كتب حسن عصفور/ ربما لم يستخدم فصيل فلسطيني تعبير “محور المقاومة”، كما استخدمته حركة حماس، داخل بقايا الوطن وخارجه، وتعاملت معه بطريقة استفادية عالية لفرض بعض حضور خارجي، على حساب غياب حضورها الشعبي الكفاحي في الضفة والقدس، وحرصها على منع أي “توتر أمني” مع دولة الكيان وقواتها طوال السياج الفاصل شرق قطاع غزة، في ترسيخ معادلة “أمن مقابل مصالح وامتيازات”، وكان آخرها ما بعد إطلاق “صواريخ لبنان”، والتي تبرأ منها حزب الله وزعيمه نصرالله، فيما وضعوها على “أكتاف حماس”.
وجاءت حادثة “صواريخ لبنان” لتمنح حركة حماس حالة “انتشاء خاصة”، رغم ان الاتهام حمل معه مساوئ بلا عدد، لم تخدم سوى من استخدمها ترويجا لغاية في نفس قادة النظام الإيراني، كمقدمة إعلانية لما أسموه “يوم القدس العالمي”، حيث سارت الفعاليات في مدن مختلفة، ومنها غزة، عدا القدس والضفة، فكانت الغائب الأكبر في مشهد احتفالي يفترض انه للقدس والأقصى، واكتفوا بالنشيد لها ورفع صور الأقصى، دون كنيسة القيامة (لاعتبار طائفي خالص).
وخلال الاحتفالات تحدث نائب رئيس حماس صالح العاروري وكذا رئيس الحركة (الحاكم العام) في قطاع غزة يحيى السنوار، عن القيمة الاستراتيجية لدور “محور المقاومة” الذي تبلور من إيران مرورا بالحوثيين وحزب الله، والحشد العراقي وصولا الى قطاع غزة والضفة، مع مسميات فصائل فلسطينية كمكون من مكوناته..كلام مسجل صوتا وصورة ولا يحمل أي شبهة للنفي، وخاصة أن احتفالية قطاع غزة كانت بحضور “رؤوس فصائل المحور ذاته”، مع خطاب مفتوح للداعم المالي الأول لهم (حسب تصريحات زياد النخالة) الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
وفجأة، غرد الرئيس الأول لحركة حماس (قبل أن تتدخل أمريكا لإزاحته لسبب لم يعد مجهولا ابدا)، د .موسى أبو مرزوق ليغرد منفردا يوم السبت، بأن “حماس ليست جزءا من أي محور سياسي أو عسكري، بغض النظر عن الاسم والعنوان”، و “نحن حركة مقاومة إسلامية، ونسعى لعلاقات مع كل القوى الحية في المنطقة والعالم، وليس لنا عداء مع أي مكون، سوى العدو الصهيوني”، و”نشكر كل من يقف معنا مساعدا ومعينا، وليس هناك من علاقة مع أي طرف على حساب طرف آخر”.
لا التباس في اللغة ولا المفردات المستخدمة، ولم يخرج أبدا، لا المعني بالتغريدة، ولا حركة حماس بالنفي او التوضيح لما ورد نصا قاطعا، بإعلان الحركة براءتها من الانتماء الى ما يعرف إعلاميا بـ “محور المقاومة” ولا علاقة لها بطرف على حساب آخر.
مبدئيا، يمكن اعتبار تلك التغريدة تجسد حقيقة موقف د.موسى، فربما هو أكثر شخصيات الحركة رفضا للمحورة، ولذا يمتلك علاقات إيجابية مختلفة، لكن ما قاله لا علاقة له بحقيقة موقف حماس وقيادتها المقررة، وذلك ليس استنتاجا بل وثائقيا، وليس ببعيد، ما قالته، فقط قبل أيام، وخاصة ما بعد “صواريخ لبنان” واحتفالية إيران بيوم القدس الخاص لها.
ربما، ربط البعض تغريدة د.موسى حول “براءة” حماس من “محور إيران، جاء في ظل الاشاعة بأن وفدا منها سيذهب لأداء “العمرة” في العربية السعودية، فاختاروا شخصية “غير خلافية” لها من المصداقية ما يفوق غيرها من بين تلك القيادات، للتغريد بانها لا ترتبط بأي من المحاور والمسميات.
لسنا بحاجة للتأكيد، أن تلك المسألة الهروبية من واقع الى واقع آخر، بجديد على حركة حماس، فمن تابع مسارها منذ قرار اطلاقها كبديل مواز لمنظمة التحرير أو شريك مواز لحركة فتح في مرحلة انتقالية الى حين اكمال الاستبدال، تنقلت من محور لآخر، دون أدني مراجعة سياسية لمواقفها، وفقط يكفي التذكير بمسار علاقتها بالشقيقة سوريا وكيف غادرت بناء على طلب محور أمريكا في حينه لضرب وحدة سوريا وتقسيمها في سياق “مؤامرة أوباما”، الى أن توسطت بلاد فارس وحزب الله اللبناني لترطيب علاقتها مجددا (دون حرارة).
وفلسطينيا، سجلها حافل، من “عداء مطلق” وتخوين كامل الأركان” للسلطة الفلسطينية، ورئيسها الخالد المؤسس ياسر عرفات ورفض نهائي لأي شكل من اشكال “التعاون” ما قبل 2005، بما فيها انتخابات 1996، الى نقل البندقية من كتف الرفض المطلق الى كتف القبول المطلق للمشاركة في انتخابات 2006 لسلطة اعتبرتها حماس نتاج “اتفاق أوسلو” الخياني، وفقا لقولها ولا تزال، لكنها هي الأكثر حصولا على فوائد ذلك الاتفاق، والأكثر تمسكا بنتوء منه، وتعتبره “رأس حربة” للجماعة الإخوانية في العالم.
“براءة حماس” اللفظية من الارتباط بمحور مع إيران وأدواتها، قد لا تصمد كثيرا، وسترتبط بموقف البعض العربي منها، ولن تصاب بأي “حمرة خجل سياسي” لو عادت لتتحدث مجددا عن “قيمة محور المقاومة”، في حال لم تحقق لها “البراءة” ما رمت له غرضا وهدفا حزبيا ومنافعيا.
أي حماس هي الأصدق الآن..”حماس محور المقاومة” أم “حماس محور لس”..تلك هي المسألة!