كتب حسن عصفور/ بعد اتفاقيات كمب ديفيد بين مصر ودولة الكيان، كان الاعتقاد أن تبدأ رحلة البحث عن وضع آليات لنهاية الصراع العربي – الإسرائيلي وفق ما وضعت قواعده تلك الاتفاقيات، خاصة ودولة العدو حاولت قدر مستطاعها أن تستخدم الرفض العربي الفلسطيني لقرار التقسيم عام 1947، ذريعة مستمرة الى حين 1979.
ورغم الرفض العربي والفلسطيني المشروع لاتفاقية كمب ديفيد، بعيدا عن الأسباب التي ذكرت في حينه، لكن الموقف العربي الرسمي اتجه لتصميم رؤية جديدة لما أسموه “صناعة السلام” و “الحل الإقليمي” في مؤتمر القمة العربي بمدينة فاس المغربية مارس عام 1982، فيما عرف بمبادرة الأمير فهد، والتي لم تجد إجماعا عربيا، وخاصة فصائل الثورة ومنظمة التحرير، وقد حذر القائد المؤسس الخالد ياسر عرفات في حينه من آثار ذلك الموقف، ملخصا بتعبير دخل التاريخ السياسي..”فاس ستصبح فؤوسا على رؤوسنا..”.
ولم تتأخر دولة العدو الاحلالي القيام بغزوتها على لبنان وتصل مشارف أول عاصمة عربية بيروت، في المعركة التي تواصلت لثلاثة أشهر، وسط فرجة رسمية عربية، وقوى إسلاموية وقفت تنتظر خلاصا من ممثل الشعب الفلسطيني، وكانت معركة بيروت ولبنان لوحة شرف وبطولة كفاحية، أدت في نهايتها الى مغادرة قيادة الثورة والمنظمة الى تونس، للبدء برحلة جديدة كانت هي بوابة العبور لتأسيس “الكيانية الأولى” فوق أرض فلسطين.
في ديسمبر 1987، انطلقت الانتفاضة الوطنية الكبرى، فسارعت أمريكا لاحتواء الغضب الشعبي الفلسطيني عبر مسار خلق “البديل السياسي” لمنظمة التحرير باعتبارها قائدة الفعل الثوري والمتعاكس مشروعا مع المشروع الاحتلالي، فدفعت أطرافا عربية لدعم انطلاقة حركة حماس بالتوازي مع تصميم مؤتمر مدريد/ واشنطن 1990 – 1991، بخلق مسار احتوائي يضم فلسطينيين من الضفة وقطاع غزة دون المنظمة والقدس.
محاولة تطبيعية حاولت بها أمريكا (القائد العام لدولة الكيان عسكريا وسياسيا) لكسر الانتفاضة الوطنية والممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، لم تصل لهدفها السياسي بعدما أدرك رئيس حكومة دولة الاحتلال اسحق رابين وحزب العمل، انه لا يمكن للمسار الأمريكي ان يصل لما صممته الإدارة الأمريكية، وخاصة “الفريق اليهودي الصهيوني بقيادة دنيس روس”، فقرر مفاوضة منظمة التحرير مباشرة، عبر قناة سرية في أوسلو أنتجت أول اتفاق في التاريخ بين دولة الكيان والمنظمة أدى الى قيام السلطة الفلسطينية.
ولأن اتفاق أوسلو بمختلف مسمياته (إعلان المبادئ 93، اتفاقية طابا 1994 ثم الاتفاق الانتقالي 1995) تعاكس جوهريا مع المشروع الأمريكي والتوراتي، قامت الفاشية اليهودية باغتيال رابين نوفمبر 1995، لتفتح الباب صعود تحالفها الرافض لتلك الاتفاقيات بقيادة نتنياهو- شارون 1996، التي تهربت كليا من تنفيذ ما عليها في الاتفاقات حتى تلك التي وقعتها في “واي ريفر” 1998 برعاية الرئيس الأمريكي كلينتون.
وفي سبتمبر 2000، أطلقت حكومة باراك حربها العدوانية الشاملة ضد السلطة الوطنية، مع انها منتمية لحزب العمل، صاحب ريادة توقيع الاتفاق، الا أنها مضت في موقف رئيسها الذي انحاز منذ 1993 لموقف “التحالف الفاشي” ضد اتفاق أوسلو، ليبدأ حربه التدميرية ووضع خطة اغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات بالنسيق مع الإرهابي إريك شارون.
