كتب حسن عصفور/ لا تخلو الحياة بين فينة وأخرى من قراءة ما يزيل بعضا من “كآبة” المشهد السياسي العام في فلسطين، “كآبة” قائمة بفعل فاعلين معلومين اسما وصورة وهوية، وحريصون كل الحرص أن تتسع دائرتها لتصل الى ان تصبح “كآبة عامة” لمجمل نواحي الحياة الى جانب السياسية، كونهم يعتقدون أن اشاعة الكآبة وانتشارها هي السلاح الأهم لقطع الطريق على الحراك المننتظر كل لحظة لازاحة كابوس طال أمده لشعب لن يصمت يوما لخلاصه من المحتل والمستبد والمخادع..
نجد دوما بضع كلمات أو تصرفات تمنح الانسان راحة بال خاصة، إما لطرافتها أو لغرابتها، وللإنصاف، من أكثر الشخصيات التي تكسر رتابة المشهد الكئيب في “بقايا الوطن” هو د. محمود الزهار القيادي البارز في حركة حماس، وصاحب الشخصية التي قد لا تتفق مع احد، سوى مع ذاتها، يقول احيانا كلاما دون ان يتأثر بما سيكون من ردة فعل عليها، سلبا أو ايجابا، وقلما تأثر بنقد تصريحاته المتعددة والمتشابة وبعضها قد يتناقض مع بعضه 180 درجة، فمثلا اعتبر عام 2010 أن اي عمل ضد اسرائيل من غزة هو “مؤامرة” يراد بها توريط حماس، وبعدها بفترة وجيزة يعتبر اي اطلاق صاروخ ضد اسرائيل هو حق للمقاومة، يهاجم المفاوضات ليل نهار، ولكنه صمت صمت القبور على مهاتفة رئيس حماس خالد مشعل الأخيرة لمحمود عباس التي اعرب فيها عن تفهمه للتفاوض وطالبه بـ”الصمود وعدم الخضوع للضغوط الأميركية والاسرائيلية”..
لا يخجل بالكشف عما طالبه بيريز خلال فترة الثمانينات من العمل “سويا” لاقامة بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، دون أن يقول انه، اي الزهار، رفض ذلك الطلب، مما يضعه في دائرة “الشبهة السياسية” بالموافقة على بحث البديل مع دولة الاحتلال، لا يعتبر منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني ويعرب عن نظرة دونية لفصائلها، دون تحديد واضح لتلك النظرة الخاصة..ذلك بعضا من “زهاريات” محمود الزهار..التي لن تتوقف يوما!
ومؤخرا قرأنا في مقابلة صحفية للقيادي الحمساوي الزهاركلاما يمكن وضعه في اطار من إزاحة بعض الكآبة لما به من فرادة أو نبوءة، فالزهار كأنه تماثل دور “علماء الفلك” الذين سطوا سطواً على كل وسائل الاعلام بنشر ما يتوقعون للعام الجديد، توقعوا للجميع الا لفلسطين وكأنهم تركوا تلك المهمة لأهلها، فجاء الزهار ليطلق “نبوءاته السياسية”، ومن ابرزها ان حركة فتح ستقوم بتزوير الانتخابات في الضفة الغربية لاخراج حماس من المشهد السياسي، يقصد من التسلط السياسي عبر حكم وحكومة، ويكمل الزهار تلك النبوءات بأن أمريكا تعمل لاعلان قطاع غزة “اقليما متمردا” محاصرا من قبل اسرائيل ومصر، ولم يكمل لنا ماذا بعد تلك النبوءة الخاصة بغزة..
ولم ينس أن يزف بشرى خاصة لأهل القطاع بأن الوقود القطري سيدخل الى قطاع غزة عبر ميناء اسدود الاسرائيلي، لكنه أخفى عامدا متعمدا من هو الطرف الذي سيقوم بالتنسيق مع دولة الاحتلال، وهل يمكن لاسرائيل ان تدخل وقودا الى قطاع غزة دون تنسيق معها من جهة ما..
