كتب حسن عصفور/ أعلنت هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية في بيان صحفي، تم نشره في وسائل الاعلام، بأن رئيسها رفيق النتشة تلقى تهديدا بالاعتقال في حال لم يتم اطلاق مواطن فلسطيني مقدسي يحمل الهوية الاسرائيلية – الزرقاء -، والمتهم ضمن شبكة “تزوير كبيرة” لأرقام وأختام سيارات، خبر كان له أن يكون عاديا جدا وسط ممارسات سلطة الاحتلال ضد الشعب والأرض، فالتهديد بالاعتقال يبقى “كلاما” ما لم يصبح واقعا، فيما تقوم قوات المحتلين باعتقالات متلاحقة لعشرات من شباب فلسطين، وتصادر الأرض وتهود القدس وتحاصر مدن وبلدات وتمنع آلاف من الحركة، فيما تبقي قطاع غزة تحت نار التهديد العسكري اليومي مع حصار يكاد أن يتفجر غضبا لو أن الطاقة الكفاحية لا تذهب تحت “سطوة الانقساميين”..
عشرات من الأحداث اليومية أكثر أهمية من “تهديد كلامي” باعتقال شخصية سياسية “رفيعة المنصب”، لكن وبعد أن اصدرت الهيئة بيانها سيصبح ذلك طوقا عليها ستحاسب عليه أمام الشعب الفلسطيني، فاعلان ان دولة الكيان “الشاروني – مرادف للفاشي – هددت النتشة بالاعتقال ما لم يطلق سراح ذاك المزور المقدسي سيضع الهيئة والسلطة أيضا أمام حالة اختبار لمصادقة القول والعمل، وكان يمكن أن يتم تسوية المسألة “سرا” بين أجهزة الأمن الفلسطيني و”الأمن الاسرائيلي” ضمن قنوات التنسيق المتعددة بينهما، ولكن بعد البيان لم يعد بالامكان “تسوية” الأمر بالطريقة القديمة..
مصداقية رفيق النتشة بحكم المنصب أصبحت تحت الاختبار الحقيقي وقد تتعلق بها مختلف الأحكام التي اصدرها، فالتمسك باعتقال المزور المقدسي وتقديمه للقضاء الفلسطيني واعلان الحكم وايداعه في سجن فلسطيني بات القرار المنتظر شعبيا، وأي قرار غير ذلك سيدخل في “دائرة الشك” وسيثير كثيرا من الكلام عن جدية عمل الهيئة، حتى لو خرج من بين “المفسرين” من يلجأ للاتفاق، موقف سيضع الهيئة حينها موضع التساؤل الوطني، خاصة وأن الاتفاقيات مع دولة الاحتلال لم يبق منها سوى “قناة التنسيق الأمني”، قناة مستمرة بالعمل رغم أن شروطها لم تعد قائمة منذ سنوات طويلة..
لا خيار أمام النتشة والهيئة سوى الاستمرار في المحاكمة، ولو حدث غير ذلك فالشعب ينتظر بيانا، يبدأ بتقديم رئيس الهئية استقالته للشعب الفلسطيني والأطر الرسمية كافة فورا، ومن ثم يأتي التوضيح، وغير ذلك لن يقبل منه، فإما المحاكمة العلنية والجسن لمزور في سجن “بلدي” أو الاستقالة، وأي قرار غير ذلك يعني عمليا انتهاء أجل عمل ودور ومكانة “هيئة مكافحة الفساد” وسيصبح عندها لزاما عليها أن تختار اسما غير الاسم ومهمة غير المهمة، وتعيد تحديد نطاق مسؤوليتها في سياق “الأهواء” و”الحسابات الخاصة”..
والتحذير هنا من أجل عدم انزلاق الهيئة التي يترأسها شخصية سياسية لها مكانة تاريخية في حركة فتح وتحمل مسؤوليات مختلفة منذ زمن قبل قيام السلطة الوطنية وبعدها، وهو ملزم بحكم ذلك ان لا يخضع أو يتنازل والا خسر كل ما له من “سجل خاص”، وهذا ليس موقفا “تكبيليا” لرئيس الهيئة، بل حماية له من أي عمل توريطي يمكن أن تقوم به “فئة لا تحب أن تغضب الاحتلال”، وستبحث له عن تبرير وذريعة ستودي به للمساءلة الشعبية العامة، ولن تنفعه حينها تلك “الفئة” والتي ستتخلى عنه وكأنها غير ذي صلة..
الحسابات السياسية في قضية المزور المقدسي قد تفوق القيمة الجنائية للحدث، بعد أن أعلنت هيئة المكافحة عن التهديد الاسرائيلي لاعتقال رئيسها، والتراجع سيكون استجابة عملية لطلب المحتلين وسيترجم فورا على أن رئيس الهيئة لم يحتمل تهديدا، فآثر “السلامة الشخصية على السلامة الوطنية”..الخيار له أولا وعليه أن يختار أي جنب يميل..التحدي الوطني وصيانة “الكرامة الشخصية” لموقع وهيئة أم يكون غير ذلك وعندها قل على الهيئة السلام..ولن تجد من يحترم قرارا لها بعد ذلك..القرار بيد النتشة ولا أحد سواه..وأهل “بقايا الوطن” ينتظرون أين يكون قرار “رفيق”!
ملاحظة: عدم اهتمام القيادة الفلسطينية بالتهديد الاسرائيلي اليومي ضد قطاع غزة، والقيام بغارات متقطعة منذ أيام يثير التساؤل..اليس من حق أهل القطاع أن يسمعوا تنديدا استنكارا، قبل طلب عقد اجتماع عربي او دولي، ممن يمثلهم.. سلوك وكأنه يقول غزة لحماس والسلام!
تنويه خاص: اندهاش د.عشراوي من الموقف الاسترالي المؤيد للاستيطان يجب ان يترجم لموقف عملي..فليس بالدهشة يمكن أن نردع المتطاولين..أليس كذلك يا “دوك”!