كتب حسن عصفور/ حسنا فعل الرئيس محمود عباس بكسر حركة “السكون” عن زيارة محافظة فلسطينية، غير رام الله وبيت لحم، واختيار جنين بذاتها رمزية خاصة، مكانة، دورا وأهمية، فهي الأكثر عطاءا وطنيا بتقديمها 64 شهيدا منذ بداية عام 2023، من بين شهداء “الوطن” البالغ 205 شهيدا.
كسرت الزيارة حركة “مقاطعة” محافظات شمال “بقايا الوطن، بعد معركة جنين الأخيرة، التي وضعت بصمة خاصة في سياق المواجهة الشاملة مع العدو الاحتلالي، رسالة تبني لما يجب أن يكون خيارا، بعدما أعلنت حكومة “التحالف الفاشي” بقيادة الثلاثي نتنياهو – سموتريتش – بن غفير، شطب خيار الاستقلال الوطني وقيام الدولة الفلسطينية، والبحث عن “أداة محلية” تساعد في تمرير الخيار التهويدي، بمسميات حديثة.
وكي يكون الأمر منهجا وطنيا في مواجهة مشروع لا وطني، يجب أن يكون ضمن سياسية شمولية، وليس حركة انفعال آنية، بحيث تكون آلية حصار شامل للمؤامرة الشاملة، تنطلق من أسس البناء المشترك للمرحلة القادمة، وليس الإصرار على “الشرذمة الوطنية” القائمة حقيقة، رغم كل التشدق اللغوي، ولعل زيارة الرئيس الى جنين بذاتها، كشفت غياب العنصر المركزي لقاعدة المواجهة المطلوبة في مواجهة مشروع لم يعد به أسرارا، لا من حيث المضمون والسلوك، ولا من حيث أطرافه، التي بدأت تكشف حقيقتها بشكل كبير.
زيارة الرئيس عباس، خالية من الحضور الوطني غير الفتحاوي، يشكل علامة سوداء على آلية التفكير السائدة، دون النظر عن ظروف ومسببات ساذجة، ومن باب المقارنة والتذكير في آن، افتحوا أرشيف الخالد ياسر عرفات، ومدى حرصه أن يكون دوما بجانبه تمثيل وطني الى جانب حركة فتح، خلافا لمشهد الرئيس عباس في جنين يوم 12 يوليو 2023، حضرت قيادات فتحاوية، وغابت الفصائل الوطنية، بما فيها شركاء فتح في تنفيذية المنظمة، وليس فقط غياب قوى لها دور خاص ومميز في جنين، مواجهة ومعركة، وخاصة حركة الجهاد والجبهة الشعبية.
سلبية المشهد، لا تلغي قيمة حضور الرئيس عباس الى جنين في رسالة لها بعد سياسي قبل الأمني، ولعل بعضا منها جاء في خطابه التي يلخصها بعبارة واحدة ربما هي الأبرز له منذ زمن، بأن الوحدة الوطنية قاعدة الفعل الوطني، ورسالة لها بعد أمني في آن، ولكن كي لا يصبح الحديث حالة انفعالية لمشهد بذاته كان انفعاليا، يجب وفورا ترجمة الفكرة المركزية في الخطاب “الانفعالي”، بكيفية وضع محددات لمسألة الوحدة الوطنية، ردا على خيار العبث بها، ولا تحاصر فقط في إطار “خطابي”.
لعل الزيارة العباسية الى مخيم جنين بعد مشهد كفاحي فلسطيني، تعيد الاعتبار لتقييم أكثر صوابية من التفكير “الانعزالي”، الذي اخترق صفوف حركة فتح، أي كانت دوافعه، تعصبا أو غير ذلك، وتعيد الاعتبار لقيمة الحركة المركزية في العلاقات الوطنية، وأن ينتهي “عصر المناكفة” الذي بدأ منذ المجلس الوطني عام 2018، وما أنتج من “سلبيات كبرى” ألحقت ضررا سياسيا بالتمثيل والفعل.
وحديث الرئيس عباس عن الوحدة الوطنية، وعدم السماح للمؤامرة بالنيل منها، لا يمكن لذلك من حضور دون الذهاب سريعا لوضع “قواعد عمل” تنطلق من رؤية واضحة محددة، منطلقها الوطنية العامة، وليس “الوطنية الولائية”، التي يعتقد بعض فتح بأنها مقياس التفاعل والتحالف، وتلك مسألة وخلال سنوات، قدمت خدمة للعدو اليهودي الاحتلالي وأداة الشبق السياسي التي تبحث حضورا بديلا من باب الغدر الوطني.
إعادة التفكير في أساليب العمل الوطني، مضمونا وشكلا، هي المقدمة الضرورية لقطع طريق “المؤامرة” التي تطل الآن براسها بقوة وسرعة، وما أشار له الرئيس عباس صوابا، ولكنه لن يكون ناجعا أبدا دون قواعد عمل مشتركة، ليس مع “فصائل الموالاة” أو “فصائل الخجل” بل مع كل القوى عدا فصيل الفتنة، والذي يجب حصاره بكل قوة قبل أن يتكرر ما كان عام 2006 و2007.
فتح ورئيسها قبل الآخرين، يتحملون مسؤولية اسقاط المؤامرة أو تمريرها، بعيدا عن “الخطابات الساخنة”، بالذهاب نحو خلق جدار صد من “شراكة وطنية” وليس “شراكة تجارية” كما هو سائد، وخاصة منذ عام 2018، وذلك بوضع قواعد عمل بين قوى منظمة التحرير من بها ومن لم يعد بداخل تنفيذيتها، وكذا حركة الجهاد..قواعد عمل تعيد ملامح “شراكة سادت طويلا” في الثورة والمنظمة، رغم طريقها الذي لم يكن ورديا أبدا.
هزيمة مشروع مضاد وطنيا في فلسطين لن يكون بخطاب عنتري اللغة والشكل، بل بإعادة الاعتبار لجوهر ما كان مع تطوير بعض ملامحه وفقا لميزان جديد.
ملاحظة: بشكل غريب واستهبالي أعلن زعيم “حزب الله” أن معركة تموز 2006 اليتيمة، واللي وراها ما وراها، وضعت حدا لمشروع “إسرائيل العظمى”..كلام عجرفة وتضليل واهانة غير مسبوقة لشخص لم يطلق رصاصة لفلسطين طوال معاركها الوطنية…يا ريت أصحابه يوشوشوه بلاش تعيدها لتصير مسخرة!
تنويه خاص: بعض القوى في غزة تصاب بالخرس الكامل تجاه جرائم حكومة حماس..قتلا وسرقة مالية وابتزازات لم تعد سرية…هيك ممارسات وسلوك تكشف أن كل كلامكم عن “المقاومة” كذب في كذب..الجبان لا يمكنه أن يكون “فدائي” صادق.. واللي مصلحته أهم من مصلحة الناس لا يصلح سوى ان يكون تابع..شو ما سمى حاله!