كتب حسن عصفور/ احدثت “صفقة التبادل” لمخطوفين لبنانيين وطيارين اتراك وبعض سجينات سوريات، دويا سياسيا، صفقة تعاملت معها جهات عدة برؤى مختلفة ومن زوايا عدة، كل ما يخدم مصلحته مبتعدا عن ما اقدم عليه من “تنازلات”، فكما هي عادة “الصفقات” يحاول كل طرف أن يبدو هو المنتصر، ولكن بعيدا عن لعبة “المنتصرين”، كانت المفاجأة الكبرى هو “الدور الفلسطيني” في هذه الصفقة، وعله الطرف الوحيد الذي عمل اكثر وقام بجهد محمود فعلا، استمر اشهرا عدة، وبلا أدنى شك فالمساهمة الفلسطينية تشكل بادرة فعل قد يراها الكثيرون أنها جاءت خارج سياق النمط السياسي الفلسطيني السائد.. وقد تكون مفاجأة للشعب الفلسطيني أكثر من الآخرين..
فالحيوية التي كشف عنها سفير فلسطين في تركيا نبيل معروف “عبد المحسن الزعتر” – وهو الاسم الذي التصق به سنوات طويلة قبل أن يصبح سفيرا – تشير الى أن الدور الفلسطيني كان العنصر الاساسي في التوصل لتلك الصفقة التي سسمحت بانتهاء أزمة لبنانية شعبية شيعية مع تركيا، ولكن ما يثير الانسان أن غالبية أطراف الصفقة حاولت تجاهل الدور الفلسطيني وما بذله من جهد وعمل وعرق لانجاح الصفقة، حتى أن دولة قطر، التي حاول البعض وخاصة الجانب التركي الرسمي أن يظهرها وكأنها “عراب الصفقة” لم تدخل على خط الأزمة سوى قبل 15 يوما من “خط النهاية” حاملة معها القوة المغرية جدا “150 مليون دولار” للخاطفين في المعارضة السورية، ما يعرف بجيهة أعزاز..
ولولا بعض الاشارات الرسمية اللبنانية خاصة الاتصال الهاتفي المفاجئ بين الرئيس عباس ونبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني، ثم تلميح سريع من القائم بأعمال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، لذهب الدور الفلسطيني تحت “اقدام المال القطري” لترفع لها اليافطة التي فقدتها “شكرا قطر”، الا أن الاعلام الباحث عن بعض “اسرار الصفقة” وتسريبات فلسطينية خجولة في البداية كشفت أن هناك طرفا لعب دورا هاما طوال اشهر أو ما يقارب العام وفقا لما ذكره السفير الفلسطيني معروف..وللأسف كان يجب أن يكون الشكر أولا لفلسطين قبل قطر وتركيا والأسد، وهي الأطراف التي شكرها مدير عام الأمن اللبناني اللواء عباس ابراهيم، متجنبا الاشارة الى دور فلسطين، سفارات ورئيس، وهو لا يتفق مع الحقيقة ولم يكن منتظرا مثل هذا التجاهل لدولة تستحق أن تكون أول من يتقدم منها أهل المخطوفين الشكر والتقدير، الا أن المال القطري اسال لعاب بعض الأطراف على حساب الحقيقة، كما “العاطفة الاخوانية” الكامنة لدى تركيا وقطر منعت من توجيه شكر للرئيس عباس وفلسطين..
ليست المسألة تصريحا من هذا المسؤول أو ذاك لتقدير الجهد الفلسطيني، لكنه وفاءا لدور ارتبط باسم دولة وقضية تستحق مثل هذا التقدير في ظل ما تتعرض له من محاولات احتواء لمكاسبها التاريخية، وحسنا فعل سفير فلسطين في تركيا أن تحدث تفصيلا عن الجهود طوال عام وأكثر، وكشف حقيقة الدور القطري في الصفقة التي بحث عنها كي يبدو أنه لا زال له دور في بعض زاويا اقليمية، ومحاولة أن يفتح نافذة نحو ايران تجاوبا مع الانفتاح الأمريكي مع الدولة الايرانية، بينما ارادها أردوغان لتحرير اثنين من المختطفين الاتراك في لبنان، وكان لهذا الاختطاف لو استمر أن يهز صورته وحزبه في الانتخابات المحلية والبرلمانية المقبلة، بعد مسلسل الاخفاقات التي لم تكن ضمن حساباته، خاصة خسارته مصر الدولة، وظهر وكأنه محتضن التنظيم الاخواني العالمي..لذا كانت الصفقة ضرورة آنية لتبيض بعض ما لحقه من “سواد سياسي”..
الصفقة ربما لم تكن شاملة، نظرا لفشلها في اطلاق سراح مطرانيين تم خطفها من قبل عناصر مسلحة متطرفة تتبع المعارضة التي تسير في فلك محور قطر- تركيا، ووفقا لما اشارت اليه بعض المصادر فالسبب في عدم اكتمال الصفقة هو أن اردوغان طالب باطلاق سراح بعض عناصر جهاز مخابراته المعتقلين في سوريا مقابل اطلاق سراح المطرانيين، ووافق الرئيس السوري شرط أن يتم الاعلان عن ذلك اعلاميا، وهو ما رفضه اردوغان كي لا ينكشف المستور من دور أمني تلعبه مخابراته في الأزمة السورية، وارادها سرية الا أن الاسد رفض لأنه يبحث عن ما يفضح الدور التركي قبل ان يطلق سراح المخطوفين..
لذا لا عجب أن تغيب بعض أخلاق اطراف الصفقة في تجاهل الدور الفلسطيني، فكل منهم كان يبحث عما يخدم مكانته وليس ما يخدم تحرير اناس مخطوفين بعضهم بلا سبب سوى الهوية وبعضهم معتقل لأنهم كانوا جزءا من حرب لا تعرف ملامح للمشاركين بها..
الصفقة الأخيرة اطلقت سراح بعض مخطوفين ولكنها قد لا تنقذ من يبحث عن دور باي ثمن من ورطته التي بدأت..فالحقيقة السياسية اقوى من المال السياسي..وايضا اكثر سطوعا من الانتهازية المخادعة..شكرا فلسطين!
ملاحظة: خطاب اسماعيل هنية رغم الضجيج والدبيب الاعلامي الحمساوي لا يستحق التعليق حتى يأت الدعم والسند من السماء بعد اطلاق “الدعوات”..ربما يقوم بعض من اهل حماس بتقديم مقترحات أكثر نضجا ووضوحا بلا انشاء لغوي واستعراض خطابي!
تنويه خاص: عدم قيام الرئاسة الفلسطينية والحكومة وهيئة مكافحة الفساد بالرد وتوضيح حقيقة ما جاء في تقرير هيئة اوروبية بتهم فساد للسلطة ليس فألا خيرا..الصمت معيب جدا!