كتب حسن عصفور/ لعل أحداث الجريمة الكبرى التي أقدمت عليها “داعش” ضد الطيار الاردني معاذ الكساسبة، وتطورات الجبهة المصرية بخصوص كتائب القسام وما ينتظر حماس، ادخلت قائمة “الاتهامات” السياسية – الأمنية التي ساقها النائب والقيادي في حركة حماس صلاح البردويل ضد جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الى حالة تجنب آني، مع أنها تعتبر أخطر اتهامات مباشرة ومحددة توجه لجهاز أمني فلسطيني منذ ان اصبح توزيع الاتهامات يسري في “بقايا الوطن”، دون رقيب أو حسيب، من الرأس الى الأطراف..
الاتهامات “البردويلية” للجهاز الأمني في السلطة، والذي يحظى بثقة مطلقة من قبل الرئيس محمود عباس، ورئيسه بات الشخصية الأقرب له في “الهيكل العام”، بل من النادر، او النوادر أن لا يكون مرافقا للرئيس في اي رحلة أو مشوار عام او خاص، و كان ضمن وفد فتح للمصالحة الوطنية، ووفد مباحثات وقف اطلاق النار – التهدئة الأخيرة في القاهرة، لذا ما أطلقه صلاح البردويل لا يمكن اعتباره سقطة كلامية وانتهى الأمر بالصمت..
البردويل يقول، أن حركته لديها “وثائق وإحداثيات وخرائط تثبت تورط جهاز المخابرات العامة التابع للسلطة بتقديم معلومات وأماكن للعدو الصهيوني خلال الحرب على غزة لضربها”، مضيفا : “أقولها لأول مرة وأوجهها لعزام الأحمد لدينا وثائق تؤكد تورط مخابرات فتح في تقديم إحداثيات للعدو الصهيوني لقصف أهداف من بينها منازل في قطاع غزة في الحرب الأخيرة أدت إلى استشهاد مواطنين .. أي عار هذا !”..
كلام لا يوجد به ما يدعو لسوء الفهم أو الالتباس أو العبارات التي يمكن “تأويلها” الى ربما ومن الممكن ان يكون مقصده ومراميه كذا أو هكذا، فالسيد النائب يوجه اتهاما خطيرا بعمالة “أهم جهاز أمني فلسطيني” لدولة الكيان، وانه “شريك في الحرب العدوانية” بل كان له دور عبر ما قدمه من معلومات الى ارتكاب جرائم حرب ضد أهل القطاع، وسقط ” قادة من القسام الجناح العسكرية لحركة حماس وسرايا القدس الجناح العسكرية لحركة الجهاد ضحايا لتقارير المخابرات العامة”.
هل يمكن لفلسطيني كان من كان، مصابا بدهشة لا يفيق منها أن يقرأ ولا يقف امام هذه “الكارثة” التي لم تجد من يتصدى لها لا من قريب ولا بعيد، وتمر وكأنها تصريح “ردحي” في سياق “المناكفات العامة” بين قطبي الكارثة الوطنية، بينما غاب كل الناطقين باسم الرئيس عباس وحركة فتح، وذهبوا لساحات غير هذه المسألة، التي كانت تستوجب “فرضا وطنيا” بالرد الواضح والقطعي..
والإستهجان السياسي العام أن تقرأ هذه الاتهامات بالخيانة والعمالة للعدو وما نتج عن “تزويده بالمعلومات من ارتكاب جرائم ضد قادة وطنيين في الأجنحة العسكرية”، ولا يخرج أي من ممثلي ذلك الجهاز، ليقيم الدنيا ولا يقعدها حنى يكشف كل الحقيقة، ويتقدم بطلب للنائب العام لمساءلة عضو المجلس التشريعي، وفقا للقانون بصفته نائبا وله حصانة، لكنها لا تحميه من المساءلة عن تهم ليست جنائية أو سرقة أو اعتداء أوانتهاك لحقوق الانسان، التي تحدث بلا رقيب، او توجيه اتهامات عبر خطابات تمر ولا من يقف أو يسأل..
