كتب حسن عصفور: ربما لم يواجه شعب في العالم معاناة كما هي معاناة الفلسطيني في مطارات أو مناطق العبور التي تتطلب وثيقة سفر أو جواز، معاناة لا تقتصر على البلدان ‘الأجنبية’ بل تبدأ من المنطقة العربية من محيطها لخليجها.. معاناة لم تبدأ مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، بل منذ ‘النكبة الكبرى الأولى’ عام 1948، و’الوثيقة الجديدة’ التي منحت للفلسطينين كـ’وثيقة لاجئين’ شكلت بداية ‘سفر المعاناة’ الاضافية لمن هجر من أرضه الى ‘الداخل الفلسطيني’ أو الى خارجه..
كل فلسطيني حمل تلك الوثيقة، يعلم حجم المعاناة التي تصل في كثير من الاحيان الى سوء معاملة وحالة من الاذلال لم يتعرض لها أي مواطن لأي بلد آخر، معاناة لم تكن تستقيم أبدا مع اعتبار القضية الفلسطينية بأنها القضية المركزية للأمة العربية، وكأن تلك الوثيقة شهادة ‘شبهة جنائية’ حتى يتم براءة حاملها من قبل الجهاز الأمني لهذه الدولة أو تلك.. وقد لا يتفاجئ العربي بأن سوء المعاملة لحاملي ‘الوثائق الفلسطينية’ داخل البلدان العربية كان يفوق بدرجات عدة ما يمكن أن يواجه الفلسطيني في بلد أجنبي..
وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وتمكنها أخيرا من إصدار أول جواز سفر فلسطيني( دون نسيان جواز حكومة عموم فلسطين برئاسة احمد حلمي، لكنه كان محدودا جدا)، انتقلت المعاملة لحامله الى درجة اقل سوء وأخف معاناة ولكنها لم تنته أبدا، ولكن الحصول على تأشيرة دخول لدول عربية أصبح أكثر سهولة لبعضها بينما لم تتغير كثيرا تلك المعاملة عما كانت عليه سابقا لبعضها الآخر، بينما تحسنت الى درجة كبيرة جدا مع بلدان اوروبا وأمريكا، ويمكن لحامل الجواز الفلسطيني أن يحصل على تأشيرة دخول لغالبية بلدان أوروبا أو أمريكا لسنوات عدة.. تغيير ملموس جدا لمسه الفلسطيني مع ‘الجواز الأول’ للسلطة الفلسطينية غربيا ولكنه كان أقل كثيرا عربيا..
والمفارقة هنا تكشف أن هناك موقف سري للدول العربية وخاصة أجهزتها الأمنية من ‘الفلسطيني’ كفلسطيني، والذريعة التي كانت تستخدم سابقا لاهانة من يحمل ‘وثيقة سفر’ للاجئي، اسباب أمنية، دون أن تكشف ماهيتها، ولكن مع الحصول على ‘جواز سفر’ معترف به من عدد كبير من دول العالم، ولا يجد اي معاناة في أي مطار أجنبي، فتلك المتغيرات لم تصل الى المنطقة العربية وكأن ‘العقوبة’ لا زالت كما هي حالها بعد أن أصبح لحامل ‘جواز السفر’ مكانا يمكن ترحليه اليه لو أنه ارتكب ‘جرما’ لا يتفق وقوانين أي دولة عربية، كما كانت تتذرع أجهزة الأمن العربية..
ولكي لا نعيش الماضي والحاضر بمرارته التي لا ينساها أهل فلسطين، نتعرض لما يتم مناقشته حاليا حول امكانية الغاء تأشيرة الدخول لكل من يحمل جواز سفر عربي.. اقتراح يقال أن الرئيس المصري محمد مرسي يناقشه ليعرضه لاحقا، من أجل تنمية العلاقات العربية – العربية، وللحق لو حدث ذلك فسيكون خطوة عملاقة نحو البدء العملي نحو بناء منظومة عربية جديدة، الى أن يصبح الدخول على بطاقة الهوية، قبل أن يكون هناك بطاقة عربية موحدة الى جانب البطاقة الوطنية، خطوة غائبة دون سبب حقيقي، لكنها تمثل أحد عناصر عدم الانطلاقة النهضوية العربية قياسا بتاريخها ومقارنة بحاضر مع من كان بعيدا عنها يوما..
ولو حدث قبول اقتراح الرئيس المصري بالغاء تأشيرة الدخول لحملة أي جواز عربي لدولة عضو في الجامعة العربية، هل يشمل ذلك حامل ‘الجواز الفلسطيني’ الصادر عن السلطة الوطنية كممثلة لدولة فلسطين باعتبارها عضو في الجامعة، هل يمكن الغاء كل معيقات حركة الفلسطيني بعد سنين ‘ العذاب’ و’المعاناة’ التي لا تقل عن معاناة فقدان الأرض، هل سيكون الاعتراف بدولة فلسطين اعترافا بجواز سفرها، وتنتهي للأبد تلك التفرقة المهينة في معاملة الفلسطيني في مطارات وموانئ عربية، بلا سبب حقيقي ..
ولكي لا تترك المسألة للحظ أو الصدفة فليت القيادة السياسية للشعب الفلسطيني تبدأ مبكرا لتكون فلسطين جزءا من ذلك الاقتراح، علها تنجح في وضع حدا لمعاناة من يحمل وثيقة تشير الى أنه ‘فلسطيني’ وكأنه متهم مسبق ..!
ملاحظة: السيد منيب المصري يبحث عن ‘احياء’ ‘مبادرة السلام العربية’.. يا أبو رياح ارتاح.. لاحياة لمن تنادي لاعربا ولا سلاما.. فالآخر لم يعد له حضور منذ زمن بعيد.. وليتك توفر جهدك لاحياء ‘المصالحة’ الوطنية!
تنويه خاص: ما يحدث لحركة ‘فتح’ في قطاع غزة يستحق موقفا جليا من القيادة المركزية.. استقالات تتوالى.. فتح في القطاع ركيزة اساسية لحماية وحدة الضفة بالقطاع.. طبعا لو كان لا زال أملا قائما عند البعض !
مقالة ارشيفية كتبت بتاريخ 8/1/2012