بقلم : حسن عصفور
قبل الوصول الى \”مؤتمر آنا بوليس الخريفي\”، تعمل الولايات المتحدة تجاه أكثر من قضية في المنطقة مجال البحث وأيضا محيطها الاقليمي والدولي . ولا يوجد أدنى شك ان الولايات المتحدة، بسلوكها العدواني المستهتر لا تعمل على دراسة الوضع السياسي في المنطقة، دراسة تقييمية جادة، تفتح الطريق أمام إحداث تغير استراتيجي نحو الاستقرار والتهدئة، والتي \”نظرياً\” تتحدث عنها الولايات المتحدة في مجمل مواقفها الرسمية خلال الزيارات المكثفة والمتوالية لمناطق السخونة. والتعامل الاميركي مع \”حلفاء\” أو \”أصدقاء\” واشنطن من انظمة العرب \”وقد يكونون جميعا أو شبه لهم\”، لا يعطي مؤشرا على انتهاج سلوك التعاون الايجابي، بين الإدارة الأميركية وحكام بلادنا، بل ولا تبدو النية على ما يبدو لذلك، رغم كثرة زيارات الآنسة د. رايس وغيرها من ممثلي الإدارة الأميركية، ورغم بعض التصريحات الملتبسة هنا وهناك، إلا ان الولايات المتحدة لا تقيم وزنا جديا، لاهمية التعاون والتنسيق المطلوب قبل مؤتمر الخريف \”الميريلاندي\”، بل إنها تظهر في بعض سلوكها ما هو عكس ذلك المطلوب، من إدارة الظهر والاستخفاف، الى التهديد باستخدام أوراق لعبتها التقليدية، والتي للأسف، تمكنت عبرها من خداع الكثيرين أو شرائهم، لعبة \”الورقة الديمقراطية\” و\”حقوق الإنسان\”، وإصدار التقارير التي تحاول النيل من مكانة النظم السياسية العربية والحاكمة، وتركز أساسا في توجهها هذا، على الدول المركزية العربية، صاحبة الوزن السياسي والتأثير العام في المنطقة، انطلاقا من مبدأ \”ضرب الكبير يؤدب الصغير\”، لذلك فالحملة السياسية تستهدف أساسا مصر والعربية السعودية، علما بأنهما تمتلكان، علاقة تحالفية \”ورقياً\” لا غبار عليها مع واشنطن، إلا ان الحملة الأميركية الراهنة، باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تبرز كلما ازدادت سخونة النقاش العربي في قضايا استراتيجية، تظهر لنا فجأة تلك المسائل، علما بان حقوق الإنسان والديمقراطية، كانت أكثر ظلاما وبكثير في زمن ماض، مع العلم أنها لم تصل الى حالة الرضى الوطني، ولكن الولايات المتحدة لا تستخدم ذلك، حرصا ومصلحة على الحق الانساني والديمقراطي العربي، بل للضغط نحو استرضاء السلوك السياسي الاميركي في القضايا الاستراتيجية، وخاصة قضية الصراع العربي ــ الاسرائيلي والقضية الفلسطينية بكل مكوناتها السياسية .
وكذلك الاستحقاق السياسي في العراق، في إطار التقاسم الوظيفي الاقليمى (مع غير العرب)، حيث تسعى الولايات المتحدة، لإقامة نظام فدرالي عراقي يكرس الوضع الطائفي القائم الان، بعد الاحتلال الاميركي للعراق وهو ما يشكل خطرا سياسيا بشكل أو بآخر، على الحالة السياسية الرسمية العربية، نتيجة حقائق تاريخية قد لا تتمكن من التعايش الايجابي، مع نظام فيدرالي يعكس تباينا في الرؤى الطائفية والقومية بالمحيط العربي للعراق، الى جانب ما تخطط له الإدارة الأميركية لمستقبل إيران حسما عسكريا أو حسما سياسيا ينهي ظاهرة \”التمرد\” التي يجسدها السلوك الايراني، من خلال الرئيس احمدي نجاد، وتحت \”الضغط العسكري\” وبه ترسل الرسائل، إما التدمير الشامل دون احتلال، للمنشآت العسكرية والاقتصادية الإيرانية، يعيدها عشرات السنين الى الوراء، أو تدمير سياسي لنهج متصادم مع المشروع الاسرائيلى ــ الاميركي إقليميا خارج العراق . والمراقب لتطورات الوضع الداخلي، يلمس ان هناك تحركا إيرانيا، علنيا من قوى وأطراف، بل ومن داخل الحكم ضد \”النهج الاحمدي\”، وصل الى حد قيام الرئيس السابق خاتمي بشن هجوم غير مسبوق على شخص الرئيس نجاد، مترافقا مع نشاط سياسي لقوى \”الإصلاح\” في محاولة إيرانية لتجنب الضربة العسكرية، وإمكانية التعديل السياسي للسلوك الرسمي الايراني.
ومن جهة أخرى، يبرز التنسيق الاميركى مع تركيا بشكل لا يماثل ما هو قائم مع الدول العربية المركزية، اذ ان الولايات المتحدة تتعامل مع تركيا بأسلوب تحالفي حقيقي، تتشاور معها وتنسق في كل ما هو ضروري، والمفارقة ان الولايات المتحدة، هي من أيد السلوك التركي ضد الأكراد المسلحين ولكنها طلبت منها التأني في القيام بالغزو ضد الاراضي العراقية (رسالة الى بعض العرب ممن رحبوا بالخطوة التركية)، هذا الشكل من التنسيق الاستراتيجي لاتقوم به أميركا في القضايا المصيرية مع دولنا العربية.
فإيران وتركيا هما الأساس للسياسة الأميركية في العراق، والأدهى أيضا، أنها بدأت في الاتجاه باستخدامهما داخلنا، نحو لبنان وسورية في محاولة لصياغة \”نظام سياسي\” لبناني على المقاس الاميركي في \”التعاون الجديد\” فتجد إيران و تركيا وعبر سورية تتحركان نحو لبنان و كليهما ومعهما الحكم في سورية \”يطالبون حل مشكلة الرئاسة اللبنانية\” دون تدخل خارجي (الغريب أن تصريح نائب الرئيس السوري ووزير خارجيته، جاء بعد زيارة الوفد المصري إلى لبنان).
معادلة الحركة السياسية الأميركية باتت واضحة لبناء ركائز \”التغيير الجديد\” أساسها: إضعاف القوى الإقليمية العربية لصالح غير العرب، فتلك هي القاعدة لاستمرار التحكم الاستراتيجي بثروات ومقدرات المنطقة، وضمان إقامة \”وضع سياسي جديد\” يتيح لها ولإسرائيل القدرة على السيطرة، في ظل غياب \”البديل\”.
و هذا المخطط ليس خافيا على احد، خصوصا صانعي القرار العربي، إلا أنهم يمارسون سياسة الرفض السلبي، وليس الرفض الإيجابي، والأدهى أنهم لا يجتمعون على كلمة سواء.
30 تشرين الأول 2007