كتب حسن عصفور/ لم تعد حكومة نتنياهو تعير اهتماما لأي كلام يمكن أن يقال عن قيامها بالنشاط الاستيطاني، بعد أن ضمنت أن الجهة صاحبة الولاية المباشرة في الرفض والمواجهة لها تفهمت أن ذلك “مقبول” من أجل أن يستمر “الائتلاف الحاكم”، كلام لو قاله أي انسان سيوصف فورا بأنه متآمر وخائن وطنيا، وكلام يراد منه تشويه ومحاربه الموقف الرسمي الفلسطيني بعد أن حقق “النصر التاريخي” في الأمم المتحدة – قبل التجميد – ، وقد يعتبره بعض اصحاب الكلام بأنه جزء من “مؤامرة دولية” باتت تخطط لها دوائر في مكان ما، لكن الحظ وحده ورأفة بشعب فلسطين أن من قال ذلك هو الوزير الأميركي جون كيري في لقاء صريح جدا مع وفد عربي، وبمشاركة وزير الخارجية الفلسطينية..
كيري ابلغ الحاضرين ومنهم الفلسطيني، ان الرئيس محمود عباس وافق على العودة الى المفاوضات دون ان يشترط أي وقف للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، وذلك من أجل منع انهيار “الائتلاف الحكومي الاسرائيلي”، هذه الكلمات من قالها كيري، ولم ينفها اي ممن حضر اللقاء من السادة الوزراء، بمن فيهم الوزير الفلسطيني، بل أن كل اصحاب النفي الفلسطيني الدائم لم يخرجوا علينا لتكذيب كيري، او نفي قوله، واعتبار هذه الأقوال جزءا من “المؤامرة الدولية” ضد الرئيس عباس..
الصمت الرسمي الفلسطيني على اقوال كيري، ليس اعترافا بصحتها فحسب بل تأكيد للكارثة التي تضمنتها تلك الأقوال من أن “الاستيطان واستمراره أصبح “ضرورة متفهمة” فلسطينيا كي لا يسقط نتنياهو”..أي قول يمكن أن يقال في معرض هذا الموقف، أيظن البعض أن فتح معارك جانبية هنا أو هناك يمكنه أن ينحرف بالمشهد عن حقيقة هذه “المأساة – المصيبة السياسية” التي وافقت عليها القيادة الرسمية، وهي التي لم تنفك تردد كلاما بأن “الاستيطان والسلام لا يلتقيان” وأن الاستيطان كارثة ستدمر علملية السلام..
تخيلوا لو أن احد قادة “حماس” قال بعضا من ذلك في أي لقاء مع مسؤول أجنبي خلال مرحلة “الود والطلب الدولية على حماس”، ماذا كان سيخرج من بيانات وتصريحات، واي صفات ستلصق بتلك القيادة، فقط سؤال افتراضي للقيادة التي تولت تقديم تلك “الهدية الثمينة جدا” من حساب الأرض الفلسطينية لحكومة نتنياهو من أجل الا تسقط ولتستمر، لا نود أن تقولوا ذات الأوصاف وأن تطلقوا ذات التهم على من قام بها، ولكن الا تستحق وقفة “تأنيب ضمير” وعدم الاختباء وراء “معركة وهمية” أو تغطية كل نقد لتلك المصيبة السياسية بأنها جزء من “المؤامرة على الرئيس عباس”..
كيف يطالب “السادة الناطقون” هرطقة، ان لا يتم تناول هذه المسألة الأخطر في المعركة مع المحتل، فهي تتعلق بأرض “دولة فلسطين” التي اعترف بها العالم، كيف يمكن الصمت على مصادرة أرض وتهويدها، ومن يتحدث يصبح جزءا من “مؤامرة كونية” تستهدف الرئيس..هل حقا أنتم مقتنعون بذلك، بل هل حقا هناك “مؤامرة لاستهداف الرئيس”، ولو كانت فمن هي أطرافها بعد ان نشطب منها الولايات المتحدة التي لا تكف عن الثناء على الرئيس، وحكومة نتنياهو التي حصلت على هدية ولا أثمن بان تستمر في النشاط الاستيطاني والتهويدي كي لا يسقطها “المتآمرون” من بين اسرائيل..اي مؤامرة تلك التي يمكن أن تكون في ظل التفاوض المعيب، ومع وقف كل عمل أو تحرك نحو تعزيز مكانة “دولة فلسطين”..
هل يظن البعض ان استخدام المصطلحات الكبرى يمكن ان يكون سلاحا ارهابيا لمنع أي رفض لسياسة غير مقبولة وطنيا.. من يتحدث عن “المؤامرة” عليه أن يتساءل من هو المستفيد من عدم انضمام فلسطين الى معاهدة روما، والانضمام الى عضوية المحكمة الجنائية الدولية، وملاحقة اسرائيل باعتبارها دولة “جريمة حرب”، اي هدية يمنحها الموافقة الرسمية الفلسطينية على استمرار النشاط الاستيطاني والتهويد، بعد أن تم تعريف الاستيطان باعتباره “جريمة حرب”، وبالتالي تلك “الموافقة المشؤومة” تلغي ذلك التعريف الذي شكل واحدا من مكاسب فلسطين شعبا وقضية في المؤسسات الدولية، ولم يكن عبثا ان يستند وزير اسرائيلي الى تلك الموافقة لتخفيف قرار الاتحاد الاوروبي ضد الاستيطان..
المسألة ليس في أن اتهم الآخرين للهروب من الحقيقة السياسية، فالمعارك الجانبية مهما تم تضخيمها لن تلغ حقيقة “الجرم المشهود” في أن “الاستيطان ضرورة كي لا يسقط نتنياهو وتحالفه الحكومي في عرف القيادة الرسمية”، كما قال كيري..هذه الحقيقة التي يجب التراجع عنها ثم الاعتذار من الشعب الفلسطيني على السقوط بها، واعتبارها خطيئة لن تتكرر..ودون ذلك يصبح كلاما استخفافيا بشعب أكثر وعيا من أن يخدع ببيانات ذات غرض خاص جدا!
ملاحظة: عودة د.سلام فياض من باب محاربة الفقر في فلسطين يشكل بادرة أمل بأن يعطي لفقراء فلسطين، الذين يتزايدون يوما بعد آخر، وقتا مضافا وليته يفكر حقا في انشاء “بنك لهم”!
تنويه خاص: المعارضة السورية المسلحة، وبعض المعارضة السياسية ذات الهوى التركي – القطري، هما السند الأهم للنظام السوري..وربما لو حافظ الاسد على مكانته سيمنحهم خير الأوسمة وأرفعها..مبروك لبشار خصومه!