كتب حسن عصفور/ لا يهمنا كثيرا ما قاله الرئيس الأميركي في خطابه السنوي أمام الأمم المتحدة عن العالم وما يحدث، فشعوب هذه الكون أدركت بفطريتها أن أمريكا لم تعد أمريكا، وأن كلام رئيسها بات في أحيان كثيره يماثل كلام “حكام العرب” الذين يقولون اي كلام في غالب الأحيان، عدا ذلك المتعلق بتكريس الاستبداد والهيمنة..خطاب أوباما الأخير جاء محاولة لستر عورته الكبرى في المسألة السورية، وافتضاح أمره..لكن هناك من لازال يرى غير ما نرى من إنحدار لهذه “الدولة العملاقة” المتراجعة وبسرعة أمام نمو حركة شعوب ودول ترفض أن تستمر “البلطجة السياسية الدولية” لأمريكا..
خطاب أوباما في قاعة الأمم المتحدة تحدث عن مشاكل عدة، لم يقدم رؤية لحل اي مشكلة بشكل واضح، لكنه ذهب بعيدا بالحديث عن مخاطر اسلحة الدمار الشامل وضرورة التصدي لها، تحدث عن ايران وسوريا، ولكنه لم يتذكر أن هناك “دولة” تقيم ايضا في المنطقة دون رغبة اهلها، تسمى اسرائيل تمتلك كل أشكال اسلحة الدمار الشامل النووي والكيماوي والجرثومي والفسفوري، وسبق لها أن استخدمته ضد أهل فلسطين خلال حربها الشاملة على السلطة الوطنية في عهد الخالد ياسر عرفات بموافقة أمريكية، اثر رفض “المؤامرة السياسية” في كمب ديفيد عام 2000، ثم أعادت الاستخدام ثانية في حربها على غزة أواخر 2008، وصدر تقرير غولدستون ليؤكد أن دولة اسرائيل المحظية بالرعاية الأميركية انها ارتكبت جرائم حرب باستخدام السلاح اليكماوي الفسفوري، وكان يجب معاقبتها رسميا لولا تراجع القيادة الفلسطينية أمام ضغط أمريكا عن استكمال المتابعة المطلوبة لملاحقة المجرم أمام “القضاء الدولي”..
ولأن الرئيس الأميركي يردد، بشكل ببغاوي” الكذبة الكبرى فيما يعرف بـ”ضمانات أمن اسرائيل”، تحدث في خطابه أمام الامم المتحدة عن ان السلام يعني توفير تلك الضمانات الأمنية، مع بعض أكاذيب الكلام السياسي العاطفي فيما يخص الشعب الفلسطيني، لكنه حديث لتمرير أخطر مقولاته المتكررة في مجمل خطاباته منذ أن زار تل أبيب والقدس مرتديا قلنسوة التطرف اليهودي، حديث لا يتوقف عن “دولة يهودية” في اسرائيل مقابل “دولة فلسطينية بلا ملامح واضحة..ولأن مقولة “دولة يهودية” باتت كذبة خطيرة شائعة فلها مكان آخر لمناقشتها، لأن الموضوع اليوم هو الكلام المستمر عن “ضمانات أمن اسرائيل”..
خلال المفاوضات المتعددة مع ممثلي حكومة اسرائيل، تكرر الحديث عن تلك الضمانات الأمنية من قبل المفاوضين الاسرائيليين، وربما لم تخل جلسة تفاوضية دون أن تجد حديثا عنها مباشرة أو غير مباشر ولكن المثير حقا أنه لم يكن هناك يوما ردا محددا أو واحدا أو واضحا عن ما هي تلك الضمانات الأمنية، فكل يتحدث عن رؤية قد لا تتفق مع اسرائيلي مفاوض في جلسة أخرى.. كثيرا ما طرح الجانب الفلسطيني السؤال التالي: هل من الممكن أن يستلم الجانب الفلسطيني رؤية كاملة وشاملة عن الضمانات الأمنية لاسرائيل؟..سؤال يتكرر وتسمع أجوبة تختلف من واحد لاخر، ولم تقدم يوما بشكل مكتوب كرؤية شاملة، يكتفون بالحديث عن مطالب او حاجات أو ضرورات ولكنك لا تعرف نهاية تلك المتطلبات ابدا..
