كتب حسن عصفور/ أدهش الرئيس الروسي وحكومته العالم بالطريقة التي أدار بها محرك المشهد السياسي الخاص بالمسألة السورية، بعد ان استنفر الرئيس الأميركي كل “حركاته” البهلوانية وظهر وكأنه مقدم لا محالة على التدخل العسكري ضد سوريا، وبدأت المناورة الروسية المدهشة مع ردة الفعل الأولي على اعلان اوباما الحربي، فجاء الجواب الروسي بلسان وزير الخارجية الناجح جدا، سيرغي لافروف أن روسيا ترفض الحرب ولكنها أيضا لن تشارك بأي عمليات حربية خارج روسيا..
تصريح من كلمات محدودة فتح الباب لكل مهووس بالحرب العسكرية العدوانية ضد سوريا، فتحت أبواق الاعلام ولم تبخل بكلمة تحريضية لشن تلك الحرب، وأعلن اردوغان أن تركيا تؤيد ذلك باعتباره “القصاص” وذهب خيال “الرجل المريض” الى حد أسقط معه كل القناعات الكاذبة التي غلف بها وجهه، عندما قال أن أي نظام قادم في سوريا سيكون أفضل من الأسد، بالطبع يقصد هنا “التحالف الارهابي المكون من الجماعة الاخوانية وتنظيم القاعدة في سوريا، معتقدا أن “النصر بات ضربة صاروخ”، بينما تسارعت وتيرة الكلام عند بعض العرب المصابين بعقدة “خاصة” وليس سياسية من الرئيس السوري الذي تصرف يوما بنزق طفولي بعد حرب تموز – يوليو 2006، معتقدا أنها ستفتح له باب قيادة المنطقة، تصرف افتقد كثيرا لحنكة الأب حافظ الأسد، لذا سارع هذا البعض للنفير السياسي – الاعلامي والمالي لدفع أمريكا لشن حربها – حربهم ضد سوريا.. واعتقد الجميع أنها ساعات وتبدأ رحلة حساب ساعات رحيل الأسد..
وحدث ما لم يكن بحسبان “غربان القافلة” عندما اعلن جون كيري الأميركي من لندن أن الأسد يمكنه تجنب الضربة العسكرية لو قام بتدمير سلاحه الكيماوي، جملة اتضح لاحقا أنها ترجمة علنية لاتفاق أميركي روسي حدث خلال “لقاء العشرين دقيقة” في بطرسبيرغ – لينينغراد سابقا- بين بوتين وأوباما، لقاء لم يكن مجدولا ضمن اللقاءات بعد أن أعلن الرئيس الأميركي انه لن يلتقي بالرئيس الروسي “لقاءا ثنائيا” بعد فضيحة الفتى الذهبي بالعلم الاستخباري”سنودن”، ولكن اكدت الأحداث أن المصالح لم تغادر المشهد.. حدث اللقاء وعرض بوتين “مبادرته” بخصوص السلاح الكيماوي والرقابة عليه، وسريعا اتجهت عقارب الساعة السياسية لمنطقة أخرى بحثا في كيفية تطبيق المبادرة الروسية بدلا من بحث الضربة العسكرية، ما لها وما عليها وموقف الشعب الأميركي والنواب والشعوب الأوروبية الرافضة، وتصاعد الموقف الروسي العسكري وارسال قطع حربية هي الأولى التي تصل البحر المتوسط، واسقاط أو تدمير أو تغيير مسار صاروخين تم تجربتهما بشكل مشترك بين امريكا واسرائيل.. ووصل الموقف الروسي الى قمته باعلان الرئيس بوتين قبل اطلاق المبادرة، ان اقرار الكونغرس الضربة العسكرية خارج الأمم المتحدة هو “عدوان” غير مقبول..تصاعد في الموقف لا يستقيم مع من قال ان روسيا لن تشارك بحرب..
