كتب حسن عصفور/ ربما لم يصدق جون كيري وزير خارجية أمريكا في كلام أكثر مما قاله، أن “رفض اسرائيل التسوية السياسية مع الفلسطينيين سيضعها أمام مقاطعة دولية شاملة”، ورغم أنه يرى التوسية وفقا لأفكار تؤدي عمليا لتصفية القضية الفلسطينية، الا أنه اعاد التذكير بما بدأ ينمو مؤخرا في العالم من حالة قرف سياسي شعبي ورسمي من دولة الكيان الاحتلالي، ولم تعد حالة القرف المصاب بالكراهية جملا أو بيانات سياسية على الطريقة التي يقوم بها بعض “أهل البيت” عربا وفلسطينيين، لكنها أخذت طريقا الى ترجمة عملية لمقاطعة مؤسسات أكاديمية واقتصادية في أكثر من صعيد..
ولعل تصريحات سفير الاتحاد الاوروبي من تل أبيب حول امكانية اتساع ظاهرة المقاطعة تشكل نموذجا لبعض ما يمكن أن يكون سلاحا يفوق كل الأسلحة ضد الدولة الاحتلالية لو تفطنت الجامعة العربية ومؤسساتها لوضع خطة عمل حقيقية وليس نفعية لزيادة عدد الموظفين، لتنشيط وتوسيع حركة المقاطعة لتصبح عملا يوميا وشاملا ضد دولة الكيان، مستفيدة من تلك الأجواء التي تنتشر بسرعة وسط شعوب العالم الرافضة لسياسة دولة الاحتلال، ومظاهر “الغطرسة” التي تمارسها ضد كل من لا يرى ما تراه صوابا، بما فيه الدولة الراعية لارهابها واحتلالها المعروفة باسم امريكا..
انتشار المقاطعة دوليا لم تأت نتيجة حركة فعل سياسية لا عربية ولا فلسطينية، فكلا الطرفين يعتقدان أن سلوك هذا الطريق قد يجلب عليهما “غضبا من الأسياد” وهما ليس بقدرته، حتى لو تحركت حكومات ومؤسسات اوروبية أو أمريكية وأعلنت صراحة أنها تقاطع اسرائيل، ولم تعد تقتصر أشكال المقاطعة على بعض جامعات أو مؤسسات تعليمية، بل امتدت لتشمل ما هو أهم وأخطر، حيث اخذت بالوصول الى الجانب الاقتصادي والمؤسسات المالية، بدأت من قبل الاتحاد الاوروبي بمقاطعة منتجات المستوطنات، ووصلت الى مقاطعة بنوك ومؤسسات مالية كشركات تأمين غربية لمثيلتها في دولة الكيان، وهو التطور الأهم على صعيد اتساع وشمولية وعمق المقاطعة..
قديما يوم أن كان للجامعة العربية روحا عروبية انشأت “لجنة مقاطعة اسرائيل”، وكان مقرها العاصمة السورية، وظيفتها ليست مقاطعة اسرائيل كون المقاطعة قائمة بفعل الواقع السياسي، قبل توقيع اتفاقية كمب ديفيد، لكنها كانت تلاحق المؤسسات والشركات التي تتعامل مع دولة الكيان بمختلف الدرجات، حتى وصل الأمر بمطاردة كبرى شركات أمريكية والتي كانت تضطر للتحايل على مضمون المقاطعة بمساعدة بعض أصحاب المال العرب، لكن الحملة حققت كثيرا من النجاحات التي أربكت أصحاب المال الذين “يقدسون مالهم قبل وطنهم”، وجوهر المسألة لا زال قائما، لكن ملاحقتها عبر المنظمة العربية يبدو أنها لم تعد قائمة..
ولأن العتاب والنقد لما كان لا يمثل قوة دفع اذا ما أريد صلاحا وإصلاحا، لذا ما نبحث عنه في الفترة القادمة أن تعيد الجامعة العربية احياء عمل لجنة المقاطعة وتطوير عملها بما بتناسب والتطورات القائمة، خاصة وأن هناك من بين عرب اليوم من سيتسخدم الاتفاقات الموقعة للهروب من تنفيذ هذه الحملة المطلوبة، لكن التطورات الحاصلة دوليا، في أمريكا واوروبا يجب أن تكون هي نبراس تطوير حملة المقاطعة بحيث تعيد الروح لمطاردة دولة الكيان من بوابة المقاطعة..
وبالتأكيد فهذه الفكرة قد لا ترى النور ما لم تقدم “دولة فلسطين” بتقديم تصورها الشامل الى الجامعة العربية حول المقاطعة، وفي حال غياب الموقف الرسمي الفلسطيني لأي سبب كان، يجب أن تتحرك كل المؤسسات الفلسطينية قوى وفصائل وهيئات لفرض ذلك على جدول الأعمال الوطني، وتحويلها لفكرة عملية وليس موسمية تستخدم كل عام لابراز غضب آني، فسبق أن تشكلت حركة مقاطعة منتجات المستوطنات بكل مصادرها وتفاعلت شعبيا لأيام ثم توارت، وللحقيقة كان للدكتور سلام فياض حضورا خاصا في تلك الحركة، بل قاد بشخصه وهو رئيس وزراء أكثر من حملة لحرق تلك المنتجات، لكنها حملة لم تستكمل دون معرفة السبب بعد أن جاءت حكومة الرئيس عباس – فتح الجديدة، فغابت تلك الحملة التي كان لها أن تتسع وتتطور..
المقاطعة سلاح كفاحي مثمر جدا ضد المحتل، وعله قد يكون أكثرها كلفة لدولة تعتقد أن احتلالها لم يعد مكلفا، بلتحول لاستثمار مفيد جدا..هل تنتفض القيادة الفلسطينية لحظة لترى أن هناك طرق وأساليب لمواجهة دولة الاحتلال دون “انتفاضة مسلحة”..فقط رؤية محسوبة لقيمة نمو المقاطعة الدولية وكيف يمكن استخدامها لخدمة فلسطين..هل هذا صعب!
ملاحظة: امريكا مصابة بحالة هستيريا لاعتقال خلية متهمة بتزوير تقارير صحفية للقناة الصفراء اياها في مصر..هل سمع أحد من أهلنا يوما كلمة نقد لاعتقال او قتل صحفي فلسطيني بيد قوات الاحتلال!
تنويه خاص: تحذيرات جهاز امن المحتل لوزراء الكيان بعدم سلوك طريق في الضفة يؤشر ان روح المقاومة لن تقضي عليها “السطوة الاقتصادية” ابدا!