كتب حسن عصفور/ ملامح الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني، قضية وهوية بل ووجودا، لم يعد لها الكثير من الأسرار السياسية، بل لعلها أكثر حروب الغزو وضوحا في أهدافه المعلنة، ولا يحتاج المسؤول أو المتابع جهدا سوى أن يقرأ ما تنشره “إدارة الحرب المشتركة” أمريكا ودولة الفاشية، ما يساعد كثيرا في رسم ملامح الرؤية المفترض أنها مواجهة لها، وتحضيرا لمقاومتها.
أهداف الحرب الغازية ضد الفلسطيني، لخصها الثنائي بلينكن وزير خارجية إدارة الحرب، وغالانت وزير الجيش فيها، بأنها ترمي الى بناء نظام خاص في قطاع غزة، منفصل الى فترة اختبارية عن السلطة في الضفة، والتي لم يحدد مصيرها بعد وفقا للمخطط، فيما يتم ترتيب “قوات عربية دولية” أو “قوات الأمم المتحدة”، لتتحمل مسؤولية “تأهيل” أهل قطاع غزة لما بعد الحرب، وأيضا بتجاهل كلي لمرحلة إعادة الأعمار، رغم تعيين مبعوث أمريكي منذ بداية الغزوة الجديدة للمساعدات “الإنسانية”.
الخيارات جميعها تقف عند رسم المستقبل السياسي الانفصالي لقطاع غزة، وخلق بنية تتوافق مع ذلك المخطط الاستعماري الحديث، رغم بوجود بعض من أطراف الفاشية اليهودية المطالبين ببقاء جيش دولتهم لتقرر هي دون شراكة مستقبل القطاع، مخطط يستغل التدمير الشامل، والذي أعاد القطاع لسنوات ضوئية الى الوراء، وسيكون الإعمار أحد أساليب الابتزاز التي ستحضر بقوة، فلا اعمار دون ثمن سياسي، مترافقا مع فتح باب الهجرة والتهجير الى بلاد غير عربية.
ورغم الملامح العامة للمشروع المعادي المرتبط بحرب غزة واضحا، لكن الأزمة بدأت سريعا تظهر في الطرف الفلسطيني، الرسمية برئاسة محمود عباس، أو حماس وقياداها السياسية بعدما فقدت حكومتها مكانتها ودورها، الذي انحصر في خدمات خلال المعركة، وبدأ أن الطرفين “الرسمية وحماس”، ذهبا للتفكير في مصيرهما الخاص، قبل التفكير في مصير المشروع الوطني.
بيان تنفيذية منظمة التحرير 28 أكتوبر 2023، تمحور بشكل جوهري على تأكيد أنها وليس غيرها من يمثل الشعب، ولا مكان لغيرها في أي مسار يتصل بها، بيان كشف البعد الارتعاشي الذي أصابهم بعدما بدأت أرض فلسطين تهتز بروح غابت عنهم منذ عام 2005، اعتقدوا خلالها أن “مستقبلهم آمن”، رغم الزلزال الانقلابي يونيو 2007، الذي كان له ان يعيد بشكل جذري دورها وفعلها، لكنها استكانت لما رسم لها دورا ووظيفة.
بعدما فشلت قيادة حماس السياسية في تقدير مخطط العدو بالدخول البري، أو أنها وقعت في “مصيدة” خاصة بمقر وجودها بالدوحة، رهان التسكين بعلاج أمريكي، سارعت لتقديم “أوراق اعتماد مؤدبة”، تتساوق ورغبة البعض الإقليمي لها، بأنها تريد مكانة مستقبلية ثمنا لحرب غزة التدميرية.
خطاب رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية يوم الأول من نوفمبر 2023، كشف جوهريا أن قيادة حماس تبحث عن “حل سياسي” عبرها (وليس عبر الرسمية الفلسطينية)، فقدمت عرضها الأول منذ تأسيسها بقبولها مسار التفاوض السياسي نحو أهداف (لنضعها جانبا)، فالتطور الجديد أو المتغير الأكبر هو قبول حماس أخيرا مبدأ التفاوض مع دولة العدو، بعيدا عما أرفقته من تعابير أخرى.
