كتب حسن عصفور/ كان يوم أمس شاهدا على الكارثة التي وصل اليها الحال العام في “بقايا الوطن”، فدولة الكيان استنفرت طاقتها السياسية كي تبدأ بمناقشة بسط “سيادتها” على المسجد الأقصى وتقسيمه كما سبق لها تقسيم الحرم الابراهيمي، فيما “الطاقة السياسية الفلسطينية” تائهة في انتظار رد هذا على ذاك، أو البحث عن “الكلمات الأكثر ثورية” للرد على ما تقوم به دولة الكيان، شرط الا تكون كلمات هذا الفصيل متفقة او متماثلة مع الفصيل الآخر، وأن لا يرجى معها أو منها فعل ملموس..
يوم يمكن اعتباره “مأساة وطنية” بكل ما للكلمة من معنى وبعد، حيث اكتفت حركة “فتح” التنظيم الرائد، وعمود الخيمة الوطنية، كما يحلو لأبناء الحركة وصفها، بأن اصدرت بيانا دعت فيه الشعب الفلسطيني الى الاستنفار اللعام للدفاع عن القدس والأقصى والمقدسات، وكان الظن كل الظن، أن يخرج عشرات آلاف من ابناء الحركة فورا استجابة لذلك النداء، في القدس أولا وفي مختلف مناطق الضفة الغربية، دون قطاع غزة المقهور أمنا، للتظاهر الشعبي والاعتصام في مختلف “ميادين الكرامة الوطنية”، معتصمين بقوة تاريخ القضية الوطنية وقيمة الأقصى المقدسة وطنيا ودينيا، تلك الفكرة الأولى التي تحضر لأي قارئ لبيان التنظيم “الأكبر” شعبيا بعد بيان صريح بالدعوة للإستنفار لحماية المقدس الأغلى اسلاميا وشعبيا في الوطن..وليس بيان “قل كلمتك وأمشي”!
ولكن لم يكن بعض الظن إثم فقط، بل كان كله إثم، فمن أصدر البيان اكتفى بتسجيل تلك العبارات كي لا يقع تحت ملامة التاريخ يوما، عندما يعود باحث لمراجعة ما حدث يوم تلك الجريمة الصهيونية التي تريد تنفيذ مخطط تدمير الأقصى بعد تقسيمه، وتكريس “سيادة” وهمية على أقدس مكان اسلامي في فلسطين، فيجد ذلك “البيان العرمري التهديدي” الذي اصاب دولة الكيان، حكومة وبرلمانا وأجهزة أمنية بـ”هزة رعب” أوقفت معه مجرد التفكير في مناقشة فكرتهم المجنونة..ولكن المفارقة عندما يكتشف الباحث أو المؤرخ، ان تلك القضية لم تأخذ زمنا أكثر من تعميم ذلك البيان اليتيم..وعادت فتح للرد على “خصومها” غير الاسرائيليين، من “الانقساميين” و”المتجنحين”، كونهم الأكثر خطرا على ريادتها ومستقبلها وهويتها!
فيما سارعت حركة “حماس” بالرد سريعا، قبل أن تخطف منها حركة فتح المشهد الاعلامي ببيان الاستنفار العام، فأعلنت بدروها “النفير العالم” للتصدي للمخطط الصهيوني، واصدرت قياداتها بيانات “فيسبوكية” تهدد وتتوعد، وكان “الظن” – لعنة لتلك الكلمة الآثمة – أن الأرض ستشتعل تحت أقدام الغزاة بعد بيان النفير، وأن عشرات آلاف من أنصارها وجماعتها الاخوانية ستعتصم أمام أبواب الأقصى، كما سبق لهم يوم أن تظاهروا بعشرات آلاف ضد اسقاط مرسي..إلا أن النفير الحمساوي العام انتهى بعد أن إطمأنت القيادة الحمساوية على نشر البيان في وسائل الاعلام المختلفة، وانه احتل مساحة مساوية لبيان فتح..لتعود لممارسة حياتها في خطف غزة، والاعتصام بخيمتها أمام معبر رفح، بدلا من الاعتصام العام في كل ساحات قطاع غزة من اجل قدس الأقداس..لو أنهم فعلا جادون فيما يقولون..لكن “نفيرهم” الفعلي كان من أجل جماعة وليس وطن ومقدسات..
