كتب حسن عصفور/ لا زال البعض الفلسطيني، وربما العربي يحاول تسويق ان مسألة المصالحة بين طرفي الانقسام تحتاج لحسن نوايا بينهما، وان الاستخدام اللغوي الأنسب سيكون طريقا للوصول الى تلك الغاية، التي امتلأت خزائن أهلها بالاتفاقات والتصريحات، لكن ذلك ليس سوى هروبا من الحقيقة السياسية القائلة أن الطرفين لا يستطيعان انجاز اي شكل من اشكال التصالح، حتى لو كان مؤقتا أو جزئيا، بل أنهما لا يمكنهما التوصل الى اتفاق “تهدئة كلامية” في أضيق الحدود، رغم أنهما لا يتركان مناسبة “دينية” ليتحدث مسؤوليهما سويا مباركين ان يكون القادم افضل..
لا خلاف أبدا أن اعادة الحديث عن “مسألة المصالحة الفتحاوية – الحمساوية” هو جزء من اضاعة الوقت، بل وبلا أدنى فائدة عملية لا سياسيا ولا اخلاقيا، فالطرفان لا يعتقدان بجدوى المصالحة أو انهاء الخلاف في هذه المرحلة، ومن يظن بغير ذلك ليس سوى واهم جدا، خاصة “فرقة المتفائلين” بما صدر عن اسماعيل هنية من “خطاب انشائي ولغوي” جميل، رأي البعض أنه يحمل بادرة “حسن نوايا” يمكن الاستفادة منها..تخيلوا اي حال ومشهد يمكن البناء عليه، ان يقف الشعب الفلسطيني ليبحث بمجهر خاص ليصل الى ما يمكن اعتباره حسن نوايا حمساوية كي تتصالح مع عباس وحركة فتح..
“الفرقة التفاؤلية” هذه تناست أن مثل هذا الكلام يشكل اهانة كبرى للشعب الفلسطيني، فمن يريد ان يصل الى حل عملي وسريع وواضح لا يحتاج الى عرض مواقف تأويلية عامة، يمكن تفسيرها كما يحب المتلقي، خاصة وأن لغة العرب تحمل من التعميم ما يجعل صاحب الفكرة لا يقع في “فخ المسؤولية”، فطريق التصالح لم يكن يحتاج من اسماعيل هنية سوى عبارات محددة تبدأ بانه يتخلى كليا عن كل مسمياته التي حملها منذ الانقلاب، وان قطاع غزة بكل هيئاته المدنية مكون من مكونات السلطة الوطنية، اوجزء من مكونات “دولة فلسطين”، اعلان صريح: لا “حكومة في غزة بعد اليوم”..البداية من هنا وغيرها يصبح كلاما لا قيمة له ولا معنى ابدا..
وبعد ذلك يمكن لهنية أن يتحدث بصفته القيادية في حركة حماس، ليطالب الرئيس محمود عباس البدء في مشاورات تشكيل حكومة جديدة، وأن يحضر فورا لقطاع غزة بصفته رئيسا للدولة والسلطة، وايضا كرئيس وزراء مكلف لحكومة انتقالية قصيرة الأمد، تنتهي بالاتفاق على اجراء انتخابات عامة برلمانية ورئاسية خلال 3 اشهر..وخلالها يتم انعقاد اللجنة القيادية العليا لمنظمة التحرير من اجل الاتفاق على “رؤية سياسية موحدة” للمرحلة المقبلة، بما فيها الانتهاء من المفاوضات غير الضرورية باعتراف كل الأطراف عدا بعض فتح وامريكا، وتبحث القيادة العليا في رسم “خطة عمل سياسية” تستند الى استكمال الانتصار التاريخي في الأمم المتحدة، بالاعتراف بفلسطين دولة عضو مراقب.. واستكمال الخطوات التي توقفت ارضاء لعودة التفاوض..خطة تأخذ قيمة المواجهة الشعبية ضد المخطط الاحتلالي التهويدي – الاستيطاني..والتعامل مع المستقبل الوطني باعتباره بات ضرورة وليس خيارا!
