كتب حسن عصفور/ منذ الإعلان الرسمي عن الاختراق السياسي الكبير، عبر “اتفاق بكين”، بين العربية السعودية وإيران، والمؤشر العام يزيد من ولادة جديدة في التعامل الدولي، عبر ما عرف بالوساطة الدولية، او الرعاية الخاصة لمفاوضات بين أطراف صراع، بعيدا عن منطق “الهيمنة” أو فرض حل إكراهي بالقوة الجبرية، تحت مسميات مختلفة.
وكانت النرويج أول دولة تتمكن من رعاية مفاوضات بين طرفي الصراع المركزي في الشرق الأوسط والمنطقة عام 1993، أدى لتوقيع اتفاق تاريخي (إعلان المبادئ – اتفاق أوسلو)، دون شراكة من أطراف مركزية دولية، وبعيدا عن الهيمنة الأمريكية، التي حاولت فرض “تسوية تطيح بالممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني” بمسميات مختلفة، منها ما هو علني وغيره، ما بدأ في التكوين برعاية خاصة، فكان الاتفاق صفعة سياسية تاريخية للإدارة الأمريكية، والتي لم تتسامح مطلقا مع ذلك الحدث، الى أن تمكنت موضوعيا من إعدامه، بل واعدام موقعيه الرئيسيين الخالد ياسر عرفات، وقبله رئيس حكومة إسرائيل اسحق رابين، كل بطريقة وشكل أدى الى ذات المصير.
جاء “اتفاق بكين” مارس 2023، ليعيد وضع قواعد جديدة في آلية العلاقات الدولية، خاصة وأن القرار الروسي فبراير 2022 أطلق عملية تغيير شاملة في خريطة ميزان القوى العالمي، وكسر موضوعيا، والى غير رجعة مركزية القطبية الأحادية، ذات المنطق الاستعماري للهيمنة الاستحواذية، ومنح الصين مكانة سياسية تتوافق ومكانتها الاقتصادية، بعدما كانت تنأى بذاتها عن اقتحام “الصراع السياسي”، لغاية في نفس صينية، الى ان برزت بقوة مفاجئة، لتصبح عنوانا مضافا لقوى التأثير الكوني.
وبات الحديث عن دور الصين في رعاية التفاوض، أي تفاوض بتركيبة معقدة، جزءا حيويا من النقاش السياسي الشرق أوسطي، بعدما أعلن وزير خارجيتها بوضوح نادر ولأول مرة منذ 1948، ان بلاده جاهزة ومستعدة لاستقبال وفد فلسطيني وآخر إسرائيلي لبدء عملية تفاوضية جديدة، بينهما وصولا لحل الصراع.
لا مفاجئة في رد الفعل الرسمي الفلسطيني، بالترحيب كونها دولة تاريخيا من أصدقاء الثورة والشعب ثم السلطة، ومن أوائل داعمي الثورة المعاصرة وخاصة مطلق رصاصتها الأولى فتح “ام الجماهير” كما يحلو لغالبية أهل فلسطين تسميتها، لكن المفاجأة، جاءت من موقف حكومة الكيان وإعلامه، الخال من الرفض السريع او المتعالي، بل “هدوء ودراسة”، وفتح “نقاشا واسعا” حول تلك المسألة، بكل أبعادها كشف قدرة الصين الحقيقية على التأثير في مسار التطورات، بعيدا عن “الجعجعة الأمريكانية التقليدية”، خاصة المصالح الاقتصادية والتقنية.
ورغم ان الحكومة الفاشية الراهنة في دولة الكيان، خالية من أي إمكانية لعملية تفاوضية نحو حل سياسي ممكن مع دولة فلسطين وممثلها الشرعي الوحيد منظمة التحرير، فالأصل أن هناك جديد يؤسس لمسار مختلف كليا عما ساد بعد 1995، وفتح الباب نحو صياغة معادلة للرعاية الدولية لمفاوضات لاحقة، وصولا للحل الممكن الذي سيأتي، وخلال سنوات ليس بعيدة.
النتيجة المباشرة للحراك الصيني الصريح، انه وضع نهاية، أخيرا، لما عرف بـ “الرباعية الدولية”، والتي تشكلت عام 2002، خلال المواجهة الكبرى مع دولة الاحتلال، تحولت الى “جهة للسمسرة السياسية” خاصة برئيس وزراء بريطانيا توني بلير بعد استقالته من منصبه الرسمي، ثم باتت عنوانا للمسألة الاقتصادية دون ان تتقدم بأي خطوة عملية، كون أمريكا استخدمتها “أداة سياسية” لحصار الخالد المؤسس ياسر عرفات ولفرض “آلية فلسطينية داخلية” تتوافق ورؤيتها لتدمير كل ما أنتجه اتفاق أوسلو، من بناء سلطة وطنية في الضفة وقطاع غزة، وتفاوض على مستقبل القدس بقسميها، غربا وشرقا، لذا التشكيل في حينه لم يكن لبحث حل ما، لكن للخلاص من حل كان.
لم يعد ممكنا بعد التطورات الأخيرة، ودخول قاطرة الصين السياسية الى مسار الأحداث، ودعوتها الأخيرة ان تستمر تلك “الرباعية الدولية”، وربما يصبح ضرورة وطنية، ان تعلن دولة فلسطين بالتنسيق مع روسيا والصين عن ولادة آلية جديدة لرعاية تفاوضية جديدة، وخاصة أن التوازن السياسي سيكون حاضرا خال من “الفرض الاستعبادي”، الذي مارسته واشنطن بعد عام 2004.
ولعل مؤتمر القمة العربية القادم في الرياض يكون مناسبة لطرح مبادرة سياسية عربية جديدة تتضمن جوهر قرار الأمم المتحدة 19/67 لعام 2012، بـ “آلية ورعاية جديدة” تكون الصين أحد مكوناتها.
الذهاب لإعلان “رعاية دولية جديدة” يساهم في تعزيز موقف دولة فلسطين الباحث عن حماية دولية وفق البند السابع، مع تنامي جرائم حرب دولة الكيان، ويكسر معادلة الحصار السياسي الأمريكية، والى غير رجعة.
ملاحظة: وزير الخارجية الإيرانية قدم استراتيجية جديدة تنطلق من مبدأ “الاستفتاء الشامل بديلا عن التحرير الشامل”..المهم شو بدهم يحكوا “أبطال محور الساحات الموحدة برما”..يا مساكين!
تنويه خاص: رد المتحدث باسم المفوضية الأوربية أون در لاين كان أوقح من التصريح الأول…فلسطين دوما كانت خضرة، يا أورسولا..جهلك مش لازم يصير عناد..مفروض تعتذري او في ستين دايهة انت ومصاريك!