كتب حسن عصفور/ لا يخلو بيان أو حديث صادر عن قيادات فتحاوية دون الطلب من “الشعب والقوى الوطنية” أن تلتف حول الرئيس محمود عباس لمواجهة “المؤامرة”، نداء ما كان له أن يكون لولا شعور حركة فتح أن هناك “معضلة” في العلاقة بين الرئيس والشعب وغالبية القوى الفلسطينية، بشقيها المنتم لمنظمة التحرير أو تلك التي تنتظر تلبية عقد الاطار القيادي المؤقت لتصبح جزءا من “آلية القرار الرسمي”..
ولـ”فتح” كل الحق في مناشدتها المتكررة، والمتواصلة ايضا، لكنها يجب أن تقف وتفكر لماذا تطلب الحركة التي تمثل العمود الرئيسي لمنظمة التحرير، فلا نعتقد أن تلك “المناشدة” تحتاج بيان أو طلب يصل في بعض أقوال المتحدثين الى حالة من “الترجي”..
لا يحتاج المرء الى جهد كبير ليدرك أن “الفجوة السياسية” تتعاظم بين القوى والمؤسسات المجتمعية، والرئيس عباس، أو ما يحلو لفتح تسميته بوجه غير دقيق “القيادة”، واتسعت الفجوة كثيرا خلال الأشهر الأخيرة، وخاصة منذ أن قرر الرئيس عباس “وخليته المحدودة العدد جدا واقل من عدد اصابع اليد”، تقديم مشروع الى مجلس الأمن، دون أي اتفاق او توافق مع المفترض أنهم “قيادة فلسطينية”..
المسألة هنا ليست محاسبة منهج تكرس كثيرا خلال “العقد العباسي” للحكم منذ عام 2005، بل تساؤلات أكثر من ضرورية حول العلاقة بين الرئيس والإطر ودائرة صناعة القرار ثم اتخاذه، وبينهما مسافة سياسية تمثل ضرورة لصواب آلية العمل، فصانع القرار قد تكون مجموعة من القيادة والخبراء والمهتمين بالشان المفترض بحثه، ودائما كان للخالد أبو عمار “خلية عمل – أو مطبخ سياسي” غالبها معلوم الاسماء، يبحث به تفاصيل تفاصيل اي قرار سيكون، ثم يتم نقاشه بالتفصيل الأكثر في اطار القيادة التي هي صاحبة اتخاذا القرار، وليس أي جهة أخرى، وهذا لم يكن سمة حاضرة في أغلب قرارات الرئيس عباس السياسية، خاصة المصيرية منها..
ونظرا لغياب آلية واضحة لصنع القرار ثم آلية اتخاذه كثرت الأخطاء والارباكات السياسية، ودون العودة الى الوراء ومناقشة مسار “عقد سياسي كامل”، فقط ليتوقف الانسان أمام الآونة الأخيرة، ومنذ توقيع اتفاق الشاطئ، والذي كان عليه أن يضع نهاية لزمن “الكارثة الكبرى رقم 2” في التاريخ الفلسطيني، ذلك الاتفاق الذي تعامل معه الرئيس بشكل نمطي جدا، قام بتشكيل مجلس وزراء لم يقدم مظهرا من مظاهر القدرة الفاعلة، وكأنه ينتظر لحظة الفشل، تستر خلف مصائب حماس وتحكمها ليقفز ويعلن أن العمل غير ممكن..
اسلوب خال من المسؤولية السياسية، حتى أن وزير الرئيس الأول لم يصل الى القطاع سوى لساعات كان أبرزها “وجبة الغذاء البحري” في منزل هنية وتبادلوا خلالها القبل والكلمات المعسولة، ثم تناولوا ما لذب وطاب وانتهت الرحلة دون أن يرى وزير الرئيس الأول شيئا من معاناة أهل القطاع..
أن يرمى الرئيس وحكومته الخاصة بالمسؤولية على حماس، فذلك مظهر انقسامي بالمطلق، لأن المفترض ان الرئيس والحكومة باتا هما من يتحمل المسؤولية، فماذا فعل الحاكم وحكومته ليضع حدا للإنقسام، هل ادارة قطاع غزة يمكن ان تكون عبر “الفيديو كونفرس”، اي مسؤولية يمكن ان يراها الانسان في استخفاف حكم وحكومة بقطاع غزة أكثر مما حدث في الاشهر الأخيرة..
وبعيدا عن تفاصيل المشكلة وحيثياتها التي لا تعفي حماس من المسؤولية عما اصاب القطاع، لكن الحاكم وحكومته دوما من يتحمل المسوؤلية، ام ان يعلن للشعب الحقيقة كاملة ويتخذ الاجراءات الكفيلة، وليس التصريحات بين حين وآخر لتقول أن حماس مسؤولة وإنتهى الأمر..وهناك قوى وفصائل ومؤسسات ترى أن المسؤولية أولا على الرئيس وحكومته، التي استغلت تفجيرات غزة ضد قيادات فتحاوية كقميص عثمان لتهرب كليا من “قطاع غزة”..