ربما كان التقدير أن توقيع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 مع حكومة دولة الكيان برئاسة رابين، سيكون قوة دفع كبيرة نحو صناعة سلام إقليمي يفتح أفق التعاون في المنطقة بعيدا عن رحلة الصراع الطويلة، خاصة بعدما ذهبت الأردن لتوقيع اتفاق وادي عربة عام 1994، تكميلا لدائرة المثلث العربي حول إسرائيل.
ولكن، المفارقة التاريخية كانت أن ذلك التوقيع فجر الفكر الفاشي داخل دولة الكيان، وسارعت قوى الإرهاب والتطرف بالتحالف الأول عام 1996 ثم لاحقا 2002، عام اطلاق مبادة السلام العربية مارس في بيروت، واستمرت تنتج حكومات ترفض كليا مسار سياسي للسلام مع منظمة التحرير وتخلت كليا عن أي التزام لها بالاتفاقات الموقعة، وعادت للتعامل مع الضفة والقدس وفق المفهوم التوراتي، وعززت مشروعها التهويدي عبر توسيع البناء – الوجود الاستيطاني في الضفة مرتفعا الرقم ما يقارب الـ 100 ألف عام 2000 الى 750 ألف عام 2022، الى جانب اعتبارها السلطة غير صلة.
وشهد عام 2020 تحولا يمكن اعتباره مفاجئا جدا، وخارج سياق حركة الصراع القائم، عندما أقدمت دول عربية في عهد الرئيس الأمريكي وفق ما عرف بـ “صفقة ترامب” على توقيع اتفاقات “سلام” مع دولة الاحتلال أسموها “اتفاقات إبراهيم – ابراهم”، فتحت كل الأبواب للتعاون الشامل، بل وصل الأمر الى تطبيع شعبي مفتوح، وهو ما لم تجده أبدا في مصر والأردن.
ومنطقيا، كان لتلك الاتفاقات “الإبراهيمية”، ان تكون رسالة فكرية سياسية جديدة، تفتح أفق لنهاية صراع بعد ذلك “الاحتضان الفريد” بين دول عربية ودولة الكيان، تحدث عنها قادة اليهود ليس في إسرائيل بل في مختلف أماكن حضورهم، وتغنوا بها باعتبارها “النموذج السلامي” نحو مسار خال من “الكراهية والعداء”.
ولأن المؤشرات التي أكدها معزى اغتيال رابين، بأن إسرائيل دولة لا يمكنها ان تقبل السلام وفق قواعد “السياسي الممكن”، بل “الاحتواء الممكن”، رفضتها بعض الدول العربية وتجاهلتها اعتقادا أن “ثنائية التعاون” معها تختلف عما يتعلق بالصراع المركزي، ودون الحديث عن فلسطين ومكانتها، فالواقع الذي أنتجته تلك الاتفاقات هو صعود التحالف الفاشي بأشكاله المختلفة.
وكي لا يعتقد البعض أن “الفاشية اليهودية” اقترنت بصعود تحالف نتنياهو- بن غفير -سموتريتش، لكنهم يتجاهلون انها أطلت مع تحالف بنيت – لابيد وغانتس، قبل ذلك، ما يؤكد أن اغتيال رابين لم يكن حدثا عابرا أبدا، بل رسالة واضحة ومحددة، أن السلام لا مكان له سوى بالطريقة اليهودية الخاصة.
وبعد مسلسل تجارب التاريخ، تأكدت الحقيقة السياسية التي كشفها توقيع اتفاق (إعلان المبادئ – أوسلو)، أن السلام مع دولة العدو الاحلالي هو قرار أمريكي بامتياز..تنفيذه بيد حكومة محلية في تل أبيب، والسلام مع إسرائيل لن يحضر في المدى المنظور..وكل خطوة تطبيعية معها تزيدها فاشية وعنصرية.
ملاحظة: بات ملفتا جدا غياب الإعلام الرسمي الفلسطيني كليا عن الحضور باللغات الأجنبية..وطبعا مسؤولي الرسمية ذاتها، لقاء وحيد مع قناة أمريكية لرئيس الحكومة اشتية..هل القصة جهل لغات أم جهل سياسي أم شي تاني ..والصراحة كل الخوف يكون من الشي التاني!
تنويه خاص: من فضائح “العدالة الدولية” انها قررت تفتح باب الاستماع لجرائم حكومة غوبلز نتنياهو في شهر فبراير 2024…طيب هيك قرار اكبر تشجيع لحكومة الفاشيين لارتكاب جرائم أكبر وتدمير اكتر..وعيش يا كديش!!