صمت الرئاسة الفلسطينية عن اتهامات البردويل لأحد أجهزتها “السيادية” هو اتهام مباشر لها، بل وللرئيس عباس بشكل مباشر بحكم الثقة الممنوحة لرئيس الجهاز بشخصه وجهازه، وهي ليست اتهامات تخص “السمعة والشرف” التي يمكن عدم التعامل معها، كما يحدث في كثير من الأحيان، لكنها إتهامات بالخيانة الوطنية والعمالة المباشرة، ما يستحق التحقيق الفوري، فيما نسب للقيادي الحمساوي من أقوال مسجلة بصوته ايضا، ومر عليها عدة ايام دون أن يخرج من ينفي تلك الأقوال الأخطر..
صمت الرئاسة وجهاز المخابرات و”كتلة فتح” البرلمانية على اتهامات نائب لجهاز سيادي في ظل غياب المجلس يفرض أن يتم رفع تلك “الاتهامات” الى اللجنة االتنفيذية لمنظمة التحرير، باعتبارها المرجعية الوطنية العليا للرئاسة السلطة الفلسطينية بمكوناتها المختلفة، ولتبدا بتشكيل “لجنة وطنية خاصة” للتحقيق في أقوال عضو المجلس التشريعي، وهو ايضا عضو مجلس وطني بصفته، وكل ما ورد في الاتهامات الأخطر التي كالها شخصية عامة ضد الرئاسة وجهاز أمني سيادي..
وبالتأكيد، ما كان يجب على رئيس هيئة مكافحة الفساد، أن يمر مرور الكرام على تلك التهم بالعمالة والخيانة، كونها تصل الى حد “الخيانة العظمى”، فيما رأس القضاء الفلسطيني لم تثره على ما يبدو اتهامات غير مسبوقة لجهاز بكامله يطعن في وطنيته، وليس ضد فرد أو افراد، وكان عليه أن يحرك دعوة باسم الشعب الفلسطيني للتحقيق في اتهامات بالعمالة واللاوطنية لأحد “اجهزة السلطة الوطنية”..
هل اصبح توجيه الاتهامات بالعمالة والخيانة وارتكاب “جرائم حرب” لا قيمة لها، وباتت جزءا من “المشهد العام” وكأنها “وجهة نظر”، كما نسب يوما الى الشهيد القائد ابو اياد، بمقولته الخالدة، هل تصبح “الخيانة وجهة نظر”.. أم ان الجميع ممن طالتهم الاتهامات تعاملوا وكأنها خبر لا يستحق..ألم يتهم الرئيس عباس اشخاصا قبل ذلك وفي خطاب علني أمام هيئة فتحاوية آخرين بتهم كان لها أن تقدمه للعدالة، فقط لتصفية حسابات شخصية، اعتبرت في حينه سقط سياسية لا تأت من رئيس..
لكن الحدث الجديد هو اتهام جهاز ورئاسة بالعمالة والخيانة وليس شخصا أو اشخاص..فكيف يمكن لفلسطيني بعد تلك الإتهامات أن يكون آمنا على أي قرار تشارك بها الجهة محل الاتهام بأنه قرار وطني وليس في سياق دوره المرسوم لخدمة العدو، بل كيف يمكن أن يكون هناك ثقة في كل قرار يصدر عن الرئاسة وجهازها الأهم موضع اتهام بالعمالة والخيانة!..
ايها السادة إنهضوا من غفوتكم أو غفلتكم وأقرأوا ما قيل عنكم!
ولو استمر الصمت فلا تعجبوا أن يستخدم نتنياهو تلك الأقوال ويعتبر الرئيس وجهازه الأمني “شريك” في كل التهم التي يمكن رفعها أمام المحكمة الجنائية الدولية ضده ودولته وجيشه ..شركاء في جريمة قتل شعب!
ملاحظة: مبروك بحجم الوطن الفلسطيني لجهازنا الاعلامي تطورته الذي حدث..فلسطين تستحق انشاء مؤسسة فلسطينية للأقمار الصناعية – بال سات- بما يعني دخولنا عالم الفضاء..لكن هل أموالها جزء من موازنة الحكومة المقرة سابقا، ام من جهة علمها عند الله، ام ان المؤسسة ستكون في علم الله أيضا!
تنويه خاص: عندما ترفض حماس وقادة الاخوان ومرجعيتهم في قطر وصف داعش بتنظيم ارهابي، أو حرق معاذ بالعملية الارهابية تقفز الأسئلة غير البريئة..لما يا سادة..الوصف الانساني لها شيء واعتبارها ارهاب شيء آخر..وانتم “اسياد الفهم واللغة”..مش هيك يا فلان!