كتب حسن عصفور/ يبدو أن بعض موظفي الرسمية الفلسطينية يجهلون كثيرا مما حدث في مسار التفاوض بين منظمة التحرير ودولة الكيان وجوهر الاتفاقات الموقعة، التي توقفت حكومات تل أبيب المتتالية منذ عام 1996 عن الالتزام بها، أو تنفيذ ما عليها من استحقاقات إجبارية، تحكم تركيبة المسار العام نصا وبنودا وآليات، وليس عملية انتقائية، بل هي مترابطة ومتسقة فلا تنفيذ دون تنفيذ، معادلة واضحة جدا.
وكي لا يذهب هؤلاء الموظفين بعيدا في “التذاكي التنازلي”، حول تعبير الالتزامات المتبادلة والمرتبط بها البند الخاص بعدم القيام بأي إجراءات إحادية الجانب تمس بقضايا الوضع الدائم (المستوطنات، القدس، اللاجئين، الحدود والعلاقات اللاحقة)، ارتكزت بشكل محدد بمنع القيام بأي نشاط استيطاني في الضفة والقدس، ووقف أي خطوات تهويدية تتعلق بالقدس الشرقية، والمس بالحدود التاريخية لفلسطين، مقابل عدم إعلان الفلسطينيين قيام دولة تتجاوز المرحلة الانتقالية، أو السيطرة على المعابر، او القيام بترسيم الحدود بين قطاع غزة ومصر.
كانت “خطوات مقابل خطوات” في مرحلة التزام متبادل وليس من طرف في حين تخلي الآخر، وهذا ما حدث عمليا منذ توقيع الاتفاق سبتمبر 1993، ودخل حيز التنفيذ مايو 1994، حيث امتنعت دولة الكيان عن القيام بأي بناء استيطاني في الضفة الغربية، ومع محاولة في جبل أبو غنيم حدث مواجهة لمنعها، وفي سبتمبر 1996 حاولت حكومة نتنياهو خرق الاتفاق في القدس عبر فتح النفق الخاص نحو المسجد الأقصى والبراق، لتندلع “هبة النفق” فسقط خلالها ما يزيد على 60 شهيدا و16 جنديا قتيلا من جيش الاحتلال، لتتراجع حكومة اليمين الفاشي عن محاولتها الأولى للخرق الكبير.
ما بعد المواجهة الكبرى التي قادها الخالد المؤسس ياسر عرفات 2000-2004، انتهى عمليا ما يعرف باتفاق أوسلو بكل مظاهره، رغم تمسك الطرف الرسمي الفلسطيني به بشكل ساذج، وبدأ يطارد دولة العدو بتنفيذ ما لم ينفذ منذ 1996، بل لم يدرك الرئيس محمود عباس المغزى الجوهري لقيام رئيس حكومة الكيان الإرهابي شارون الانسحاب من قطاع غزة دون تنسيق معه، او حتى إبلاغه، في رسالة تأكيده ان السلطة القائمة ليست بذي صلة، وبدلا من الرد العملي ذهب لتمرير مؤامرة أمريكا شارون بإجراء انتخابات ثانية للمجلس التشريعي يناير 2006، تمهيدا لاستكمال خطة شارون حول فصل الضفة عن قطاع غزة.
وبالتوازي مع تسارع مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي عبر أمريكا، عاد بعض موظفي الرسمية الفلسطينية، بالحديث حول الاستعداد لـ “وقف الإجراءات الأحادية” مقابل وقف إسرائيل إجراءاتها الأحادية”، وكأنهم يوضحون سبب عدم قيام الرئيس عباس بتقديم طلب رفع مستوى دولة فلسطين في الأمم المتحدة من عضو مراقب الى عضو كامل، بعدما أكد عليه قبل زيارة وفده ونجله الى الرياض، وعدم إعلان تعليق الاعتراف المتبادل.
ولكن، يبدو أن ما تفكر به “الرسمية الفلسطينية” لن يقف عند حدود تلك القضايا، ولكن الذهاب بتعطيل مسار المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم الحرب التي قامت بها دولة الاحتلال وفرقها الإرهابية الاستيطانية، الى جانب تعطيل مسار محكمة العدل الدولية حول ماهية الاحتلال (الرئيس لم يشر لها أبدا في خطابه).
الحقيقة التي يجهلها من يفكر بهذا المسار، أنه يرتكب جريمة وطنية كبرى، ليس من حيث وضعه المسألة في مسار مقابل مسار، بل لأن ذلك خدمة استراتيجية لمشروع التهويد والضم والفصل العنصري، الذي أصبح جزءا من النقاش الداخلي في دولة الكيان ذاتها، وأثره على مستقبل كيانهم، فالشرطية هنا لا تستقيم مطلقا مع الواقع ولا جوهر ما كان متفقا عليه ما قبل 1996.
قبل الذهاب بعيدا في مسار خدمة مشروع التهويد مقابل “تحسين مستوى الحياة السياسية – الاقتصادية” لتمرير “الصفقة الذهبية” للتطبيع، هنا نكون أمام خيانة سياسية للمشروع الوطني، ما يفرض مواجهة شاملة قبل فوات الآوان.
الحذر كل الحذر الوطني من تسويق معادلة جديدة يتم رسمها في دوائر الظلام “وقف مقابل وقف”..فتلك المعادلة تساوي مؤامرة بلا نقاب سياسي.
ملاحظة: يبدو أن الأتراك بدأوا بالرد على “طريق الممر الكبير” من الهند لأوروبا بشكل خاص ليس تعاونا مع اليونان ومصر وبس..لكن الحج رجب يبدو حابب يستفيد من “مواهب نتنياهو” الخاصة…مبروكين عبعض فكل منهما خبرة في اللف والدوران!
تنويه خاص: إعلام دولة العدو قال إنه “الموساد” زعلان من قطر لأنها نقصت كم مليون دولار من “الهبة الشهرية لديمومة الانفصال”..فطار وفد منه يطلب عودة المصاري وخاصة بعد “هدايا أبو المعزة”…الصراحة هيك خبر لازم يروح للثنائي “الجيم والشين” حليف “الحاء”…وسلامتها “المكاومة”!