كتب حسن عصفور/ في خطاب تمثيلي بامتياز، قدم بنيامين نتنياهو رئيس حكومة التحالف الفاشي رؤيته الشاملة للسلام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة 22 سبتمبر 2023، لم يرتعش أبدا وهو يقدم عناصرها المركزية مع خريطة توضيحية لتأكيد ذلك.
بشكل غريب، ونادر في الوقاحة السياسية، اعتبر رأس الفاشية اليهودية الحاكمة في دولة الكيان، أن الطرف الفلسطيني رفض كل ما قدم له من أجل تحقيق سلام، وأنه مقابل ذلك يواصل الحديث عن “تدمير إسرائيل” وشطبها، في استخفاف نادر ليس للمستمعين بل أعضاء الجمعية العامة، التي لديها نسخ كاملة من الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير ودولة الكيان، ورسالة الاعتراف المتبادل، التي تنصل منها كليا، نتنياهو وحكوماته المتكررة ولا زال.
وبعيدا عما تناوله استعراضا خادعا وساذجا في آن، حول الطرف الفلسطيني، وان سبب قيام إدارة كلينتون 1999 بإسقاطه بشكل صريح رفضه تنفيذ تفاهم “واي ريفر” 1998، فالخيط الرئيسي الذي يجب ألا يمر مرورا عابرا، ما وضعه من عناصر “جديدة” شرطية لصناعة سلام خال من الفلسطينيين.
جوهر مشروع نتنياهو الجديد، يستند أن التطبيع مع الدول العربية هو ما سيفرض على الفلسطينيين أن يتخلوا عن “أوهامهم” (وهنا تقرأ إقامة دولة فلسطينية في الأرض المحتلة 1967، وتناسي الى الأبد بأن القدس والمقدسات هي أرض لهم وعاصمة لدولتهم)، وأن التطبيع لا يجب أن يرتهن بـ “فيتو” فلسطيني، مستخدما الاتفاقات الأخيرة بين دول عربية ودولة الكيان نموذجا لما يجب أن يكون، توقيع دون انتظار موقف فلسطيني.
نتنياهو، لم يقف عند حدود فصل الرسمية العربية عن فلسطين، القضية والمشروع كلاميا، بل قدم خريطة مستخدما اللون الأخضر للدلالة عما سيكون لو تم تطبيعا شاملا، بشطب فلسطين من الخريطة الجديدة، مستبدلها بإسرائيل، ليصبح الشعار الرسمي الآن، “تدمير كل فلسطين لصالح كل إسرائيل”، مستخدما قاطرة التطبيع للترويج لمشروعه الجديد.
تركيزه على التطبيع مع السعودية، وأنهم قادرون على صناعة اتفاق تاريخي يغير وجه المنطقة بكاملها، تكشف أن الصيد الذهبي أصبح قريبا وفقا لما تقول أمريكا، وما كشفه الحاكم الفعلي للعربية السعودية محمد بن سلمان في مقابلته مع “فوكس نيوز”، التي نالت انتشارا واهتماما عالميا فريدا، بقوله إنهم يقتربون من التطبيع مع إسرائيل، وأن القضية الفلسطينية مهمة ولكنها لم تعد عقبة مركزية، وليست شرطا للتطبيع، بل البحث عن كيفية “تحسين حياة الفلسطينيين” لا أكثر.
للمرة الأولى منذ عام 1948، يقف رئيس حكومة لدولة الكيان ليتجرأ بتقديم خريطة شرق أوسطية خالية من فلسطين، دون أي اكتراث للبعض العربي وللرسمية الفلسطينية، مستندا الى التطورات المتلاحقة منذ انكسار العامود الفقري لارتباط حل الصراع مع دول العدو بالقضية الفلسطينية، ومع تقديم تسهيلات تطبيعية سعودية مبكرة كخطوات على طريق التطبيع الشامل، دون أي ربط بالقضية الجوهرية.
عندما توافق الشقيقة السعودية، وبعد نقاش مع الرسمية الفلسطينية، على نقل القضية من معركة “تحرر وطني” واستقلالية سيادية الى مسألة تحسين مستوى المعيشة والحياة للسكان مع “أنسنة” سلوك الفرق الاستيطانية دون المساس بـ “حقوقهم” في الضفة والقدس، فمن الطبيعي جدا ان يقدم نتنياهو خريطة خالية من وجود فلسطين.
بلا مواربة سياسية أصحبت الرسمية الفلسطينية متهمة بشكل مباشر بأنها قدمت تنازلات جوهرية للعربية السعودية، للمضي قدما في مخططها التطبيعي ولا شرطية حل القضية الفلسطينية، أو ربطها بأي مسألة تتصل بالبعد الاحلالي الاحتلالي، مقابل “مصالح وامتيازات” بعضها لن يبقى سرا وبعضها قد يطول انكشافه، خاصة مع وجود نجل الرئيس عباس في وفد التفاوض، وهو الذي أصبح رجل أعمال لا صله له بأي قضية سياسية أو مكانة تمثيلية في المؤسسة الرسمية.
وجاء خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة ليؤكد ذلك، بعدما قفز كليا عن المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين عضوا كاملا، وتقديم مشروع بذلك، لم يتطرق الى تعليق الاعتراف بدولة الفاشية اليهودية، ولم يتقدم بمشروع رسمي الى اعتبار الوجود الاستيطاني هو عمل إرهابي عنصري، رغم وجود قرارات سابقة، والتهرب من الحديث عن بند الحماية الدولية، واستبدلها بتقديم مقترح غريب، يشكل قاطرة للتطبيع السعودي، حول عقد مؤتمر دولي للسلام، على قاعدة الوضع الراهن.
مقترح عقد مؤتمر دولي بمشاركة دولة الكيان، دون ربطها بدولة فلسطين، يكشف انه هناك “صفقة سياسية” تمت بين وفد الرسمية والعربية السعودية، ما أدى لمنع عباس التقدم بما كان يجب أن يكون عنوانا لخطابه، الذي يمكن وصفه بالأكثر رداءة سياسية منذ انتخابه عام 2005.
وإن كان الأمر غير ذلك، وأنه لا توجد صفقة متبادلة مع السعودية، ليعلن تعديل اقتراحه حول المؤتمر الدولي للسلام، ارتباطا بدولة فلسطين وتعليق الاعتراف بدولة الاحتلال الى حين اعتراف جديد بدولة فلسطين…
والحديث الآن الى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وفي المقدمة منها حركة فتح..هل تواصل الصمت على الجريمة الوطنية الكبرى والصفقة الرسمية مع السعودية، أم تنتفض بقوة تاريخها وحاضرها لمنع سيادة مستقبل الظلام الوطني.. تلك هي المسألة!
ملاحظة: استمرار بقاء ممثلة لفلسطين خلال خطاب نتنياهو وحديثه ضد الرئيس عباس، يكشف أن الإهانة السياسية لم تعد تثيرهم..شكلهم صاروا “متعودين دايما”!
تنويه خاص: رئيس معارضة دولة الكيان كشف عن لقاء بينه وبين “كبير مفاوضي عباس” مع السعودية حول صفقة التطبيع…معقول الرسمية صارت “وسيط” لتليين موقف لابيد من “النووي السعودي” بعد تصريحه الرافض…بدكوا الصراحة مع هيك ناس كل شي بيصير ..ولسه يا ما في الجراب من بلاوي!