البداية الصحيحة هي الكاشف الحقيقي، لكن حماس لم تصل بعد لتلك اللحظة التي يمكنها أن تتقدم بهذه الرؤية، لأنها تعلم يقينا أن “الانقسام” يشكل غطاءا سياسيا لاستمرار ما تحت يديها من “حكم وتحكم” في قطاع غزة، وأن اي انهاء للانقسام واجراء الانتخابات لن يمنحها ما حصلت عليه يوما في لحظة من “غياب وعي الشعب الفلسطيني”، خاصة وأن الجماعة الاخوانية – الأم الحنون لحماس” انكشف سترها السياسي بعد اسقاطهم في مصر والكراهية التي أخذت تحاصر من يشتبه بصلته بهم..حماس القيادة تعلم أن التصالح وانهاء الانقسام لن يكون “فأل خير” على حضورها..
ولو أقدمت حماس على ذلك فاليقين ان الرئيس عباس لن يقدم على كسر المحظورات لانهاء الانقسام، ولن يقبل بذلك، وسيعتبره ومعه حركة فتح بان ذلك ليس سوى “مناورة جديدة من حماس”..ففتح ورئيسها غير جاهزين للعودة لإدارة قطاع غزة لا سياسيا ولا اقتصاديا، لاسباب بعضها معلوم جداوبعضها مجهول، لكن الحقيقة المدركة أن فتح ليست في عجلة من أمرها لكسر حاجز الانقسام في المرحلة الراهنة..فالمفاوضات خيارها الوحيد في هذه المرحلة، الطريق الذي تريده، وبأن المصالحة لا تستقيم مع المفاوضات، رغم كل التصريحات الفارغة بغير ذلك..فتح تعلم جيدا أن اضافة قوة حماس والجهاد الاسلامي الى قوى منظمة التحرير الرفضة لمفاوضاتها مع اسرائيل سيشكل جبهة لا تقوى تحملها، خاصة في اطار “زمنها التفاوضي” المحدد بالأشهر التسعة..
وبلا شك فإن القوة الأمنية في القطاع ستبقى حاسمة لجهة القدرة الحمساوية الى فترة، وهو ما يشكل عائقا أمام فتح وحركة الرئيس عباس، كما أن المشاكل التنظيمية التي تعصف بفتح في قطاع غزة هي ايضا أحد المطبات التي تقف في طريق سرعة اتجاه فتح نحو الخلاص من الانقسام..الى جانب ان البعض من قيادتها يعتقد ان الزمن بات كفيلا باسقاط حماس بعد أن سقط الحكم الاخواني في مصر، وهو اعتقاد يتعزز يوما بعد آخر لديهم في ضوء موقف حماس من مصر خاصة أنها لا تزال تتصرف بكونها جزء من التنظيم الاخواني الدولي باعتبار ما حدث “انقلابا عسكريا”..
لذا من يعتقد أن التصالح سيكون بمبادرة فتحاوية او حمساوية “ذاتية” سيبقى معتقدا..ولن تفيد معها كل التمنيات الطيبة والنوايا الحسنة التي تصدر بين حين وآخر مع كل تصريح قد يفهم منه أنه يحمل روحا ايجابية..من يريد انهاء الانقسام عليه أن يعمل لتشكيل قوة فعلية حاضرة دوما، وليس تحركا في المناسبات أو وفقا لحالة الفراغ السياسي..عندما تتبلور قوة شعبية حقيقة قادرة ويحسب حسابها ويكون حولها التفاف شعبي، يمكن القول أن انهاء الانقسام بات قريبا..دون ذلك فلا “كلام حماس” ولا “رغي فتح “يمثلان طريقا للخلاص!
ملاحظة: حسنا اعاد الصديق هشام ساق الله التذكير باعتقال مهيب النواتي واختفاءه منذ سنوات في سوريا..ليت الرئيس عباس بعد دوره الايجابي في انهاء “صفقة أعزاز”، يتمنى من الرئيس الأسد كشف مصير هذا الفلسطيني المفقود!
تنويه خاص: اعترفت كتائب حماس العسكرية انها من قام بحفر النفق جنوب قطاع غزة..قبل ايام اعتبر ابو زهري احد ناطقيها أن كلام اسرائيل عن النفق تضليل لشن حرب على غزة..اكيد ابو زهري سيتجاهل ما قاله قبلا وسيخرج ليقول “المقاومة مستمرة” و”الكذب طبيعي جدا”!