بقلم : حسن عصفور
انتهت الجولة الأولى من اللقاءات الفلسطينية ــ المصرية، التي تواصلت فترة الشهر تقريبا، واستمعت القاهرة إلى مختلف القوى ذات الصلة، والأمور باتت تتجه نحو صياغة الورقة المشتركة التي ستمثل قاعدة الانطلاق نحو وضع حد للانقسام وإنهاء الانقلاب الذي عصف بالجسد الوطني الفلسطيني وهدد مشروعه السياسي.
ولا يوجد اي سر أو جديد فى عناوين أو ما يمكن تسميته \” المبادئ العامة للحل السياسي\” وصولا لعودة الأمور لما كانت عليه قبل الانقلاب المؤرخ وطنيا بيوم 14 حزيران الأسود.
أولا : تشكيل حكومة توافق وطني تعمل على :ـ
ــ إعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل 14- 6.
ــ معالجة النتائج الناجمة عن الانقلاب وآثارها السياسية والاجتماعية التي ستكون معقدة أكثر من السياسية.
ــ التحضير لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة ووفقا لأي نظام.
ثانيا: إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية وفق أسس وطنية ومهنية، وبإشراف خبراء عرب أو غيره بما يخدم المصلحة.
ثالثا: إعادة صياغة منظمة التحرير الفلسطينية، انطلاقا من إعلان القاهرة العام 2005.
رابعا: البند التائه، الموقف السياسي أو البرنامج السياسي المفترض التوافق عليه.
لا شك أن هذه المبادئ العامة لا تمثل إحراجا لأي فصيل للموافقة عليها، ولا يمكن أن يجد بها من يتنازل للآخر، ما دامت تتحدث كلاما عاما لا يحمل شيئا واضحا، والذي بسببه حدث الانفجار الأول، الذي سبقه اتفاق مكة وقبله وثيقة \”الوفاق الوطني\” المستندة إلى \”وثيقة الأسرى\” وعمليا كلها تحمل ذات الأسس والمبادئ، ولكنها لم تشكل القوة الرادعة لمنع \”الانقلاب\” وتكريس أن \”السلاح هو الحل \” فى العلاقات الوطنية ــ الوطنية ، بديلا عن \”الحوار هو الحل ..\”.
وربما بالقياس السياسي فإن المستفيد الأول وربما الوحيد من الجولة الأولى هو حركة حماس، التي كانت تعيش حالة عزلة سياسية وطنية أثر ارتكابها مجزرتين فى زمن قياسي، ضد آل حلس في الشجاعية، ما نتج عنها من منظر مخجل وعار سيبقى في الذاكرة الوطنية … وأيضا مجزرة أبناء دغمش والإعدام العلني لأسرى تم التنكيل بالجثث في عرف لا اخلاقي قبل أن يكون لا سياسي … وما تبعه من حرب \”الإقصاء\” الوظيفي في قطاعي التعليم والصحة، الذي ترافق بإضراب واجهته \”حماس\” بالإرهاب …
ولذا فإن \”حماس\” نالت \”جائزة\” الشوط كما يقال، بل ذهب د. الزهار إلى ابعد من ذلك، عندما أشار بوضوح إلى أن حركته (حماس) أحبطت مخططا للوقيعه بينها وبين مصر والجامعة العربية، ويبدو أن وراء الكلمات معاني عدة، ليس جوهرها صدق التوجه نحو التوحد وإنهاء الانقسام، بل كيف لحماس أن تكسر العزلة المتوقعة مصريا وعربيا، وهو الأمر الذي يكشف من جهة أخرى، مدى القوة الفاعلة للدور العربي وأثره على الانقساميين وهو عكس كل تلك التصريحات العنترية لبعض قادة \”حماس\” وبعض نوابها الذين شنوا هجوما عدائيا ضد مصر ولمصلحة الفرس …
ولذا فإن الاعتقاد بالوصول إلى ورقة يمكن تسميتها، \”إعلان مبادئ\” تمهيدا لبحث التفاصيل في لجان متعددة سيصل إلى حل انتقالي مؤقت لإخفاء الانقسام وليس إنهاء الانقسام، وهو ما يمثل خطرا كامنا بل وربما يكون أكثر سوداوية في المرحلة السابقة.
ويبدو ان حركة حماس، تستنسخ فى كل ممارساتها الطريقة الإسرائيلية في التعامل مع الشأن الداخلي، سواء سلوكها في مواجهة المعارضين، إرهابا واعتقالا، أو حملات قمع جماعية ووصولا إلى \”الاستنساخ السياسي …\”.
تريد تكرار المرحلتين، المرحلة الانتقالية المستندة إلى إعلان مبادئ، وتدخل في عمل اللجان الخاصة لتبحث في التفاصيل إلى زمن قد لا ينتهي فعليا، وخلاله تكون \”حماس\” موضوعيا عززت وجودها \”الانقلابي\” بشكل جديد متوافق عليه وطنيا وعربيا، عبر احتفاظها بمؤسساتها الأمنية في قطاع غزة، في المرحلة الانتقالية، وهنا تصبح لها كلمة السيادة الفعلية والتحكم في مجريات الحركة الواقعية، مع ما يمكن أن يحمله ذلك من مخاطر حقيقية مع كل من خالفهم أو سيخالفهم الرأي لاحقا، والسابقة التي حدثت لم تكن مسألة خطأ فني، فهي سلوك سياسي ــ ثقافي ونهج فكري لحركة لا تؤمن أصلا بالخيار الديمقراطي ..
ولذا فإن كان الهدف الوصول إلى حل حقيقي لإنهاء الانقلاب بكل ما تعني هذه الكلمة من مضمون آثار ونتائج، فإن المسألة، تقتضي أن لا ندخل في مرحلة انتقالية تحمل كل عناصر الانفجار، خاصة أن مختلف الأطراف، وبالأساس حركة حماس تتحسب جيدا للمرحلة القادمة، سواء الوضع السياسي الاقليمي أو آثار العلاقة مع بلاد الفرس ومخاطرها التي باتت تتضح لمن كانوا مصابين بعمى ألوان، مع ما ترافق لها من عزله وطنية داخلية وخسارة شعبية وانكشاف وجه لم يكن حاضرا قبل الانقلاب، سواء على مستوى الأداء والسلوك أم استخدام الإرهاب والقوة لحوار الآخر … مقابل اهتراء في الموقف السياسي للشرعية السياسية وخاصة على صعيد التفاوض مع إسرائيل …
ان الوقت الراهن يتطلب التوصل إلى وثيقة شاملة وكاملة تحدد جوابا للمبادئ والتفاصيل، بما فيها مسألتي قانون الانتخابات وآلياتها سواء للمجلس التشريعي أو منظمة التحرير باعتبارها احدى الأدوات التي ستعيد التوازن السياسي في الساحة الفلسطينية.
وتبقى المسألة الأمنية هي العنصر الأساسي فى الحل، فأي بقاء للمؤسسة الأمنية القائمة كما هي يفي الفترة الانتقالية فإنها تعني عمليا حكما بالإعدام المؤجل … فالحل يبدأ من وضع حد لتلك السوابق التي شكلت ركيزة للانقلاب والردة الوطنية، بكل مظاهرها وليس فقط المؤسسة الأمنية الشرعية، بل ما هو إلى جانبها أيضا … من هنا تبدأ حالة التوافق الوطني …
الوصول إلى حل مؤقت هو علاج مؤقت، ولكن مخاطره أكثر بكثير من تحمل بعض الألم وصولا إلى العلاج الدائم …
17 تشرين الأول 2008