رسائل روسية تصاعدية تتوالى مع كل يوم، كان لها أثر كبير على الموقف البريطاني والشعب الأميركي وعديد من اعضاء نواب أميركا.. وفجأة انطلقت المبادرة الروسية بخصوص السلاح الكيماوي.. والتي لا تزال تتفاعل ولكنها علميا أبطلت مفعول الضربة العسكرية وأصابت امريكا ورئيسها وفريق الحرب بصدمة وذهول، فيما بدأت ملامح رؤية جديدة للسياسة الروسية ودورها المتصاعد بقوة في مسار السياسة الدولية..ولأن المسألة لم تكن “اعتباطا” كما يعتقد المغفلون، فقد حدد الرئيس بوتين رؤيته ورؤية روسيا الجديدة للسياسة الكونية عبر مقال اختار أن يخاطب به الشعب الأميركي عبر واحدة من أهم صحف أمريكا، كتب مقالا في “نيويورك تايمز” بعنوان “دعوة للحذر”، وما اعتبره البعض مقالا اثار جنون بعض النواب والساسة الأميركان، هو في الواقع أكثر من مقال، هو تلخيص مكثف للرؤية الروسية الجديدة في العلاقات الدولية، وعله أهم موقف علني للدولة الروسية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بفعل تآمر معقد..
رؤية بوتين الجديدة خاطبت أميركا لترسم حدود وقواعد “اللعبة في المرحلة المقبلة”ـ ترتكز على جملة مبادئ قد تكون جوهر العقد السياسي المقبل:
* الحرب والسلم يحتاج لتوافق أراء الدول في الأمم المتحدة، والاخلال به يعني تفجير حالة “ارهاب” وعدم استقرار..ويجب الالتزام بـ”القانون الدولي” .
*فقدت أمريكا صورتها كدولة نموذجية، بل أن العالم بدأ ينظر اليها كدولة تعتمد البطش على قاعدة “من ليس معنا هو ضدنا”.
* ثبت جليا أن “القوة” لم تعد مجدية لحسم الخلافات من كل التجارب السابقة، لذا وجب التوقف عن استخدام القوة والخيار العسكري.
*على امريكا ان تتخلى عن النظرة العليائية تحت مسمى “اننا استثناء” ..فالكل متساو..وكأنه أراد الاستشهاد بقول الخليفة العادل عمر بن الخطاب: “متى استعبدتم الناس وقد خلقهم الله أحرارا”!
عناصر تشكل جوهر رؤية سياسية بديلة تقدمها روسيا للمشهد العالمي، اثارت غضب كل دعاة العنصرية السياسية وأصحاب نظرية “التفوق – الاستثناء الأميركي” ، رؤية تكسر وبشكل صريح وعبر مخاطبة مباشرة للشعب الأميكرية نظرية ” النموذج – الاستثناء”..يراها البعض مقالة من الرئيس الروسي للرد على الغطرسة الأميركية ولكنها في الحقيقة رؤية عصرية لما يجب أن تكون عليه أسس العلاقات الدولية.. رؤية تحدد بوضوح لا غبار عليه أن ميزان القوى العام عالميا لم يعد للصالح الأميركي..رؤية تفتح طريقا مختلفا بشكل جوهري عما كانت عليه الأحداث فيما مضى..وكأنها تلخص المسألة في عبارة واحدة: “باي باي الاستثناء”!
تاريخ جديد بدأت كتابته، قد يؤرخ بالمبادرة الروسية حول السلاح الكيماوي السوري أو بـ”لقاء العشرين دقيقة” في بطرسبيرج – لينينغراد سابقا- وكأنها هدية لرمز الثورة الاشتراكية الكبرى فلاديمير ايليتش لينين.. رؤية بوتين المعاصرة بداية تصحيح مسار ساد به جبروت البطش الاستعماري.. وآن أوان رحيله أو انحداره..
ملاحظة: التركي أوغلو يقول أن بلاده لم تطلب تدخلا عسكريا.. فعلا انك اخواني تكذب جهارا نهارا..طيب اقرأ تصريحات اردوغانك علك تخجل منها ومن كلامك التزويري.. يا راجل استحي!
تنويه خاص: أي مصادفة أن يهاجم الارهابي الظواهري الجيش المصري وثورته، وأن يتبعه شيخ الفتنة المنتصر بأمريكا – القرضاوي- ليشن ذات الهجوم.. تحالف الارهاب بات واضحا ..الاخوان والقاعدة “إيد واحدة” في الارهاب!