كتب حسن عصفور/ بذات روح الفلسطيني الذي انتفض عام 1976 دفاعا عن ارضه، خرج ثانية ليعلن رفضه لمشروع عنصري جديد يعمل على مصادرة ما تبقى لأهل النقب من ملكية ولتكريس قانون عنصري، خرج اهل فلسطين في “الوطن التاريخي” و”الشتات” لإعلان غضبهم من ذلك القانون، خروج شكل رسالة أولية بوحدة موقف شعب لرفض مشروع عنصري..
وكانت مظاهرات الضفة الغربية، وطبيتعتها الأكثر اهتماما واثارة، كونها كسرت حالة “السكون الكفاحي” الذي يخيم على أجواء الضفة الغربية تحت عشرات الذرائع، والتي تطلقها الفصائل قبل السلطة، ولكن مظاهرات الغضب ضد “برافر” جاءت لتعلن أن المخزون الثوري هو الغالب، وكسرت بعض المحظورات والحواجز الأمنية للوصول الى مقر الحكم العسكري في الضفة الغربية داخل مستوطنة “بيت ايل” برام الله، ورفع العلم الفلسطيني على بوابتها، فكانت رسالة بالغة الدلالة ليس لقوة الاحتلال فحسب، بل لقوة السلطة الأمنية ايضا، خاصة وأنها المرة الأولى التي تتمكن بها قوة المتظاهرين من كسر “حواجز قوتي الاحتلال والسلطة”، للوصول الى مقر الرمز الاحتلالي فبعد سنوات طويلة ، ومنذ مظاهرات ما بعد 2000، تتمكن مظاهرة شعبية من الوصول الى تلك البوابة التي يعرفها أهل الضفة بأنها – رمز الاحتلال – و”بوابة السيطرة والتحكم” في حياتهم..
قد لا يكون العدد المشارك في تلك المظاهرة حاشدا وكبيرا، ولا يتسق مع قيمة العنوان لاسقاط مشروع عنصري، لكن قيمتها الأهم في أن تحدث خارج النص السائد، ليس فقط من حيث المكان والزمان، بل من حيث المضمون، فمنذ الانتكاسة السياسية لحركة المواجهة الشعبية للعدوان الاسرائيلي – الاميركي ضد السلطة ومؤسساتها بعد قمة كمب ديفيد عام 2000، غابت موجة التوحد الكفاحي بين سكان الضفة والقطاع مع امتدادهم الشعبي في الجليل والمثلث والنقب..فمع هذه “الهبة” عادت روح الارتباط الكفاحي الذي كان ميزة خلال سنوات طويلة..
كما أن حركة “الخروج عن النص” لهذه المظاهرة يشكل دفعة معنوية للشعب الفلسطيني، وبادرة أمل لكسر حاجز “السكون العام” الذي يسود المشهد في الضفة والقدس لتحدي القوى الاحتلالية، وتبدأ رحلة الانتفاض الشعبي السلمي للخلاص من المشروع الاحتلالي بكل أشكاله، ورسالة الى حكومة الكيان أن الاتكال على “سكون الحركة” وغطاء المسار التفاوضي البائسن سيكون بابا لتعزيز المشروع الاستيطاني ليس سوى الوهم بعينه..فالانطلاقة والمواجهة الشعبية لا تنتظر قرارا أو تأتي بمرسوم رئاسي أو غيره، ولا تقف عند حدود عجز فصائلي، او أي تسمية أخرى، بل هي حالة تحضر في لحظة خارج الحساب والصندوق المعتاد..ولا تزال انطلاقة الانتفاضة الوطنية الكبرى عام 1987 التي شكلت قوة اعادت روح الكفاح وفرضت معايير جديدة للتعامل مع فلسطين وادت لانتاج أول حالة كيانية فوق أرض فلسطين، لا تزال حاضرة وذكراها بعد ايام لا أكثر..
الهبة الشعبية ضد “مشروع برافر” يجب أن تتواصل ، كي لا يتم اختطاف مشروعية النضال الوطني الفلسطيني، خاصة بعد أن أعلن تنظيم “القاعدة” أنه بات حاضرا في الضفة الغربية، اثر عملية اغتيال 3 من شباب فلسطيني في منطقة الخليل، اعلان لا يجب أن يعتبره البعض “خبرا معتادا”، بل هو رسالة لأكثر من جهة، وأولا الى السلطة الوطنية رئاسة وحكومة وأجهزة، والتي تدرك أن دخول “القاعدة” في هذا التوقيت قد يضعها في مأزق وقبلها يضع نضال الشعب الفلسطيني كله، خاصة والتجربة تشير الى أن استخدام العمليات الانتحارية العسكرية، سيكون النموذج لعمليات ذلك التنظيم، سيتم استخدامها لارباك الموقف السياسي الفلسطيني، ولسنا في مجال البحث عن من يقف خلفها واسباب ظهورها راهنا..
الطريق الوحيد لمواجهة مخاطر تنظيم “القاعدة” في فلسطين، هو الا تترك الساحة الكفاحية دون حركة شعبية حقيقية، خاصة وأنه لا يوجد ما يمكن أن يتقدم تقديمه لارضاء طموح شعب ينتظر الأمل منذ زمن من خلال مساق النهج التفاوضي – السياسي القائم.. وغياب الفعل الشعبي سيفتح الطريق لكل ما هو بديل، سواء مقبول أو غير مقبول، ولا يعتقد أي كان أن هناك أجهزة أمنية قادرة بتحقيق أمن كامل..
الخيار الآن أمام السلطة بكل أركانها لاسقاط السكون والمفاوضات الهزيلة هو العودة لاحياء روح الكفاح الوطني، واستبدال العبث السياسي في مجرى مفاوضات معيبة بفعل سياسي يعيد روح شعب يتوق لحريته وخلاصه.. والغياب سيفتح الباب لبدائل قد تكون مأساوية لشعب فلسطين وقضيته، وتفتح ابوابا جديدة للتآمر عليه..
المظهر الكفاحي ضد “مشروع برافر” يجب أن يكون هو الخيار لاستكمال النصر التاريخي في الأمم المتحدة بخارطة طريق نضالية، لا صلة لها بما هو سائد من عبث وخنوع!
هل يعود زمن أهل فلسطين الى أيام الانتفاضة الكبرى ويفرض شهر ديسمبر رزنامته الكفاحية الكبرى مرة جديدة!
ملاحظة: لماذا تصمت الرئاسة والحكومة على ما يقال عنها من رفضها لحل أزمة كهرباء غزة..الصمت يكرس التهمة ولو صحت تكون المصيبة أكبر من الاتهام!
تنويه خاص: الغاء حماس لمهرجانها خطوة معقولة، لكن هل الالغاء لسبب أمني أم مالي أم كليهما..!