الحديث الزهاري عن تزوير الانتخابات يدخل في دائرة التكهن ولا يوجد له اي مؤشر من أي انتخابات حدثت في الضفة الغربية، لا طلابية ولا بلدية ولا قبلها النيابية، فالتزوير في فلسطين لم يكن منذ تأسيس السلطة الوطنية جزءا من العملية الانتخابية، لكن الحديث عن تزوير الانتخابات قد يكون وضع ذرائع مسبقة لخسارة حماس لأي انتخابات مقبلة تحت يافطة التزوير وليس الاسقاط الشعبي، كما أنه تجاهل في النبوءة الزهارية كيف ستكون الانتخابات في قطاع غزة، وهل سيسمح لغير حماس وقواتها الأمنية ومعلميها الخاصيين جدا أن يراقبوا تلك الانتخابات، أم سيعتبر اي طلب برقابة عليها تدخلا اجنبيا في شأن “وطني”..
الطرفة لا تقف عند الزهارعند حدود ما سبق، فهو يقول أن السلطة وفتح يريدون انتخابات في الضفة وقطاع غزة دون الخارج، وكأنه يعتقد ان الخارج لم يكتشف حماس أكثر من الداخل، متجاهلا ان مخيمات سوريا وأهلها يحملون لها بغضا يفوق ما يحمله أهل فلسطين، ومع ذلك لم نقرا يوما أن هناك رفض لانتخابات المجلس الوطني من اي طرف، لكن الرفض جاء لاستبدال انتخاباته دون انتخابات الداخل الفلسطيني..
أما مسألة الاقليم المتمرد فهي لا تحتاج قرارا أميركيا لو اراد الرئيس محمود عباس ان يعلنه يستطيع ذلك وبشكل قانوني، فبعد التصويت لقبول دولة فلسطين في الامم المتحدة كدولة عضو مراقب – حماس وامريكا لم تكن ضمن من أيد ذلك والزهار شخصيا اعتبره حبرا على ورق – ، يكفي للرئيس عباس ان يعلن “دولة فلسطين” دولة تحت الاحتلال ويطلب انهاء كل مظاهر السلطة القائمة لتصبح من مؤسسات الدولة واي مؤسسة او جهة لا تلتزم بمرسوم الرئيس تعتبر جهة متمردة وفقا للقانون الدولي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فامريكا التي يتهمها الزهار بأنها لا تريد المصالحة، وهذا بعض الحقيقة ولكنه لا يقول لماذا امريكا حريصة على بقاء الانقسام كما هو، أليس لانه يخدم رؤيتها ومشروع حليفها الكيان الاسرائيلي، فكيف يمكن ان تكون واشنطن حريصة على بقاء الانقسام ثم تريد اعلان قطاع غزة اقليما متمردا، الا يرى المتنبئ الجديد بأن “الفلك” قد خانه في هذه القراءة..
وكيف يمكن لتل ابيب وواشنطن اعتبار غزة اقليما متمردا وهي من يريد ان يمنح قطر امتيازا خاصا بادخال الوقود عبر موانئها دون تنسيق مع السلطة الوطنية..الحقيقة ان أمريكا تريد قطاع غزة “اقليما متمردا”على الشرعية الفلسطينية بقيادة حمساوية، وليس “اقليما متمردا عليها ومصلحتها”!
يا د. زهار المصيبة ان لا ترى حقيقة المشهد المتحرك بعد اسقاط حكم جماعتك الأم الارهابية، وان أهل فلسطين وفي المقدمة أهل القطاع هم من سيزيحون حماس، وكل مستبد على أهلها وكاسر لحلمها الوطني من الحكم والحكومة في اي عملية انتخابية حتى لو لم تكن كاملة الشفافية في غزة..وانت تعلم القول الشائع “كذب المنجمون ولو صدقوا او لو تازاهروا”!
ملاحظة: رفض حركة “النهضة” الاخوانية التونسية اعتبار الحركة الصهيونية حركة عنصرية في الدستور التونسي، هو وفاء لعهد رئيسها للأمريكان واليهود خلال محاضرته في معهد واشنطن قبل اكثر من عامين..طيب كيف بيقولوا ان الاخوان مالهمش امان وعهود!
تنويه خاص: لما تصر الفصائل اليسارية في “بقابا الوطن” الاحتجاج المنفرد..هل الهدف التظاهر بذاته أم التظاهر بهدف ولهدف وطني عام..وبعيدن بتزعل هالفصائل لما يحكوا عنها ليست جادة في أن تكون قطبا مؤثرا في مشهد السياسة الفلسطيني!