بقلم : حسن عصفور
بعد العودة من آنا بوليس، بما له وما عليه، وبعيدا عن حسابات \”البقال\” الربح والخسارة، واستعدادا لما هو قادم من مواجهة معارك متباينة، تحتاج المؤسسة الرسمية الفلسطينية، الى إعادة النظر في مجمل العلاقات القادمة، سواء منها ما يتعلق بالوضع الداخلي، أو ما هو مرتبط بالعمق العربي والدولي.
ولان البعض يتعامل مع القضايا الجوهرية، وفق لأهواء الفصيل، فان الشرعية الوطنية تكبر بعيدا عن كل انتماء، رغم أنها أصلا منتمية فكرا وسياسة، ولكن أصبح من الضرورة القيام بمراجعة شاملة تأخذ بعين الاعتبار ما هو ضروري لمواجهة \”الأخطار\” القادمة نتاج المشروع الانقلابي، خاصة من قبل إسرائيل، التي أصبحت تعمل كل ما يجب أن يكون، لتكريس \”الانقلاب\” وتغذيته بل وحقنه بأشكال متباينة، لأنها تدرك أن هذا الوضع \”الشاذ سياسيا\” هو الخطوة الأهم، وربما تكون رافعة سياسية تستند إليها إسرائيل، للهروب من أي التزام سياسي نتاج العملية التفاوضية، افتراضا بأنها ستصل لصياغة وثيقة مشتركة مع الطرف الفلسطيني.
ومجمل الاطروحات الإسرائيلية من ممثلي المؤسسة الحاكمة وبعض مستشاريها، يعلنون ذلك صراحة مع بعض \”الغموض\” أحيانا، ولكن تصريح رئيس وزراء إسرائيل بعد العودة من آنا بوليس، الذي اتهم فيه الرئيس أبو مازن بالضعف وعدم القدرة لتنفيذ اي اتفاق يتم التوصل إليه، ثم ربطه بالوصول إلى اتفاق مباشر مع تنفيذ خارطة الطريق بكل بنودها في الضفة الغربية والقطاع، ويتزامن معه تصريح الجنرال الإسرائيلي المتقاعد \”غيورا آيلاند\” ـ مهندس خطة شارون للانسحاب من قطاع غزة ـ بالإعلان عن ضرورة إيجاد تفاهم مع \”الكيان المعادي\” في قطاع غزة بقيادة \”حماس\”، والوصول معه إلى اتفاقات محددة وآليات عمل يتم التفاوض حولها .
مثل هذه \”الأفكار\” وقبل البدء في \”المفاوضات النهائية\” ـ المتفق أن تبدأ في 12 كانون الاول إنما هي رسالة واضحة وصريحة للطرف الفلسطيني، إن نتائج المفاوضات التي لا مواعيد مقدسة لها وفق اولمرت الذي أعاد استنساخ تصريح رابين، بشكل مشوّه سياسيا على الأقل، لا تعني شيئا، فهي ستصبح كما غيرها غير قابلة للتنفيذ، إلا وفق المصلحة الإسرائيلية.
إن السلوك السياسي الإسرائيلي، لا يعني أن يقوم الطرف الفلسطيني بمقاطعة العملية التفاوضية أو الاستنكاف عن المشاركة فيها، بل ذلك مدعاة جادة للتفكير في العودة مجددا إلى النقاش الوطني الشامل (بعيدا عن الانقلابيين قبل تراجعهم عن الانقلاب واعتذارهم الوطني العام)، حول مجمل القضايا الداخلية الفلسطينية واعتبارها أولوية سياسية لا بد منها.
فلم يعد جائزا الانطلاق نحو \”المواجهة الكبرى\” سياسيا مع الاحتلال وأيضا مع \”الانقلاب\” دون صياغة جديدة لبرنامج وطني، سبق أن تمت مناقشة بعض أركانه في إطار المجلس المركزي الفلسطيني، بعد الانقلاب، والآن بات ضرورة اكثر انعقاد المجلس المركزي لمناقشة مجمل التطورات السابقة والقادمة، ورسم خطة سياسية للعمل المقبل في المجال التفاوضي مع إسرائيل، ومناقشة أسس العملية السياسية في اطر منظمة التحرير، خاصة ان اللجنة التنفيذية تحتاج إلى عملية استكمال في ضوء الشواغر القائمة وآخرها وفاة د. إميل جرجوعي، وكلتا المسألتين، التفاوض ووضع اللجنة التنفيذية ضرورتان لابد منهما.
كما ان الحالة السياسية القائمة ووضع الحكومة الفلسطينية، تحتاج كذلك بحثا جادا، بعيدا عن الأساليب التي تتم في العلن والخفاء، فلا يجوز التعامل معها بأسلوب غير واضح، لا بد من التوقف أمام الحكومة فإما استمرارها كما هي مع ضبط سلوكها المختلف عليه وفق أسس تحددها القوى الوطنية في إطار من الشرعية برئاسة الرئيس أبو مازن، أو طرح \”بدائل\” موضوعية بعيدا عن كل محاولات الاستيزار الذاتي او الفصائلي والتي يعطيها البعض بعدا وطنيا، وفي الحقيقة لا صلة لها بالوطنية، إن حسم هذه المسألة ضرورة مهمة في النقاش الوطني، كي لا تشعر الحكومة أنها تخوض سلسلة معارك، دون أن يكون ظهرها محميا بالشكل الكافي.
الى جانب ان الوضع في قطاع غزة، له أهمية قصوى في النقاش الوطني ولم يعد كافيا الاستمرار في وصف الحال السياسي والميداني للوضع فيه، إذ أن الوقت بات ملحا في إعادة إنتاج السؤال المختفي من النقاش، كيف نستعيد غزة ؟! نعم ذلك السؤال هو بوابة الفعل للصلابة الوطنية في مواجهة الاحتلال ومواجهة معركة المفاوضات.
السؤال الذي تراهن عليه إسرائيل، بأنه لا سبيل للإجابة عليه، وتعمل لتكريس انفصاله بكل السبل والأشكال.
إن النقاش الوطني الفلسطيني المنتظر، عليه أن يناقش بروح جديدة وإبداعية، مضمون العلاقة الفلسطينية ـ العربية، بما يحمى الوطنية الفلسطينية ولكن دون انعزالها، والعودة لنقاش ذلك الترابط بين البعدين الوطني والاقليمى العربي، ضرورة سياسية بدونها لا مجال لتحقيق اي من أهدافنا الوطنية التي قاتل شعبنا من اجلها طويلا، ولابد من تحديد أسس العلاقة ومضمونها وإعادة الاعتبار العميق للارتقاء في التعامل مع الحضور العربي في العملية التفاوضية الأمر الذي يتطلب من الطرف الفلسطيني قبل غيره أن يعمل على:
* تشكيل خلية عمل سياسية في إطار الجامعة العربية لمتابعة العملية السياسية انطلاقا من المبادرة العربية للسلام.
*تحديد القضايا المتقاطعة بين المسار الفلسطيني والمسارات العربية الأخرى.
*تحديد قضايا ذات اهتمام مشترك بين الطرف الفلسطيني وأطراف عربية، ومنها قضية القدس ببعدها القومي والديني وأيضا قضايا اللاجئين، المياه، الحدود والتعاون الاقليمى المقترح، مجموعة قضايا ذات اهتمام مشترك تستحق بحثا مشتركا، دون المساس باستقلالية المسار ولكن لحمايته في ظل وضع شائك ومعقد.
04 كانون الأول 2007