كتب حسن عصفور/ وكأننا أمام تجسيد حي للمثل الشعبي المزروع في ثقافتنا والمتوارث جيلا بعد جيل، القائل “اختلف الحرامية فبانت السرقة”، فبعد أن قام رئيس الوزراء التركي اردوغان بحرمان مدارس خاصة تابعة لتنظيم التركي الصوفي “الرجل الغامض” كما يحلو للاعلام وصفه، فتح الله غولن، كان رد فعل الرجل ورجاله على تجرؤ رجب طيب بالتطاول على ما انتزعه من حكومة اردوغان في سياق “صفقات انتخابية” سريعا وقاسيا، الرد لم يكن عاديا ولا متوقعا، وعله جاء مفاجئا وعنيفا جدا لدرجة وصفه بالزلزال السياسي، عندما قام رجال غولن بكشف كل المستور من “فضائح حكومة تركيا” فسادا من كل الألوان والأشكال..
ومن هول الصدمة، فقد اردوغان حساته السياسية، كما هي عادته منذ ان انتهى حلمه بأن يكون “الوكيل الأول” للغرب الاستعماري في المنطقة العربية، بسقوط حكم الجماعة الاخوانية ومعها سقوط المشروع الأميركي التقسيمي، سارع بالرد على الفضائح باعتبارها عمل “عصابة مجرمة” مدفوعة من الخارج، لتشويه سمعة تركيا والاضرار بها ومواقفها قبل الانتخابات المقبلة، وهو ذات رد الفعل الذي أطلقه بعد احتجاجات ميدان جيزي باسطنبول، التي انتهت بفضل تدخل أمن قوى خارجية وتحديدا الموساد الاسرائيلي، حيث اقام رئيسها 3 ايام بلياليها خلال فترة المظاهرات مع فريق خاص من المخابرات الأميركية، انتهت المظاهرات ولم تنته المشكلة، ويومها أيضا اعتبر اردوغان التحرك الشعبي بأنه فعل عصابات مجرمة مدفوعة من الخارج..
ولأن الكذبة ليست دائما يمكنها أن تخدع الناس، فإن “العصابة المجرمة” التي كشفت فضائح الفساد الكبيرة في حكومة اردوغان، هي أحد أهم حلفاء الحزب الحاكم، وان تقديم المنح والدعم لمدارس حركة غولن، التي باتت اليوم “عصابة مجرمة”، جاء في اطار “صفقة سياسية” بين الرجلين، لم تقتصر على الدعم والمنح والهبات للمدارس الخاصة، بل شملت زرع رجل غولن في مؤسسات الدولة، الأمنية والقضائية، ولذا من كشف عمليات الفساد الكبرى في تركيا هم رجال غولن في الشرطة والقضاء، ولم تكن تلك العمليات كلاما وهميا أو مرسلا، بل جاءت ضمن وقائع واضحة وحقائق ملموسة واثباتات لا غبار عليها..
فالقبض على انجال عدد من الوزراء ووضع اليد على كميات هائلة من الأموال في منازلهم، ثم اعتقال احد أهم رجال الأعمال في قطاع الإنشاءات وأبرز اصدقاء اردوغان وداعم رئيسي لحزبه، لم يكن عملا غوغائيا، بل كان ضمن وقائع وثوابت قاطعة، ولذا كانت ردة فعل اردوغان باقالة رجال الشرطة الذين كشفوا فضائح حكومته وفسادها، واعتبرها “مؤامرة خارجية”، وهي التهمة التي ما انفك يرددها بعد كل أزمة يمر بها وحكومته، دون أن يقدم تحديدا للمؤامرة وأطرافها، ولم يسم اسما لجهة محددة، ويلجأ للتعميم لممارسة الخداع لا أكثر، فمن يمتلك شيئا عن “مؤامرة مدفوعة من الخارج” يجب أن يحدد أطرافها دون التباس، فمثلا هل دولة الكيان وموسادها جزء من هذه المؤامرة مثلا، أم أن امريكا ومخابراتها هي التي تحرك تلك المؤامرة وخيوطها، فمن يتحدث عن “مؤامرة” دون تحديد أطرافها وطبيعتها، يقول كلاما عبثيا بل وغوغائيا..
لم يتحدث اردوغان عن وجود فساد ويجب محاسبة اي كان في اطار القانون، خاصة وأن احد أهم العناصر التي ساعدت حكومته بالنجاح في السنوات الماضية أنه رفع سيف مكافحة الفساد الذي كان يضرب تركيا ومؤسساتها، ما أدى الشعب التركي لإحداث تغييره بالتحول نحو “حزب مجهول” ويمنحه غالبية ساحقة في أول انتخابات له كحزب مستقل عن الحزب الإخواني الأم، ولكن يبدو أن سنوات السلطة الطويلة والغرور المستند الى نجاحات اقتصادية، خلق نمطا جديدا من الفساد يتوارى خلف “جدار النجاحات”، ولكن الشريك الاسلامووي الصوفي الآخر كان يعد العدة ليوم “الخلاف”، فألم بكل ما يمكنه من اسلحة ليوم “معركة الحساب”، ومع أول قرار ضد مصالح تنظيمه فتح الرجل “خزائنه” ليكشف المستور باسطع ما يكون، وتبرز الى السطح السياسي واحدة من اشد الفضائح التي تمر بها تركيا منذ اعتلاء اردوغان وحزبه السلطة، قبل اكثر من عشر سنوات ( 2002)، فتح غولن كل ما يعرف ليهتز عرش الحكومة الأردوغانية أيما اهتزاز، فبينما كان أعصار اليسكا الطبيعي يضرب الشرق الأوسط، كان إعصار فضيحة الفساد يضرب تركيا، رحل اليسكا ولا زالت آثاره لم تنته بعد، ولكن اعصار فضائح الفساد لا تزال مستمرة وتتسع، وقد يكون هناك من الأسرار ما يشكل بداية لسقوط رجل كان له أن يكون “نموذجا”، لكن الدور المرسوم والغطرسة ستقوده الى منطقة قد تلحق به عار سياسي تاريخي يمحو كل ما كان له من “فضائل لتركيا”..
فضائح أردوغان لم تعد مرتبطة بفساد داخلي فحسب، بل بدأت فعليا بعد انكشاف دوره في مخطط استعماري ضد الأمة العربية، فساد سياسي كان مختبئا تحت عباءة “الاصلاح والتطوير”، ولكن الأقنعة بدأت تتساقط وكأننا أمام “خريف حاكم خاص”..
ملاحظة: منع حركة “حماس” لروحي فتوح من دخول غزة، وصمة عار مركبة، تكشف حقدها الدفين ضد التاريخ الفلسطيني..فتوح كان رئيسا مؤقتا لفلسطين..وقبلها رئيسا للمجلس التنشريعي وهو من قام بتسليمه لحماس بعد الانتخابات..كلمة عيب لا تكفيكم..العار يركبكم!
تنويه خاص: غضب القيادي الحمساوي يحيى موسى من رئيس حركته مشعل اقتصر على جانب واحد يخص الحكومة، ولكنه لم يغضب لتأييد مشعل المفاوضات ايضا..الا يجب أن يكون “الغضب منطقيا” سيد موسى!