كتب حسن عصفور/ لا نعرف بالضبط ماذا كان شعور أو احساس الرئيس محمود عباس وهو يرى اليافطة الصغيرة التي وضعت على مقعد فلسطين “دولة فلسطين” للمرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة منذ تأسيسها عصبة فمنظمة، يافطة صغيرة استبدلت ما كان موجودا منذ “الاقتحام التاريخي” لياسر عرفات لمقر المنظمة العالمية كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كتب اسمها بأحرف ثورة وكفاح لتضيء مقعد ثورة الشعب الذين حاول المتآمرون تغيبيه، يافطة “دولة فلسطين”، حدث قد لا يراه البعض كما يجب أن يكون في سياق الصراع التاريخي مع الحركة الصهيونية ودولتها الاحتلالية لطمس الهوية والقضية..
“دولة فلسطين”، اسم كان هو الأبرز الذي لفت الانتباه في مشاركة الوفد الذي حمل صفتها، واستقبل رئيسها كما لم يستقبل، وسعدت وسائل الاعلام المرافقة للرئيس عباس بالشكل الاحتفالي جدا، وتعاملت معه وكأنه “نصر شخصي”، وتجاهلت الحدث الأبرز في مضمون المسمى الذي كان أمام الوفد الرسمي، وكيف استبدلت يافطة “منظمة التحرير الفلسطينية” التي احتفظت باسمها كفاعل تمثيلي منذ عام 1974 حتى تم استبدالها باسم “دولة فلسطين” بعد التصويت التاريخي على قبولها كدولة عضو مراقب في نوفمبر عام 2012 بغالبية ساحقة..
قد يكون من أكبر المفارقات السياسية في تاريخنا المعاصر عندما تجد أن دولة فلسطين بانتصارها الكبير حاضرة في كثير من مناطق العالم، وآخرها المشهد الذي رآه العالم والذي نقلته وسائل الاعلام لكل من يتجاهله، الاسم صريح جدا الى درجة لا تحتمل التجاهل “دولة فلسطين”، هذا هو المسمى الرسمي الذي يتعرف به العالم ليصوب خطيئة سياسية بحق الشعب الذي تعرض لـ”ظلم تاريخي” من الأمم المتحدة ذاتها يوم أن اصدرت قرارا لتقسيم أرضه ثم صمتت عن اغتصاب ما خصصته لدولته من عصابات اجرامية صهيونية، وجدت دعما وسندا من القوى الاستعمارية، الى أن اكملت احتلالها لكل الارض عام 1967، ظلم لا زال قائما رغم أن القيادة الفلسطينية بزعامة الخالد أبو عمار وقعت اتفاقا عام 1993 كان عليه أن ينهي الاحتلال ويسمح باقامة “دولة فلسطين” على 22% من أرض فلسطين التاريخية وما يقارب الـ50 % من الارض الذي نص عليها قرار التقسيم عام 1947، ولكن الدولة الاحتلالية تهربت، بدعم من أمريكا وغياب “العدل الدولي”، ومنعت حتى تاريخه أن يتحقق ما تم الاتفاق عليه من انهاء الاحتلال واقامة “دولة فلسطين”..
“دولة فلسطين” اضحت حقيقة سياسية تشرق اينما اتيح لها ذلك، لا تستطيع قوة من منع انتصارها السياسي في اي محفل دولي عندما تجد من يتقدم باسمها نحو أي قضية، حضور طاغ الى درجة لا تتفق مع غياب روح الثورة التي انطلقت عام 1965 في أيامنا هذه، حضور مقابله غياب بقرار رسمي من الرئاسة وحزبها الحاكم عن أرض فلسطين، مفارقة لا يمكن لها أن تكون الا في “حالتنا الخاصة”، فمنذ الانتصار التاريخي في الأمم المتحدة، والاعتقاد أن قطار “دولة فلسطين” سينطلق بقوة نحو تحقيق مكاسب تأخرت كثيرا..توقعات أن تذهب فلسطين الدولة لتحتل كل ما لها من مقاعد في المنظمات الدولية عضوا كامل العضوية، وانضمامها للمعاهدات التي تمنحها الحق بملاحة مجرمي الحرب قتلة الانسان ولصوص الأرض لتأثر لكل فلسطيني قدم من حياته ثمنا للقضية، شهيدا جريحا اسيرا لاجئا،كل ابناء الشعب ينتظرون لحظة المحاكمة التاريخية لمغتصبي الأرض وقتلة اهلها..وأن يصبح جواز سفرها وهويتها تحمل اسمها كـ”دولة” بدلا من “سلطة انتقالية”..
لكن الرئاسة الفلسطينية قررت أن تذهب الى ابقاء حالة التغييب واضاعة قيمة “النصر التاريخي” كي لا تغضب الادارة الأميركية، وبدلا من الذهاب لرفع مكانة الدولة، وانهاء كل مظاهر المرحلة الانتقالية من “اتفاق اوسلو” الذي قتله الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بعد اغتيال رابين، وسرقت ما يمكنها سرقته، وبدلا من اعلان “دولة فلسطين تحت الاحتلال” والذهاب الى الأمم المتحدة للعمل على تحريرها وفق الفصل السابع، اختار الرئيس عباس وحزبه – حركة فتح – طريقا متعاكسا كليا مع رغبة الشعب كي يفاوض وهما وعبثا وكذبا وخداعا..تفاوض هم يقولون عنه أنه عديم الجدوى..عام كامل من اضاعة الفرص لتعزيز رحلة المواجهة السياسية للخلاص من الاحتلال ذهبت كي لا تغضب أمريكا..وليس مهما غضب الشعب الفلسطيني بكل قواه، مادام هناك قدرة على كسر شوكته الكفاحية ارهابا امنيا أو ماليا..
بعد عام من النصر التاريخي الذي اعتقدنا جميعا أنه سيكون بداية لمحطة هامة للخلاص من الاحتلال، نجد من يحتفي بالمظهر الاحتفالي للقب والمظهر والبرتوكول ويتجاهل كليا القيمة التاريخية لقرار تم اغفاله رسميا في مؤسسات فلسطين ذاتها..
ليت الرئيس عباس وفريقه المرافق في رحلة نيويورك يتحدث عن لحظة رؤيته اسم “دولة فلسطين” تتصدر مقعدها، ألم يدرك كم هي الكارثة التي حطت بالشعب جراء التنكر لتفعيل القرار وتحويله من ورق الى “حياة” بدلا من الاستمرار في لعبة “المفاوضات حياة”..
الفضيحة التي تستحق العقاب أن تحضر “دولة فلسطين” في قاعة الأمم المتحدة وتغيب عن أرض “دولة فلسطين” في “بقايا الوطن”..أنها جريمة “فساد سياسي ” تستوجب الملاحقة لو كان هناك من يدرك قيمة الخسارة الكبرى من اغفال تفعيل القرار التاريخي العظيم..
ملاحظة: أن تتذكر حماس وأخواتها “معركة القدس والأقصى” فهذا تحول جيد، لكن عليها الا تعتقد أن اهل فلسطين لا يذكرون أن ذات القضية كانت غائبة عنهم لزمن قبل وبعد سقوط حكمهم الاخواني.. وبلاش نصب سياسي!
تنويه خاص: للتاريخ لا يجب القول أن ما حدث في مثل هذا اليوم من عدوان اسرائيلي في المسجد الأقصى عام 2000 بأنه انتفاضة.. كان فعلا مقاوما ومواجها لعدوان تم تخطيطه مسبقا للخلاص من ثورة وزعيم..”الحماس الثوري” احيانا قاتل!