بقلم: حسن عصفور
وفقاً للترتيبات المعلنة، فإن الرئيس الأميركي جورج بوش، سيبدأ زيارته \”التاريخية\” إلى المنطقة بزيارة إسرائيل ثم السلطة الوطنية، ويستكمل مشوار زيارته إلى مناطق عربية أخرى .
والزيارة بذاتها هي حدث سياسي مهم، من حيث الشكل، إذ إن زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة هي انعكاس للقيمة السياسية التي تشكلها في سياق الحسابات الاستراتيجية الدولية، دون الإنقاص من أن الموقف الأميركي في جوهره لا يتعاطى مع الثقل العربي بالقيمة والمكانة التي تستحق، لذا، يعتبرها البعض فرصة تأكيد تلك المكانة المهتزة، في العلاقات الأميركية العربية.
ومن حيث جوهر الزيارة، فإن المعلن فيها هو بحث جملة قضايا خاصة مما تتأثر بها \”المصالح الحيوية الاستراتيجية\” للولايات المتحدة، وأساسها التطور السياسي بعد \”مؤتمر أنابوليس\” والزخم الدولي للمؤتمر وانعكاسه على المسألة الفلسطينية، خاصة المسار التفاوضي آلية ومضموناً، إلى جانب ما له صلة بالملف النووي الايراني، ورد الفعل الإسرائيلي على التقرير الاميركي الذي شكّل صدمة سياسية لحكام تل أبيب، فيما سيسافر الملف الإيراني مع الرئيس الاميركي لبلدان أخرى، ومعه الأمن الاقليمي المتأثر بجملة من الإشكاليات السياسية، خاصة الوضع داخل العراق ولبنان.
وسيحرص الرئيس الاميركي على إظهار الاهتمام بتعزيز التحالف الاميركي الاقليمي في وجه المخاطر التي يحددها الأميركان، بأنها إيرانية ومنظمات إرهابية، وايضاً سيكون هناك الملف الاقتصادي الذي سيشكل عنصراً مهماً في الرحلة الأميركية، خاصة مع التطورات العالمية لجهة سعر النفط وأزمة اسعار الدولار .
إلا أن \”المسألة الفلسطينية\” وتشابكاتها ستكون نقطة مركزية خلال الرحلة الراهنة، ليس فقط مع طرفي الصراع المباشر، فلسطين وإسرائيل، بل ستكون جزءاً من الموقف العربي مع كل زيارة لجورج بوش، وهو ما أكدت عليه جولات الرئيس محمود عباس العربية الأخيرة، والاتصالات السياسية مع مجمل الأطراف ذات الصلة، وأعلن الرئيس الاميركي عن بعض ما يرى تجاه المسألة الفلسطينية وحلها، بالتأكيد على أن رحلته ستؤدي إلى الاتفاق على شكل الدولة الفلسطينية وطبيعتها، التي ستقام نتيجة المفاوضات بين الطرفين، ولم ينس الرئيس الاميركي اعلان أنه \”متأكد\” من ان سنة 2008 ستحمل تحقيق هذا الهدف، وسيعمل جاهداً للحفاظ على زخم \”أنابوليس\” للعمل من اجل الوصول إلى ما تم الاتفاق عليه خلال المؤتمر.
وبالتمعن في تصريح الرئيس الاميركي الأخير نجده يحمل تغيراً جوهرياً من حيث المضمون، باعلانه أن العام 2008 هو عام الاتفاق على \”شكل\” الدولة وطبيعتها وليس إعلان الدولة ذاتها وفق رؤيته التي سبق أن طرحها في حزيران 2004، والتغير هنا يعيد صياغة الموقف الاسرائيلي بإلغاء اي أمكانية لإنهاء مفاوضات الحل الدائم وصولاً لإقامة الدولة الفلسطينية. وقد استبقت إسرائيل زيارة جورج بوش بحملة تصعيد أمني خاصة ضد قطاع غزة وفي مدينة نابلس، خطوة اعتبرها رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض تستهدف بالدرجة الأولى الموقف الفلسطيني وخطته الأمنية والتنموية وكسر هيبة السلطة الوطنية أمام شعبها، في حين تواصل اسرائيل زيادة عدد الأرقام في بناء \”وحدات سكنية\” فوق جبل أبو غنيم، وبالأساس على أراضي أملاك الغائبين من أبناء بيت لحم، وأعلنت إسرائيل أنها ستقوم ببناء ألف وحدة سكنية بعد أن أعلنت سابقاً أنها (300) وحدة سكنية وكأنها تضاعف الرقم مع كل جولة جديدة، وأهداف ذلك الفعل الاسرائيلي لم تعد مجهولة.
وبتوازٍ مع تصعيد حملة النشاط الاستيطاني تعلن الحكومة الاسرائيلية بأنها ستقوم ببعض \”الخطوات الايجابية\” بمناسبة زيارة جورج بوش، ومنها، كما أعلنت إسرائيل، الاتفاق على تشكيل لجنة فلسطينية إسرائيلية بين أبو علاء رئيس الوفد الفلسطيني وتسيبي ليفني رئيسة الوفد الاسرائيلي تتناول بحث قضية القدس واللاجئين والاستيطان، والعمل على إزالة بعض \”البؤر\” الاستيطانية التي أقامتها إسرائيل، في بعض مناطق الضفة الغربية، والتي سبق أن اتخذت حكومات إسرائيلية قرارات إزالة لها ولكنها لم تنفذ.
وإن كان الطرف الفلسطيني يتطلع إلى الاستفادة القصوى من \”زخم\” زيارة بوش والطلب بالضغط لوقف الاستيطان والعدوان على قطاع غزة، والسير الجاد بالمفاوضات كي يكون العام الحالي، عام الدولة الفلسطينية، فإن ملامح الزيارة والسلوك الإسرائيلي، وتجنب الطرف الفلسطيني والذي انعكس على الموقف العربي الصادر عن الاجتماع الوزاري، إمكانية \”التأزيم\” مع الطرف الإسرائيلي وتصريح بوش \”بإعلان\” قيام الدولة لأجل آخر، لن تعطى ما يتوقعه الطرف الفلسطيني. ومع التقدير لما يتوقعه البعض عكس ذلك، الا ان مقدمات الرحلة وسيرها تشير الى ان التمني شيء والحقيقة القادمة شيء آخر.
وكي يصبح للفعل الفلسطيني قوة تأثير، بات من الضروري المباشرة في البدء بصياغة \”ورقة موقف\” تجاه مجمل التطورات الراهنة ومتطلبات مواجهتها وطنياً لإقرارها في المجلس المركزي الفلسطيني، ومن ثم الذهاب بها لاجتماع مجلس الوزراء العرب القادم نهاية الشهر الحالي، لتكون أساساً للموقف العربي للتحرك في المرحلة المقبلة وقبل قمة دمشق العربية ومؤتمر موسكو ( إن انعقد)، ذلك بعض مما يجب فعله كي لا نبقى أسيري حالة الصدمة السياسية العامة والدوران في حالة دهشة سياسية لم يتوقعها البعض.
08 كانون الثاني 2008