كتب حسن عصفور / قبل ما يقارب الخمسة أشهر، تقدم د.سلام فياض باستقالته من رئاسة الحكومة الفلسطينية، واعتقدت حركة فتح أنها حققت “أنتصارا تاريخيا” باعادة شخصية كان ينظر لها بأنها تمثل مركز قوة سياسية يفوق في حقيقته منصبه “التنفيذي”، وأحضرت د.رامي الحمدالله، عله يكون “الرجل المناسب في الزمن المناسب” لها، ولكنه ما لبث أن اكتشف “عورات المكان” وبعد 18 يوما لا أكثر أعلن أنه مستقيل، ولكن الرئيس محمود عباس تمسك بالرجل ضمن بند “استمرار المنصب” الى حين أن يجد جديد، وبعد اشهر جاء الجديد بأن يمدد لحمدالله زمنه في المنصب الذي لم يعد يعلم أحد حقيقة صلاحياته، وما يملك من قوة تنفيذية، خاصة وان القرارات الحكومية باتت بلا ملامح واضحة، بل أن الرئيس المكلف يتعامل مع التصريحات الاعلامية ما يفوق كثيرا العمل الجماعي الحكومي.. ولكن تلك ارادة عباس وفتح ورغبتها لتبقى صاحبة القرار السياسي عبر مؤسسة الرئاسة والتنفيذي عبر حكومة “خاصة”..
ولأن الحديث اليوم عن سلام فياض الغائب اعلاميا بقرار “ذاتي” في سياق المراجعة للمستقبل، مع بداية تلمس طريقا يبدو أنه سيكون بوابة للعمل العام في المشهد الفلسطيني، من خلال مؤسسة ترعى جوانب بالعمل الأهلي، ووفقا لما يقول بعض ” اصدقاء د.فياض” فهو يبحث عن عمل يعيد به بعضا مما يؤمن به عبر رؤيته الاقتصادية التي تقدم بها خلال توليه منصبه الحكومي العام، وبالتالي فالرجل لن يجلس باحثا عن “وظيفة” كـ”خبير اقتصادي أو سياسي” في أي مؤسسة دولية تطمع في أن يكون ضمن مؤسستها رجل كفياض، سواء احب من كرهه أو أردا من أحبه.. وإذا صدق قول اصدقاء د.فياض بخصوص عمله العام في اطار “رعاية مؤسسات صغيرة وناشئة” في العمل الأهلي، فتلك خطوة تفتح بابا مثيرا جدا لكيفية تطوير العمل الأهلي في “بقايا الوطن” الفلسطيني، خاصة وان دور هذا القطاع سيبقى محتفظا بحيويته رغم كل ما قيل ويقال وسيقال عن نشوء “مراكز قوى” خاصة داخل هذا الوسط تحول بعضه لأدوات سياسية ترتبط بمصالح ليست بالضرورة أن تكون ضمن “الأجندة الوطنية”، بل أن بعض مسؤوليها تحولوا بقدرة “الدعم الخارجي” الى عناصر لامعة سياسيا دون أن تتقدم بحقيقة اموال مؤسساتها رغم كل كلامهم عن “المحاسبة والشفافية”..ولذا فخطوة فياض قد تعيد بعضا من “رونق وحيوية” هذا القطاع الهام والضروري..
ولكن، اليس من الأجدر بشخصية سياسية اقتصادية، كسلام فياض أن تفكر بتجربة تماثل تلك التجربة التي ابتكرها البنغالي د.محمد يونس، والتي حاز بها ولها جائزة نوبل، تجربة انشاء “بنك الفقراء” التي أصبحت نموذجا اقتصاديا لحل مشاكل انسانية بعيدا عن الاستغلال البنكي الرأسمالي للفقراء الذين يمثلون غالبية بلدان عدة، ومنها أرض “دولة فلسطين” تحت الاحتلال، خاصة بعد أن نجحت في احتلال مقعدا ضمن مقاعد الدول في الأمم المتحدة، وهي فكرة أو اقتراح أو “تنويه اقتصادي” لرجل يمتلك من الصفات التي تؤهله لإنجاز مثل هذه التجربة، ربما باشكال واسماء ليست بالضرورة هي ذات التجربة البنغالية، ولكن جوهر الفكرة أن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال يعيش باغلبيته المطلقة في ظروف اقتصادية غاية في التعقيد وربما بات من يقعون تحت خط الفقر يفوق نسبة الاحصاء الرسمي..
نعرف جيدا أن القيمة الأهم لتجربة د.فياض بدأت من باب اقتصادي، تعمدت بالبعد السياسي الذي كان سبب النقمة والعداء والكراهية من مراكز قوى فلسطينية من طرفي المصيبة الوطنية، لذا قد يكون هو وليس غيره القادر على تقديم تجربة ابداعية لمواجهة الفقر المتزايد في بلادنا المنكوبة بأكثر من نكبة، بات تعدداها مصيبا للكآبة، واهتمام د.فياض بهذا البعد قد يكون أكثر قيمة للشعب من تلك التجربة التي لها ما لها وعليها ما عليها، ولسنا في معرض تقييمها، الا أن الأهم هو كيفية الاستفادة من تجربته الشخصية في الحكم وما قبله، وقد يكون الأكثر قدرة على تحويل تلك الفكرة الى “واقع ملموس” يكون به عونا لمن يستحق دون “تلك القواعد الفصائلية الحاكمة”، رؤية اقتصادية ببعد سياسي – اجتماعي، تشكل نافذة لوضع حد للمظهر التسولي لمئات آلاف من ابناء الشعب الفلسطيني..
“بنك الفقراء” أو ما يماثله فكرة قابلة للتنفيذ بشخصية كسلام فياض، فهو يمتلك علاقات محلية وعربية ودولية قائمة على الاحترام والثقة، قد لا تتوفر كثيرا لغيره رغم الألقاب التي يحملون.. الثقة بالنزاهة الشخصية مع الرؤية للبعد الخاص لهذه المسألة، سيكون قوة دفع لتحويلها لواقع عملي، ولا نظن أن احدا سيكون عائقا أمام ولادة منتج خارج “النص القائم” ليكون عاملا تطويريا لشعب يستحق أفضل كثيرا مما هو فيه أو به أو له..
هي فكرة نضعها أمام شخصية قادرة أن تحيلها من مقترح ورقي الى فعل حسي، بمساعدة من شخصيات تحب بلدها وشعبها دون انتظار لفوائد تفوق ما تقدم..ويمكنه أن يجد في خريجي الجامعات الشباب والعاطلين عن العمل أو البطالة المقننة سندا كبيرا لو اتجه لهم.. فكرة تنتظر الرأي من شخص ما زال له الكثير ليقدمه..فالحياة لا تقف عند حدود “الألقاب الرسمية”..ولعل الإبداع يحضر أكثر كثيرا خارج تلك “القيود”!
ملاحظة: أخيرا أعلن الرئيس عباس موقفا من العدوان المرتقب على سوريا رفضا..ولكن الأهم جاء بتأكيده أن حماس تفاوض دولة الاحتلال سرا لدولة مؤقتة..واعترافه بأن مفاوضاته لم تحقق شيئا بعد!
تنويه خاص: اعادة الاشتباكات المسلحة بين قوات أمن السلطة وشباب فتحاوي تحمل رسالة ارباك..المصداقية غائبة في تحديد الحقيقة..ليتهم يصدقون القول فيما سيقولون عنها!