مبدئيا لا يوجد ما يمنع المفاوضات في ظل ظروف سياسية معينة، ولكن خطيئة قيادة حماس فيما عرضه هنية، يكمن في أنها تعلن مبكرا أنها “الممثل البديل” للرسمية الفلسطينية من جهة، وأنها جاهزة لأن تكون “قيادة خاصة” لمرحلة ما بعد حرب قطاع غزة، تتوافق والمستقبل المفترض أن يكون، على ضوء النتائج التي ستكون لاحقا، وتحت وقع الغزوة البرية لجيش العدو، وكأنها أُصيبت بهلع شامل.
هنية، تقدم بأوراق اعتماد نحو أمريكا، بعدما تجاهل كليا أي مساس بها أو نقد لدورها العدواني، عدا تغافله الكلي بأنها قائدة الغزوة الشاملة على قطاع غزة، وتطوع لتقديم النصح لها باعتبارها “جاهلة” بمصالحها، مضافا أن خطابه تركز على شخص نتنياهو وليس مجلس الحرب بكامله أو التحالف الحكومي، وكأنها “حرب قبلية بين عشيرتي نتنياهو والغزازوة”، وليس حربا بين تحالف فاشي يقوده وبين فلسطين الكل من قطاع غزة.
تجاهل هنية لدور أمريكا القائد لهذه الحرب ومناشدتها فك ارتباطها مع نتنياهو، والتغافل عن دور مجلس الحرب خاصة وزير الجيش غالانت وغانتس، وكأنها رسالة من تحت الأنفاق الى أنه يمكن أن يكون معهما باب التفاوض، وخاصة أنهما “الرغبة الأمريكية المنشودة” ما بعد اسقاط نتنياهو.
الخطاب بذاته، وما سبقه من تصريحات لقيادات من حماس كشفت أن هناك فجوة حقيقية بينها وبين مسار المعركة الوطنية في قطاع غزة، وأنها جاهزة لقبول أي دور سياسي يحفظ مكانتها بل وامتيازها السياسي، بعيدا عن الثمن المطلوب.
وكي لا تقع فريسة “خديعة كبرى” للتوافق “الثوري” مع المخطط الأمريكي الفاشي اليهودي، وجب على قيادة حماس اعلان براءة من عرض هنية بالتفاوض أو البديل، وأن تكف عن الكلام كلما أمكنها ذلك، فكثرة القول تكسر كثيرا من روح المواجهة.
ملاحظات لابد منها رغم أن صوت المعركة كان يجب أن يفرض نقاشا وطنيا شموليا، ولكن خطايا خطاب هنية لا يجب أن تمر مروا هادئا، كي لا يكون البعض عامل هدم سياسي في ظل مواجهة هي فخر وطني.
ملاحظة: في يوم 2 نوفمبر 1917 قدم البريطاني روتشليد وعده للحركة الصهيونية باقتلاع فلسطين من أجل قيام كيان شاذ يكون رأس حربة للمستعمرين…وفي هذه الأيام يقدم بايدن وعده الاستكمالي لتهويد فلسطين هوية وقضية…الفضيحة انه لسه قيادات الخيبة في بلدانا مصرة انه صاحبها بل ومنقذها…يمكن بلفور نفسه خجلان من عاركم!
تنويه خاص: البيت اللي عمره ما كان أبيض منح دولة الغزو تصريحا مفتوحا بارتكاب ما يمكنها من جرائم ومجازر في قطاع غزة..ومعها وقت مفتوح حتى انتهاء آخر رصاصة ترفض الاقتلاع الجديد..معقول لليوم الحكام مش عارفين هاي…او هم صار بدهم هاي..الدنيا صارت زيطة خالص!