كتب حسن عصفور/ لا زالت آثار قرار مصر باعتبار الجماعة الاخوانية حركة ارهابية يجد صداه في كل مكان، كونه قرار تاريخي سيكون له أثر كبير على مستقبل تلك الجماعة، وجودا ونشاطا، ولن يكون حالها بعد القرار المصري كما قبله، مهما حاولت هي ومن يقف سندا لها بعباءات ومسميات مختلفة الاشكال قراءة غير ذلك وهما واحلاما، فهو قرار يختلف كل الاختلاف عما سبقه من قرارات لاحقت تلك الجماعة الارهابية التي تلونت في كل مرحلة بلون كي تختبئ الى أن انكشفت بكل مظاهرها أمام شعوب الأمة وقواها..
لا زال صدى القرار يتفاعل في المنطقة، ولكن فلسطين تفاعلت معه بطريقة أكثر “حرارة” من غيرها نظرا لارتباط حركة حماس بتلك الجماعة، فغالبية فصائل العمل الوطني ناشدت حماس الابتعاد عن تلك الرابطة التي تجمعها وتللك الجماعة “الارهابية”، لما سيكون له من أثر على القضية الفلسطينية، فسارعت حماس بالرد وبطريقة بها بعض “الصبيانية” بوصف كل من طالبها بذلك بأنهم مجموعة من “الهبل والصهاينة”، وهو رد لا يصدر عن اي عاقل أو مسؤول كونه “ردا أهبلا ومشعوذا”، فكان الأولى ان يكون الرد بطريقة سياسية تضع المسألة في سياقها التاريخي، الفكري والسياسي، ونفي كل صلة تنظيمية بالجماعة، وهو ما حاول بعض من حماس اللجوء اليه..
آثار قرار مصر يتفاعل في الداخل الفلسطيني، وتحول الى قضية رأي عام، ولن تنتهي المناقشة حوله ببيان “مشعوذ” من هذا المسؤول أو تهمة تتجاوز المسموح من ذاك الطرف، أو بتأييد طرف لآخر، كون الموضوع بذاته يتجاوز حدود “الحسم الداخلي” لهذه الجهة أو تلك..
بلا أدنى جدال فمن حق حركة “حماس” ان تختار فكرها ورؤيتها السياسية التي تراها طريقا للوصول الى تحقيق اهدافها السياسية والاجتماعية في فلسطين، ولا خلاف أن ذلك ليس منة أو هبة لها من أحد، فهو خيار دفعت من أجله ثمن حق وحرية الاختيار، ولكن المسألة قيد البحث ليس فيما تعتقد أو تؤمن من فكر وموقف سياسي، بل في آثار تلك الخيارات على الواقع الفلسطيني بكل مكوناته، ولا يجب اقتصار النقاس – الجدل فيما هل هو حق أم لا حق، فذلك ليس سوى “تقزيم” للفكرة الاساسية التي يجب التعامل معها بعد قرار مصر، خاصة وأن “الحماقة السياسية” لبعض تصريحات قيادات حمساوية وتصرفات طفولية كشفت أن حزنهم على اسقاط حكم الجماعة الارهابية فاق كثيرا حزنهم على أي قضية أخرى، وهناك عشرات من الوقائع التي تظهر تلك الحقيقة، بل ان قيادات حماس اعتقدت في غفلة من البصيرة أن “الخلافة الاسلامية دقت طبولها” ووصل الأمر بمحمود الزهار أن أعلن أن باب الخلافة ينطلق من قطاع غزة، ولولا الخجل لأعلن محمد مرسي خليفة المسلمين الجديد..
لن نناقش فيما هو حق أي حركة باختيار فكرها وموقفها، فذلك تدخل فظ وعبيط ايضا، ولكن السؤال الذي يجب على حركة حماس، قبل الآخرين، أن تجيب عليه: هل تعتقد قيادة حماس أن طريق مصر لها يمكن أن تكون سالكة وهي مرتبطة بفكر الاخوان التي باتت حكما في القانون المصري وقبله في مزاج الشعب المصري حركة ارهابية، وهل تظن أن هناك مصريا مهما كانت “اخلاقيته السياسية” يستطيع تجاهل ارتباطها “شحما ولحما” كما قال البردويل بجماعة ارهابية، التفكير لا يطال ما هو حق لك، ولكنه يجب أن يكون مسؤوليتك، فكيف سيكون مستقبل الحركة في ظل مطاردة الجماعة دون أن يكون هناك فاصل واضح بينها والجماعة الارهابية..
