثانية” بعد “مؤامرة الإغتصاب الأول” عام 1948..
نعرف منذ زمن أن “الخيانة قد تصبح وجهة نظر”، لكن ان يصل الحال بتسخيف عقل الفلسطيني الى هذا الحد فهو ليس سوى فعل لتمرير “المؤامرة” يا “ابو العربي”..ولا نظنك ستنجح فيما ذهبت اليه انت ومن يرى ما ترى، فشعب فلسطين، رغم من اسمتعت اليهم، يرى في خطة أمريكا “عين المؤامرة” وسيقاومها بكل ما تبقى له من اسلحة قوة التاريخ وروح الثورة المخطوفة راهنا، ومخرز فلسطين سيقلعها!
ملاحظة: كان الأجدر بحركة “حماس” ان تعتذر عن مصيبتها ضد الرئيس السابق روحي فتوح بدلا من بيان ساذج لينفي ويتهم بعد مرور 24 ساعة على خبر المنع..تعلموا ولو لمرة واحدة ان “الاعتراف بالخطأ فضيلة”!
تنويه خاص: سمات أردوغان الاخوانية بدات تسطع جدا..المكابرة وعدم الاعتراف بالخطا..فضيحة فساد كبرى تهز الدولة يراها مؤامرة..حقا اكدت ان “اخواني أصيل من جماعة رابعة”!