كتب حسن عصفور/ عندما فرضت أمريكا وبالتوافق مع دولة الكيان، وعبر أداة تنفيذية هي دولة قطر، اجراء انتخابات جديدة للمجلس التشريعي الفلسطيني، لم يكن الهدف منها، بث “الحيوية السياسية” في النظام السياسي القائم، بل كان قصفا مضافا لإكمال حرب التدمير لها، التي بدأها نتنياهو 1996، وواصلها يهود براك ثم أكملها شارون، باغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات.
تصميم انتخابات ثانية لمجلس تشريعي، بمخالفة صريحة جدا لجوهر الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل عام 1993، أسقط موضوعيا عن دولة الاحتلال تحمل مسؤوليتها من عدم تنفيذ الجوهري، بإنهاء الاحتلال والبقاء في دوامة “المرحلة الانتقالية”، حصارا لأي بعد استقلالي وطني.
وكي تضمن أطراف “تصميم الانتخابات الثانية”، تحقيق هدفها المركزي باستكمال تدمير “الكيانية الوطنية الأولى” فوق أرض فلسطين، كان لا بد لهم من توفير أداة مساعدة لهم بذلك، فوجدوا ضالتهم في حركة حماس “الشبقة” للسيطرة والتغول، منذ أن تم بعثها كـ “بديل مواز” لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفقا لمخطط أمريكي نشره معهد واشنطن في تقرير شهير باسم “البناء من أجل السلام” عام 1988.
وموضوعيا، حققت الانتخابات نتائج فاقت تصورات “مهندسيها”، بما منح حركة حماس فوز كبير جاء أغلبه بتصويت فردي، فيما تساوت تقريبا مع حركة فتح بالنسبية، ما يكشف أن النتيجة لا تعبر عن الواقع القائم، بل تعكس تخريبا داخليا بمخطط مسبق لتفتيت الحركة القائدة للوطنية الفلسطينية، واستبدالها بـ “حركة طائفية”، يكون أسهل كثيرا محاصرة مشروعها في أي زمن تحت شعارات متعددة، من حركة وطنية كانت شريكا في أهم اتفاق تاريخي كسر جوهر الفكرة الصهيونية في فلسطين.
ومن أهم مفارقات تلك المرحلة، ان “ثالوث” مهندسي الانتخابات ومشاركة حماس، لم يطالبوها بأن تعترف بالنظام السياسي الفلسطيني وقانونه الأساسي، بل تجاهلوا أي شرطية عليها، بقبولها قرارات الشرعية الدولية، التي تذكروها بعدما نالوا هدفهم المركزي من الانتخابات.
وبعد ان حققت ما أريد لها، ذهبت حماس سريعا في شهر مارس 2006، بإعلان حكومتها الأولى برئاسة إسماعيل هنية، (رئيسها الحالي)، وفي خطابه البرنامجي امام المجلس التشريعي، تجاهل كليا الإشارة للكيانية القائمة ونظامها الأساسي والتزاماتها الخاصة، في أول مؤشر أنهم أحضروا كــ “بديل سياسي – تنظيمي بشكل ديمقراطي”، دون أن تتهم هي وأطراف المناورة الكبرى.
ووقف الرئيس محمود عباس متفرجا على أول خرق خطير من حكومة مفترض انها تابعة له، وليس مستقلة، وفقا للقانون الأساسي، وبرنامجها السياسي يجب أن يتوافق وبرنامج النظام وليس برنامج الحركة، وتلك كانت الرصاصة السياسية الأولى التي أطلقتها حماس ووقف الرئيس عباس متفرجا، نحو تأسيس “كيانية طائفية جديدة”.
وبعد عام ونصف تقريبا، قررت حماس الذهاب نحو الخطوة الرئيسية لهدفها الانتخابي، بالقيام بانقلاب عسكري في قطاع غزة، لتحكم قبضتها في منطقة جغرافية وإنهاء السلطة الفلسطينية، وبناء “سلطة حمساوية خاصة” في قطاع غزة، رغم انها شكليا كانت ما قبل الانقلاب حكومة في الضفة والقطاع، ولكن المخطط الأصل للبعد الانتخابي لم يكن استمرارية الوحدة الكيانية بل قسمتها.
ولا ضرورة أبدا لإعادة مسلسل الأحداث التي شهدها قطاع غزة منذ “الانقلاب الحزيراني” حتى تاريخه، لكن الجوهري أنه “الهدية الذهبية” التي حصلت عليها دولة الكيان الغازي، بعد 1967، كونها حققت أبرز أهداف الحركة الصهيونية بكسر العامود الفقرة للكيانية الوطنية الفلسطينية، التي جسدتها الثورة المعاصرة ومنظمة التحرير وصولا الى إقامة أول كيان فوق أرض فلسطين.
ولم يعد جوهر “الخدمة التاريخية” التي قدمها انقلاب حركة حماس لدولة الكيان ومشروعها التهويدي الاحلالي سرا، فتلك مسألة تعلن بشكل مستمر، وتتبدى حرصا عبر تغذية الانفصالية بما يلزمها للبقاء، من خلال منح مالية كانت الموساد تنقلها مباشرة من الدوحة الى قطاع غزة، ثم تطوير المعادلة الى “مال مقابل حراسة أمنية شاملة”.
موضوعيا، وبعد 16 عاما من “انقلاب حماس الحزيراني” يمكن تلخيص تلك السنوات بعبارة مكثفة جدا، “ربحت حماس وخسرت فلسطين”.
هزيمة المؤامرة التي بدأت في 16 يونيو 2006، لن يكون بالبحث عن اتفاقات وهمية، بل بحراك شعبي غاضب جدا يكسر جوهر المشروع الانفصالي وبعده الانقلابي، دونه انتظروا سوادا سياسيا مكثفا قادم!
ملاحظة: تقرير العفو الدولية حول ارتكاب دولة الكيان الغازي جرائم حرب في عدوانها الأخير على قطاع غزة يجب أن يصبح أداة فعل وعمل من “الرسمية الفلسطينية” لمطاردتهم حيث يجب المطادرة.. تحركوا ففي الحركة بركة يا فاقدين كل بركة وطنية!
تنويه خاص: من أطرف الاختراعات الفكرية، ما كشفه تقرير لمؤسسة يهودية تابعة لجيش الاحتلال، أن الشهيد المسن عمر أسعد استحق الموت لأنه “صرخ بصوت عال” ضدهم… وعهيك لازم تسجيلها كـ “براءة اختراع” باسمهم خص نص..لأنه ولا فاشية سبقتهم عليها!