كتب حسن عصفور/ قبل أيام سارع الرئيس محمود عباس بالرد ايجابا على دعوة رئيس وزراء دولة الكيان له بزيارة مقر الكنيست، الرد الايجابي جاء رغم أن نتنياهو لم يكتف بتوجيه الدعوة فقط، كما هو مفترض عادة، لكنه تمادى أو استخف بالمدعو عندما فرض عليه مضمون للخطاب الذي سيلقيه عند حضوره، وبالطبع لم يتناس “بيبي” ما يردده ليل نهار بأنه على عباس أن يعلن اعترفه باسرائيل كـ”دولة يهودية” أو “دولة للشعب اليهودي”، أيهما يرغب..
وسرعة الرد من قبل الرئيس عباس جلبت “عاصفة” من الاعتراضات السياسية، وكأنها قد حدثت فعلا، وعل بعض الردود على الزيارة الافتراضية جاءت خارج النص المتعارف عليه في عملية النقد، حتى أن الجبهة الشعبية وهي شريك في منظمة التحرير فاقت بنقدها للموافقة العباسية ما قالته حركتي “حماس” و”الجهاد”، لكن كل المعترضين اتفقوا على أن الموافقة تشكل “تنازلا مجانيا”، اضافت له “الشعبية” تعبير بأنه “تنازل مقابل وهم” لتحقيق مكتسبات في التفاوض بأي ثمن..
لم يكن الرئيس محمود عباس مجبرا على التجاوب مع تلك الدعوة النتنياهوية، وهي دعوة لا يحتاج الرئيس لسؤال مستشاريه “الاستراتجيين” عن الموقف منها، وما هي المضار أو الفوائد لو تعامل معها سلبا أو ايجابا، لأن المسألة واضحة كل الوضوح من الهدف الذي يريده رئيس الطغمة الفاشية الحاكمة لدولة الكيان الاحتلالي، فهو لا يبحث عن اي مصلحة تذكر يمكن وضعها في رصيد الحسنات السياسية للعملية التفاوضية الجارية، والتي لم تأت الا بمزيد من الكوارث للشعب الفلسطيني وللرئيس عباس شخصيا، ولكن نتنياهو كان يبحث عن وضع الرئيس عباس في “مصيدة” ويوقعه في معركة مع القوى الوطنية الفلسطينية، مدركا بحكم تجربته ومعرفته أن الرئيس سيسارع لقول نعم للزيارة، جريا على النظرية السائدة في سلوك القيادة الرسمية بأن لا تقول “لا” كي لا تواجه غضبا دوليا أو تتهم بأنها من يعرقل..
لسنا في وارد البحث في مدى سذاجة نظرية لا يجب أن نقول “لا” للمفاوضات أو الزيارة، فمن يحتل الأرض ويعبث بها ويستوطنها معروف ، وقرارات الشرعية الدولية معلومة، ولكن ما هو مفيد أن يتم نقاش هل كان من الفائدة السياسية للرئيس عباس وحركته فتح، ان يسارع بالرد الايجابي على دعوة نتنياهو، بالتأكيد لم يكن ذلك ضرورة، بل كان ضررا ولا غيره، فالرئيس قبل الآخرين يعلم ان هناك حالة غضب غير مسبوقه للمفاوضات التي يصر عليها، “مهما حصل”، في ظل تنامي حالة مصادرة الأرض والاستيطان والتهويد، وأن الغضب قد ينفجر في أي لحظة وبأشكال مختلفة، قد يكون بينها الأعمال العسكرية، بل أن الغضب لم يعد مقتصرا على الكيان الاحتلالي فحسب، بل ايضا ضد سلوك السلطة رئاسة وحكومة وأجهزة، ولذا لم يكن يحتاج لاضافة بند لاشعال فتيل “الغضب الشعبي”، ويسرع من وتيره الانفجار..
وقد لا يكون الرئيس متجاهلا أن مقر الكنيست لدولة الكيان يقع في اراض القدس الغربية، والتي تحاول اسرائيل جاهدة تكريسها كعاصمة لكيانها قبل التوصل لحل نهائي للصراع والاحتلال، ولذا اي زيارة، فلسطينية أو غير فلسطينية، لمؤسسات رسمية حكومية اسرائيلية فيها تشكل “تعزيزا” للنظرية الصهيونية بأن “القدس عاصمة دولتهم”، وهو ما يضعف بالمقابل الحملة العالمية الرافضة لذلك، ولا يجب أن يغيب عن بال الرئيس وأعضاء قيادته ومجلسه الاستشاري ماذا حدث قبل مدة وجيزة للرئيس التشيكي عندما اشار انه سيطلب من حكومته الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة من تل أبيب اليها..مؤشرات جوهرية لا يجب أن تغيب عن ذهب من يتحمل مسؤولية قيادة الشعب الفلسطيني..
كما أن الاعلان الايجابي لقبول الدعوة، يتجاهل كليا أن دولة الكيان تسابق الزمن لتنفيذ أخطر مشروع استيطاني معاد للمشروع الوطني في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ولم تمض ايام بعد على مشروعها بانشاء ما اسمته “الحديقة الوطنية” فوق أرض مقدسية كبداية لتنفيذ مشروعها الاستيطاني المعروف باسم “إي 1″، في حين تواصل عمليات القتل والاقتحامات لمناطق فلسطينية، مع احكام درجة الحصار على قطاع غزة أوصلته الى مرحلة مأسة انسانية عامة في مختلف المجالات..وقبل ذلك كله لا نظن أن الرئيس عباس يتناسى أن نتائج المفاوضات الجارية، رغم أنف الشعب، نتيجتها اصفار مكعبة ومربعة ومؤلفة!
المسألة لم تعد ابدا في كيفية الظهور بمظهر “المتجاوب دائما”، أو الرئيس الذي لا يقول “لا” الا في حالات نادرة، بل في حساب سياسي لما سيكون من تلك الزيارة ولن تجني منها سوى بعض “مديح” في وسائل اعلام صهيونية وغربية تنتهي في اليوم التالي للزيارة، وستبدأ بعدها تتهمك بأنك “لاسامي” لكونك لم تعترف بدولتهم كـ”دولة يهودية” أو لم تعلن أنك تنازلت عن كل متطلبات الصراع قبل أن ينتهي الصراع، والمقصود هنا اسقاط حق العودة..فاللعب التنازلي مع هؤلاء له بداية ولكنه بلا نهاية..ولا يحتاج الفلسطيني العادي لادراك ذلك ومعرفته بها بعد التجربة الطويلة والمريرة، فما بالك بالرئيس..
ولذا ليس عيبا أن يخرج تصريحا من الناطق باسم الرئاسة ليعلن أن الرئيس عباس لن يذهب الى الكنيست أو اي مقر رسمي اسرائيلي مقام في القدس الغربية، أو غيرها قبل تحقيق تقدم جوهري وجدي ملموس في العملية السياسية.. ليستخدم الدعوة للضغط الايجابي على رأس الطغمة الفاشية بدلا من تحويلها لقنبلة قابلة للإنفجار فلسطينيا!
ملاحظة: عدم تسرع قيادة “حماس” بالرد الأهوج المعتاد على ما جاء في المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية المصرية قد يكون “علامة ايجابية” بدراسة ما جاء به، علها تجد سبيلا هاديا للخروج من أزمة” قد تبدو أخطر من المعتاد..!
تنويه خاص: “العنطزة” الاسرائيلية ضد اتفاق النووي الايراني ليس سوى هبل في هبل..شو بدك تعمل يا بيبي – من مصغر طفل -!