ولأن المسؤولية لا تقاس بالقطعة، لا يمكن لعاقل أن يقرأ عن قطع رواتب موظفين في عملية لا مثيل لها، وضد ابناء فقط من قطاع غزة، وكأن هناك من يدفع القطاع أن “يتمرد” رسميا، ويعلن القطيعة ليجد له مبررا فيما يمكن ان يكون لتمرير مشروع “التقاسم الوظيفي”، المشروع الذي لا زال في أدراج البعض..خطوة ليست مالية فحسب بله هي سياسية بامتياز، خاصة وان كل أطر فتح في قطاع غزة ضد تلك الخطوة وتستهجنها تماما، ولكن هناك من يصر الا يرى أو يسمع ما يحدث لأهل القطاع..
وبالمرور على العلاقة بين فصائل المنظمة والرئيس، فإنها الأسوأ منذ قيام السلطة الوطنية عام 1994، حتى أنها لم تصل الى توتر وشبه قطيعة عشية اتفاق اوسلو رغم ما ظهر من تباين كبير، فالرئيس عباس في الشهر الأخيرة ألغى عمليا أي دور للقيادة والشرعية، وخطف القرار الرسمي دون أي اكتراث بالاطار الشرعي الرسمي، ولعل المشروع الفضيحة الذي انتهى الى مزبلة التاريخ بغير رجعة، كان النموذج الأوضح..
ولو توقف المرء أمام ما حدث بعد اغتيال الشهيد زياد ابوعين وحجم التهديدات للرد على الجريمة لتوقع أن “الانقلاب السياسي والتمرد الكبير” على الاحتلال آت لا محالة، وأن اعلان دولة فلسطين بديلا لسلطة باتت عقبة وظيفية أمام حركة الاستقلال الوطني، هو القادم، كبداية لـ”فك الارتباط” بالاحتلال، ولكن ذهبت سفن الرئيس الى مرسى مختلف ليمرر مشروع متعارض كليا مع المشروع الوطني..
وعندما قرر اتخاذ رد فعل قام بالتوقيع على معاهدات وقرارات اراد البعض أن يعتبرها “ثورية”، رغم انها حق مشروع تأخر، بل لا زالت غير مكتلمة، ولكن جيد التوقيع على بعض الحقوق، الا أن المفروض أن من يبحث عن مواجهة معركة سياسية ولافشال مؤامرة، يجب أن يحشد الصف الوطني ويعزز الوحدة السياسية، ويطفئ كل ما يمكنه أن يكون بؤرة توتر في الداخل، ويعود للإطر الشرعية ويعدل من سلوك سياسي مع اشقاء عرب..
لكن ومنذ ذلك، لم يشعر أي فلسطيني أن هناك “معركة كبرى مصيرية” الا من خلال بيانات ناطقي فتح، لم يحدث خطوات ملموسة لتصويب المظهر الاشكالي الداخلي، حتى اللجنة التنفيذية عقدت اجتماعا يتيما، لا نعلم مدى امكانية تنفيذ بيانها، وقع قرار المحكمة الجنائية دون تشكيل فريق عمل لمتابعة ما سيكون كونها معركة سياسية قانونية كبرى..لا يلمس المواطن العادي أن هناك حقا معركة سياسية..
المسألة ليست ان تنادي بالصوت العالي بل أن تخطو خطوات يشعر معها الكل الوطني أنك صادق فيما تفعل، ولعال مرحلة الخالد بعد فشل كمب ديفيد كانت نموذجا لعلاقة الرئيس مع الشعب والقوى..
المناشدة يجب أن تتجه الى الرئيس ليعود الى الإطر والمؤسسات كي يرفع من شأن التلاحم الداخلي..وليبدأ فعليا بتشكيل حكومة وطنية جادة وينهي عمل الموظفين – الوزراء المرتعشين، وأن يدرك ان المجلس التشريعي ضرورة لا غنى عنها، لاستكمال الذهاب الى المحكمة الجنائية لتعديل بعض القوانين الفلسطينية التي يجب توافقها مع القانون الدولي، كما يجب وقف سياسة فتح “تفجيرات الشأن الداخلي” نهائيا..
الالتفاف حول “القيادة” من اجل قيادة المشروع وانقاذه ايضا، ان يبدا الرئيس عباس العودة الى “القيادة” وأن ينهي رحلة الخطف التي لن تكون سلاحا يخدم الوطن والشعب..وليتذكر أنه رأس الشرعية وليس الشرعية، وأن لا يتعامل مع قطاع غزة وكأنها “ملكا خالصا” لحركة حماس..فغزة من يحمي الشرعية تاريخيا..وهي من كسر خطف حماس لها قبل الآخرين..
التفكير واجب وضرورة ملحة للخروج من “المأزق” الذي يواجه السيد الرئيس!
ملاحظة: لشباب غاضب قطع راتبه: الحذر كل الحذر ان يكون “الغضب الفوضوي” هو المشهد الحاضر..عدالة قضيتكم اقوى ولكم من الأسلحة الكثير الا “الفوضى الغاضبة”!
تنويه خاص: مصر اليوم تتذكر بداية حركة تغيير المسار..ذكرى ثورة 25 يناير بكل ما لها دون “خطف أميركي – إخواني”، تبقى حاضرة بقوة في ذاكرة الانسان الباحث عن تحرر ولكسر دائرة الظلم والفساد!