فحماس اليوم ليست تلك حماس التي كانت لحطة اضطرار الجماعة الاخوانية في فلسطين لاطلاق نشاطهم ضد الاحتلال بعد تأخر أكثر من عشرين عاما، وليست هى الحركة التي كان هدفها الرئيسي إزاحة فتح أو منظمة التحرير علها تخطف القرار الفلسطيني لتصبح “الممثل الشرعي” للشعب في ظل ترتيبات اقليمية – دولية خاصة، فتلك أوهام لم يعد لها مكان ولا أثر مهما ظن الخائبون، ولكن حركة حماس وبعد سقوط الحكم الاخواني في مصر واندثار حال الجماعة وتيارها في المنطقة وقرب انهيار حاكمها الخاص في تركيا، باتت مسؤوليتها مختلفة كليا في كيفية التعامل مع المشهد السياسي، فهي تمتلك سلطة التحكم بقطاع غزة منذ انقلابها عام 2007، وحتى تاريخه وهي مسؤولية لا تقف عن باب الشكوى والصراخ عن الحصار وحرب ضد “المقاومة وغزة” فتلك كلمات لم تعد لها تأثير يذكر في عالم السياسية، ليس لأنها غير صحيحة بل لأن من يطلقها فقد مصداقية الكلام والقول..لأسباب مختلفة وشائكة أيضا، لها مكان آخر لمناقشتها..وأيضا عليها مسؤولية سياسية تجاه مسار التفاوض الذي قد ينتج كارثة وطنية لو لم يتم التصدي له..
ولذا فالنقاش مع حماس لا يقتصر على حقها الفكري بل ما هو واجبها العملي في صناعة وصياغة القرار الوطني ومستقبله المقبل في ظل مشهد قد يكون هو الأخطر منذ النكبة الكبرى لاغتصاب الأرض عام 1948، واكتفاء قيادة حماس بفعل “التشويح السياسي” للرد على منتقديها واظهار المسألة وكانها حرب على “حق الاختيار” لا يمنحها البراءة في مسؤولية واجبها تجاه الشعب الفلسطيني، وما كان لكل ذلك الجدل أن يكون لولا أن حماس قوة مركزية في الوجود الفلسطيني والقرار المستقبلي، ولذا لا تملك كثيرا من الوقت لاضاعته في ترف البحث عن عبارات لترد بها على “خصومها السياسيين”، فهي أولا وقبل غيرها من عليه أن يخرج من تلك العباءة بطريقة لا تمس الماضي القكري ولكن ايضا بما لا يكسر المستقبل الوطني..
القرار لحماس في البداية ولكن كلما تأخرت أو تهربت أو تاغفلت سيصبح القرار شعبيا ووطنيا بامتياز.. ونؤكد أن القوة العسكرية مهما بلغت لن تحم أحدا.. ولعل أبرز ما في حراك شعوب الأمة المستمر بأنه قالها صريحة : لا للإستبداد والمستبدين.. وأن لكل منهم أجل يقترب بقوة ما لم يدرك حقائق المشهد..
حماس هي صاحبة الاختيار بين الحق المجرد لخيارالفكر، والمسؤولية الخاصة تجاه القرار الوطني..وعل العام الجديد يحمل جديدا لرؤية حماس كي تعود للحضن الشرعي العام وطنيا وشعبيا برؤية غير تلك الرؤية!
ملاحظة: فرحة بعض اسر شعبنا بحرية ابنائهم تكسر كل مرارة في لحطة خاصة..فحرية اسير تخلق كل هذا الفرح فكيف لنا بحرية وطن!
تنويه خاص: يبدو أن انفعال كبير مفاوضي فتح خرج عن المباح..طالب بانهاء المفاوضات فورا..فكان الرد الفوري من الرئيس بأنها مستمرة..هل ينتصر المفاوض لكرامته الخاصة أم “يغطرش”!