كتب حسن عصفور/ بعد معركة بيروت التاريخية سبتمبر 1982 في مواجهة جيش العدو بقيادة الإرهابي شارون، واضطرار قيادة الثورة الفلسطينية الموافقة على الخروج من العاصمة اللبنانية ضمن شروط خاصة، قال ياسر عرفات ردا على سؤال صحفي غربي، الى أين ذاهب، فكاد ردا حاسما مختصرا الى فلسطين.
تعامل البعض مع “الرد العرفاتي” بسخرية أو انه يقع في دائرة الأحلام والأوهام، ولكن زعيم الثورة المعاصرة للشعب الفلسطيني، رد وفي الأول من يوليو 1994، بعد 12 عاما من الجواب الصاعق، عمليا ليدخل أرض الوطن من بوابته الجنوبية في مشهد سيبقى في الذاكرة الجمعية بأنه اليوم الأكبر، بخروج ما يزيد على نصف مليون فلسطيني استقبالا للقائد الشمولي ياسر عرفات.
عبور الخالد أبو عمار من رحلة الغربة الطويلة الى أرض الوطن رئيسا لأول سلطة وطنية فوق أرض فلسطين، كان تغييرا جذريا في المعادلة السياسية – الجغرافية، اعتبرتها قوى اليمين الإرهابي في دولة الكيان بقيادة نتنياهو شارون كهانا (حاضنة التحالف الفاشي الحاكم راهنا) يوما أسودا لكيانهم ودولتهم.
اختيار ياسر عرفات دخول الوطن، رغم كل المخاطر، التي حاول البعض “القيادي الفلسطيني” في حينه، تصديرها، اختيار تاريخي لقيمة الفعل الكينوني الجديد، وأن الصراع بدأ بشكل جديد يتطلب قيادة الزعيم وليس رسائل الزعيم، دون أن يهمل كل ما كان تحذيرا أو تهديدا من قبل التكتل الذي قاد معركة – مؤامرة حرب 1982 لإخراج الثورة وقيادتها وزعيمها من لبنان.
تحدي الدخول، كان الدرس الأول في ملامح المرحلة التاريخية الجديدة للثورة نحو انطلاق “الكينونة الفلسطينية المعاصرة” فوق أرض الوطن، والذي استمر فعلا وحضورا الى اللحظات الأخيرة من “العمر الزمني” للمؤسس يوم 11 نوفمبر 2004، بعدما تمكن شارون من تحقيق حلمه وكل مكونات الفاشية اليهودية للخلاص من ياسر عرفات، اعتقادا أنها الضربة الاستراتيجية للرد على كسر جوهر المعادلة التوراتية – التهويدية في الضفة والقدس.
ربما نجح شارون فيما خطط له مع دخول مؤسس الكيانية الفلسطينية الأول، وأعاق بل كسر العامود الفقري لوحدتها بين نتوء جنوبي مشوه التكوين، مصاب بـ “جزام سياسي”، بات حارسا للتهويدية المرادة، وشمالا ضفة متلعثمة في الدفاع عن هويتها، التي يتسارع مشروع التهويد والاستيطان الاحلالي فوق أرضها، لتصبح ما يشبه “جزر وكانتونات”، مع سيطرة شبه مطلقة أقرب للمفهوم السيادي من قبل حكومة دولة الكيان.
وقد يحقق تحالف “أعداء الكيانية الوطنية الأولى” فوق أرض فلسطين في الضفة وقطاع غزة، بعضا من أهدافهم المشتركة، نحو فرض مشروعهم الجوهري في “التقاسم الوظيفي” والنتوء الكياني، لكن الجوهري، انه لم يعد بالمطلق هناك قدرة على شطب “الكيانية الفلسطينية العامة” والتي تعترف بها الأمم المتحدة باسم “دولة فلسطين”.
كان المؤسس الخالد يدرك جيدا، أن الصراع مع دولة الكيان الاحتلالي دخل عصرا جديد بعد التوقيع على “إعلان المبادئ” (اتفاق أوسلو) 1993، واستكمال الاتفاقات الانتقالية، بين البعد السياسي المكثف لترسيخ هوية كيان في مواجهة كيان، وتحضير لا يتوقف لأي غدر سياسي لم يكن بعيدا عن رؤيته السياسية، وهو ما كان فعلا في هبة النفق 1996، بعدما فاز تحالف “أعداء أوسلو” بالانتخابات الإسرائيلية.
مواجهة أرسلت الإشارة الأولى، ان الصراع السياسي الجديد انطلق في اليوم الأول لفوز نتنياهو، رئيس الطغمة التي اعتبرت اتفاق إعلان المبادئ خطرا على “الأمن القومي الإسرائيلي”، كما بعض الأدوات المحلية لهم، ما يتطلب الخلاص من الاتفاق ومن صانعيه بعدما اغتالوا رابين، فكان العمل متسارعا على جبهتي “بناء الكيان الفلسطيني” وتحصينه بما يمكن من أدوات لمواجهة ما سيكون.
بعد محادثات كمب ديفيد 2000، وقرار رئيس حكومة العدو يهود باراك باستكمال مخطط نتنياهو شارون الخلاص من مؤسس الكيانية والكيان، قرر الخالد ياسر عرفات ان يقود المعركة التاريخية من الضفة الغربية، ورفض البقاء في قطاع غزة رغم كل ما وصله من رسائل عن اغتياله، إدراكا أن المرحلة الثانية لانطلاقة الكيانية الفلسطينية المعاصرة تنطلق من قلب أرض الصراع وفقا لمفاهيم توراتية.
لم يتمكن الخالد المؤسس من استكمال رؤيته نحو الانطلاقة الجديدة، بعدما خرج جسديا من الزمن الجغرافي نوفمبر 2004، وتحول الى قاطرة الدفع الروحي لاستكمال المشروعية الوطنية، بعدما نجحت الفاشية اليهودية المعاصرة مؤقتا في تحقيق مخططهم، خلاصا من المؤسس وتكسيرا للمشروع الكياني.
سيبقى يوم الفاتح من يوليو 1994 الحجر الأول لبناء “الكيانية الفلسطينية المعاصرة”، وأن قرار الخالد المؤسس ياسر عرفات بالعودة الى أرض الوطن، كان الصواب السياسي لوضع حجر الأساس لها خلافا لما كان لغيره من “الانتظاريين”.
ملاحظة: حسنا خرج سموتريتش” القائد الحقيقي للتحالف الفاشي الحاكم”، ليصف رأس الطغمة نتنياهو بأنه منافق، وطبعا معها كذاب.. كلام سموتريتش مؤشر أن “الإرهاب اليهودي” في الضفة سيزداد كثيرا في قادم الأيام..كونوا جاهزين يا “فدائيين”.
تنويه خاص: مرت أيام عيد الأضحى ولم يستقبل الرئيس عباس المهنئين، بل لم يذهب لزياره مقر الخالد أبو عمار في ضريحه…الأسئلة صارت مشربكة حول حالته..واللي حواليه إدن من طين وأدن من عجين والي مش عاجبة بلاش..أيام مش خير شكلها اللي جاية.