بقلم: حسن عصفور
تكتسب انتخابات الرئاسة اللبنانية، بعد أيام، أهمية خاصة تفوق كثيرا الوضع الداخلي اللبناني، اذ ان المعركة الرئاسية هناك وبعيدا عن كل الحسابات الحزبية والشخصية اللبنانية، باتت ذات طابع إقليمي ودولي، والاهتمام بها أصبح محط الأنظار، فالزيارات لا تتوقف والتشاور لا حدود له، رغم ان الجميع يتحدث عن ان الانتخابات اللبنانية \”شأن داخلي\”، إلا ان الحقيقة لا يوجد بها من الشأن الداخلي إلا الأسماء فقط، وما عدا ذلك لم يعد شأنا لبنانيا على الإطلاق.
والمسألة هنا تبدو طبيعية في ظل التطورات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة، خاصة عشية عقد المؤتمر الدولي \”مؤتمر انابوليس\”، والضرورات الناظمة لعمل المؤتمر، أجندة وحضورا ونتائج . ان انتخابات الرئاسة اللبنانية باتت أداة قياس ترتيبات الوضع الإقليمي لما بعد مؤتمرآنا بوليس .
وتحتل سورية النقطة الأساس التي يتطلع إلى سلوكها الجميع، فكلما توافق المسلك السوري مع التوافق العربي والدولي في مسألة الانتخابات الرئاسية، ساهم ذلك في تعزيز مكانة الحضور السوري في المؤتمر، بالمعنى السياسي، وتدرك القيادة السورية أكثر من غيرها ذلك، وعليه فإنها أخذت في رسم ملامح تحركها السياسي اللبناني والإقليمي، بما يحقق لها بعض المكاسب السياسية، وقطع الطريق على \”العزلة السياسية\” التي تعمل أميركا على وضع سورية داخلها.
وكان التحرك السوري تجاه تركيا ومع ما رافقه من \”غلطة سياسية\” بتأييد الموقف التركي ضد العراق (شماله)، خاصة وان الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل مرتبطتان ارتباطا استراتيجيا مع الدور الإقليمي التركي الجديد، والذي يستبق التغيرات اللاحقة \”لمؤتمر آنا بوليس\”.
ان سورية التي اتجهت إلى تركيا في هذه الفترة الدقيقة، اتخذت بدورها بعضا من المسلكيات السياسية عبر رسائل مشفرة لواشنطن وتل أبيب، وما تأجيل \”مؤتمر مناهضةآنا بوليس\” سوى خطوة أولى، دفعت البعض الفلسطيني المتواجد في دمشق ان يبحث عن بديل في طهران، دون ان يكون هناك تأكيد لذلك، خاصة ان \”الإقامة\” للفصائل الباحثة عن \”مكان عقد المؤتمر\” أساسا في دمشق.
كما ان السلوك السوري في الآونة الأخيرة، لم يعد يشكل العقبة الأساس لمسألة \”التوافق الداخلي\” اللبناني، خاصة وان \”التفاهم\” السوري الفرنسي يتطور بسرعة ملموسة تعطي الانطباع الايجابي للدور السوري في لبنان، وفرنسا هنا لا تتحرك في سياق \”العلاقة التاريخية\” مع لبنان، بل الى جانب ذلك، فإنها تعمل بتنسيق متكامل مع الإدارة الاميركية، والتوافق يترجم الى فعل سياسي، يقوده كل من السيد نبيه بري، وهو أكثر الشخصيات اللبنانية مرونة مع الموقف السوري، بل كان الأقرب سياسيا الى دمشق من غيرها، بما فيها حزب الله، والسيد رفيق الحريري الذي يجسد حالة \”التوافق العربي والدولي\” وبتنسيق كامل مع بطريرك الموارنة نصر الله صفير، والذي أصبح يلعب دورا سياسيا تجاوز مكانته الروحية.
وفي ذات السياق، فان سورية تبقي باب الاتصال السياسي، مع اسرائيل مفتوحا، وهو الأمر الذي كشف عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت وما تلاه من دعوات إسرائيلية متلاحقة، بالأهمية الاستراتيجية للتسوية مع سورية وارتبط ذلك بالتمسك العربي الفلسطيني بالحضور السوري لمؤتمر آنا بوليس، هذا المطلب الذي قادته مصر، العربية السعودية وفلسطين، ثم جاءت زيارة الملك الاردني لدمشق بعد غياب أربع سنوات، وما تضمنه البيان السياسي للزيارة حول المؤتمر والحل السياسي، إنما يشير الى ان سورية باتت قاب قوسين أو ادنى، من العودة الى مكانها الطبيعي وسط التأثير الإقليمي العربي، وابتعادها أكثر من خطوة عن طهران، وانعكس ذلك جلياً في سلوك \”حزب الله\” اللبناني، وبعض حلفائه كميشيل عون في تصعيد غير مسبوق، إلا ان التقديرات تشير الى أنها حركة محدودة التأثير، وعملية انفعالية غير ذات قيمة جدية في الفعل المباشر.
وجاء التحرك الروسي تجاه سورية، عشية مؤتمر آنا بوليس في سياق إعادة سورية إلى \”الانخراط\” في العملية السياسية الجارية وعدم \”الانعزال\” عما يجري، ما يتطلب منها إعادة رسم تحركها ومواقفها بعيدا عن الفترة الماضية، التي وضعت سورية على \”حافة الهاوية\” بل ان النظام ذاته أصبح تحت \”المقصلة الاميركية\”، وان كان السلوك السياسي لما قبل المؤتمر ونجاح سورية من العبور عبر بوابة لبنان، نحو طريق آنا بوليس، فان الأهم هو النتائج المرتبطة بذلك بعد المؤتمر.
فالتغيرات الإقليمية ستبدأ من يوم 23 (تشرين الثاني) مع رئيس جديد توافقي عربي ودولي، وغير ذلك ستكون نتائجه قاسية وصعبة جدا.
ان \”مفتاح التغيرات\” بات في يد أهل لبنان، وسورية بعد الانتخابات لن تكون هي سورية ما قبلها، وسلوكها السياسي وتحالفاتها لن تكون كما هي، ولذلك فان النقطة التالية للحركة السورية ستكون في \”المسألة الفلسطينية\” وما جاء من تأكيد زعامة الرئيس أبو مازن في البيان المشترك بعد زيارة الملك الأردني هو المقدمة للتغير اللاحق، والذي قد يكون تغيرا جذريا يؤسس لحالة \”التوافق الفلسطيني\” المطلوب على قاعدة التخلص من \”الانقلاب\” ومظاهره دون التخلص من حماس .. تحت رعاية عربية ودولية، ولكن بحسابات مختلفة عن حسابات الرئاسة اللبنانية!.
20 تشرين الثاني 2007