فيما غاب اي مؤشر على أن هناك قوة فصائلية يمكنها أن تشكل “تعويضا” على تلك “القطبية الانهزامية” التي أنتجها الانقسام الوطني، فغابت حتى عن الاعلام، وكأن المسألة ليست بذي صلة..غياب تكريس لحقيقة غياب الدور والريادة..
وتكتمل المصيبة عندما نحاول مقارنة مشهد جلسة البرلمان الاردني المنعقدة لبحث المخطط الصهيوني لتقسيم الأقصى و”بسط السيادة الاسرائيلية”، فانذر حكومته بالغاء معاهدة السلام مع اسرائيل..مجلس وضع تلك المسألة في كفة واستمرار المعاهدة في كفة أخرى..فيما كان المجلس التشريعي الفلسطيني غائب كليا عن الوعي والحضور.. لم نكن نريد “جلسة رسمية” كي لا يغضب بعضهم، بل كان لهم بعد أن التقوا قبل ايام للتعارف من جديد بعد طول فراق وتناول المرطبات، ان يلتقوا ولو بعض منهم في جلسة طارئة غير رسمية لترسل رسالة الى الرئيس محمود عباس وفريقه التفاوضي بالانسحاب الفوري من المفاوضات واعلان التوقف الكلي عن أي شكل للتواصل حتى مع الطرف الأميركي قبل أن تنهي دولة الكيان تلك المهزلة، وان يتم تجميد “التنسيق الأمني” الى حين التزام حكومة نتنياهو بالتراجع عن خطتها المشبوهة ضد القدس والأقصى..وأن يقرر اعضاء المجلس الاعتصام بمقر مجلسهم ودعوة سفراء وممثلي العالم ووسائل الاعلام لتغطية “الاعتصام المفتوح” ضد الجريمة الاسرائيلية..
ومن الاعتصام يطالب المعتصمون القيادة بالعمل الفوري لتفعيل استكمال انضام عضوية “دولة فلسطين” في المؤسسات العالمية، وفي المقدمة منها معاهدة روما لتفتح الطريق للذهاب الى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مجرمي الحرب في دولة الاجرام..هل تلك مطالب مكلفة لمواجهة خطر وجريمة يتم تمرريها في ظل غياب رد حقيقي!
“الاستنفار” و”النفير” ليسا بيانا وكلمات لو كان حقا هناك ايمان بأن ما يحدث جريمة وطنية تستحق النفير والاستفنار لكل مكونات الشعب الوطن..ولكن قضية بحجم ما حدث لم تتطلب اجتماعا طارئا للقيادة الفلسطينية لتقود معركة حماية الأقصى والقدس من تلك الجريمة الكبرى..ويطالبون العالم بعدها لبحث تلك الجريمة دون أن يفعلوا شيئا يجبر العالم على ادراك مخاطر جريمة بني صهون، وأي ثمن سيكون مقابلها..لكن “الغياب كان حاضرا بقوة تفوق الخيال”!
ومع كل ذلك فالجريمة الاسرائيلية ستجد من يتصدى لها ويمنع حدوثها فشعب فلسطين ليس عاقرا ولا قاصرا ولن يكون اتكاليا لتلك الفئات التي تعتقد أنها قادرة على التحكم بمصيره!
ملاحظة: فضائج اردوغان تتنامى يوما بعد آخر..رغم كل خطواته الديكتاتورية ضد الشرطة والقضاء والاعلام..لم يتمكن من طمس ما لا يمكن طمسه..الحق اسطع يا بن رجب..بس غريب السكوت الأميركي المطلق على تلك الفضائح!
تنويه خاص: ظاظا الرجل المالي لحماس يرى أن هناك “ضائقة مالية” وليس “أزمة”..طيب وين المعضلة وكيف ممكن قيادتك وعبقريتها تحل تلك “الضائقة” ما خبرتنا يا “ظاظا”!