فمنهم من يعتبر أن كل دول المنطقة العربية تشكل خطرا أمنيا، ولذا لا سلام قبل ان تعترف كل دول العرب بها وتزيل كل الاسلحة التي تعتبرها اسرائيل خطرا..وآخرون يرون ان لا سلام ابدا ولا أمن دون ازالة “الخطر الايراني”، والذي يدخل في متاهة تعريف هذا الخطر.. يبدأ بالسلاح النووي وينتهي بتصريح لأي مسؤول لا يرى أن قتلاهم وصل الى ملايين خلال حرب هتلر على العالم..وفجأة يتذكر أحدهم أن باكستان دولة مسلمة ولديها سلاح نووي، وهو خطر محتمل على أمن اسرائيل..مطالب يمكنها أن تبدأ بكلمة ولكنها لا تنتهي عند اسلحة الدمار الشامل لاي طرف تراه اسرائيل “خطرا” أو “خطرا محتملا”، ولذا وخلال رحلة التفاوض الطويلة، قبل أن تبدأ النسخة الجديدة منها، لن تجد مضمونا اسرائيليا موحدا لمفهوم “الضمانات الأمنية”، ولذا وكي لا تستمر رحلة الارهاق العصبي عند سماع الرئيس الأميركي يعيد بتلك “اللبغاوية” الحديث عن تلك “الضمانات”، نطلب من الرئيس محمود عباس وبعد أن تشرف بلقاء هذا الاوباما أن تتكرم الادارة الأميركية بكتابة رؤية شاملة عن ما هي “الضمانات الأمنية الاسرائيلية” من الألف الى الياء..أو كما يحب بعض الاتباع القول من ” “A 2 Z، التحديد الأميركي لو حدث قد يشكل مساهمة فعالة لجسر “الفجوات” بين فريق عباس التفاوضي وفريق بيبي، هل تستطيع أمريكا بكل اجهزتها ومفكريها وعبقارتها ومن يملك اي صفة تسبق “الاستراتيجي” من خبير لمحلل، ان يساهم في”بناء السلام” بتقديم هذه الرؤية “العزيزة”..
لو تمكنت أمريكا أن تحدد هذه الضمانات يمكنها أن تكون بداية تفاوضية جادة، سيقال بعدها هناك “امل بالسلام”، لكن من يرى بيتا يبنى في محافظة قلقيلية شمال الضفة “خطرا امنيا استراتيجيا” كما “القنبلة النووية” مضافا لها أي تصريحات يراها حكام دولة اسرائيل ذات الخطر، لن يصل ابدا الى أن يكون “جارا في سلام” وليس “شريكا له فحسب”..
الكذب مستمر واللعب بالوقت الفلسطيني مستمر ايضا.. السيد الرئيس محمود عباس نكلفك باسم الشعب أن تحضر لنا رؤية أميركية لتلك “الضمانات” ..فهل تقبل التكليف!
ملاحظة: حكومة بيبي ردت التحية لحركة حماس بأحسن منها.. قادة أمن دولة الاحتلال أدركوا مغزى الاستعراضات الحمساوية كما هي..فكان التصريح الأهم ..مطلوب أن تبقى حماس ولا عزاء لعباس!
تنويه خاص: متى يدرك أولي الأمر في “بقايا الوطن” أن المتغطي بامريكا عريان..هل سمع هؤلاء كيف باع اوباما حكم الاخوان بالثلاثة، بعد أن لمس أن مصر اقوى من التهديد والوعيد..اصحوا قبل أن تتعروا عالملط!