كتب حسن عصفور/ منذ أن قررت “فتح” أن تذهب منفردة الى المفاوضات لمدة أشهر تسع كما أعلنت ضمن اتفاقها مع الأميركان، وخروجا عن الشرعية السياسية المتفقة عليها للعودة التفاوضية، وهي تحاول جاهدة تمرير قرارها بشتى الذرائع والسبل، ولأن العودة لم تأت في سياق طبيعي ولا ظرف مناسب، فهي لم تجد بعد صيغتها الملائمة لتبرير استمرارها بالتفاوض، الا تلك الذريعة التي لا تليق بحركة تشكل عمود الثورة ومنظمة التحرير، فلا تجد قيادات فتح من عذر لتمرير تلك العبثية السياسية سوى أن لا تقع القيادة تحت “لوم وملامة العالم”، مع الاعتراف منهم قبل غيرهم أن تلك المفاوضات تشكل خطرا على أرض الفلسطينية، وانه لم يعد هناك “شريك اسرائيلي في السلام”..
هذا التبرير الساذج والمتكرر بات يشكل حلقة استفزاز وطنية، وتكراره اليومي يعتبر استخفافا غير مسبوق بالانسان الفلسطيني روحا وثقافة وتاريخا، وتلاعب غير محسوب بجوهر القضية الوطنية، خاصة وان حكومة دولة الكيان لا تقيم وزنا ولا تعطي أي انتباه أو اهتمام لكل تلك التصريحات “الصارخة” بعد كل طرح لمشروع استيطاني جديد تتكاثر كثرة تصريحات “الفئة التفاوضية”، حتى أن وزير مالية الكيان لم يعد يطيق تلك المشاريع، الا ان ردة فعل اصحاب شعار “مفاوضات مهما كان الثمن” لم يعد يجدوا من وسيلة لاستمرار “التضليل السياسي” الا بالحديث عن تهديدات ومخاوف، فمن يلجأ منهم الى ارهاب الشعب الفلسطيني بالمسألة المالية باعتبارها “سلاحا يرونه مجديا” في مواجهة الرفض والتمرد على العبث، بينما يستنبط آخرون عبارة تحمل كميات من “الغباوة النادرة” عندما يضعون فعلتهم التفاوضية واستمرارها مقابل عدم “لوم العالم” لللقيادة الفلسطينية لو انسحبت من المفاوضات، حتى لو قامت كل دقيقة بعرض مشاريع لسرقة الارض ومصادرتها واستيطانها وتهويدها..
الكارثة الكبرى أن تلك الفئة الخاطفة للقرار الوطني باسماء مستعارة، ترى أن الخشية من “اللوم الدولي” اكثر اهمية وتاريخية من مواجهة المشروع الاستيطاني والقتل والتهويد الذي تقوم به دولة الكيان الاحتلالي دون أن تعطي أهمية لكل العالم، دولا ومؤسسات ومنظمات، قرارات لا تتوقف ضد الاستيطان واعتبرته بعض مؤسسات أنه جريمة حرب تستدعي محكمة خاصة لمرتكبه، فيما تحرص “الفئة المتفاوضة” حرصا نادرا على أن لا يصاب العالم بـ”انتكاسة نفسية كبرى” لو قررت تلك الفئة بالانسحاب من طاولة لم تعد لها قيمة مطلقا، سوى انها اضحت تمثل الغطاء “الشرعي لتمرير المشروع الاستيطاني”، اعترفت تلك الفئة أم لم تعترف فالواقع اليومي التنفيذي بما يقوم “الشريك الاسرائيلي”من أعمال وقرصنة ومصادرة، كاف لتعرية الاستمرارية المعيبة..
من حق القيادة أن تأخذ بالحسبان الواقع العام عند تقييم اي قرار ذو بعد استراتيجي، لكن ذلك محكوم بمدى خدمتة للمصلحة العليا للشعب، اما أن يكون المعيار الوحيد للإستمرار بالتفاوض هو فقط كي لا يغضب العالم أو خوفا من ملامته، فتلك سخرية لا مثيل لها في التاريخ ماضيا وحاضرا وقد لا يكون لها مثيل ايضا في المستقبل، أي عالم هذا الذي تخاف منه “الفئة التفاوضية” وغالبية دول العالم باتت ترى في الاستيطان جريمة حرب، هل العالم بات يتجسد لديهم فقط في الولايات المتحدة التي لم تعد قادرة على ضبط أي فعل لحكومة الكيان، فما بالك بأن تفرض عليها مشروعا سياسيا..
وتتسع حالة السخرية كلما تقرأ تصريحا لأحد أعضاء تلك الفئة من أن عرض الوحدات الاستيطانية يشكل رسالة ضد “الجهود الأميركية”، بل أن أحدهم وقبل ايام فقط أطلق تصريحا ناريا بقوله أن عرض اي مشروع استيطاني جديد يعني انتهاء المفاوضات والبدء في استئناف القرار بانضمام دولة فلسطين الى 63 مؤسسة دولية ومنها المحكمة الجنائية الدولية.. التهديد لا زال موجودا على أي موقع اعلامي رسمي وشبه رسمي وربما على ايميل القائل كون يقوم بتوزيعه للاعلام، تصريح لم يتعامل معه بجدية أحد، بل أن مصدر من الرئاسة الفلسطينية استخف به، واعلن أن المفاوضات مستمرة طبعا “مهما كان الثمن”..
بين حين وآخر تقول بعض الاصوات ان التفاوض سيتسمر الى نهاية الشهر التسعة التي وعد بها الرئيس عباس، والمهلة ستنتهي في شهر ابريل ( نيسان المقبل)، محاولة جاءت لتهدئة تفاقم الغضب الشعبي على العبثية التفاوضية، لكن ذلك الكلام لا يستقيم مع رحلة التهديد اليومية – طبعا والفارغة – من الانسحاب من التفاوض والذهاب الى الأمم المتحدة، او مجلس الأمن..
وكي لا تصبح المسألة عبث سياسي وفوضى ايضا، نأمل ان يتوقف اعضاء الفئة التفاوضية عن اطلاق التصريحات الكاذبة والفارغة والمملة وأن يعلنوا تصريحا مقتضبا واحدا لا غير، ان “المفاوضات مستمرة مهما كان الثمن” وكل من يقول بغير ذلك من الفئة التفاوضية كاذب ومخادع وهو يحاول أن يلبس ثوبا غير ثوبه الحقيقي..لتقول فتح تلك العبارة علها تهدأ من روع ما تسببه فوضى الكلام المستفز جدا، فوق استفزاز عدم الاهتمام بملامة الشعب في ظل التحسب من لوم العالم.. مراعاة لحساسية الفلسطيني أوقفوا تصريحات الكلام المخادع..الى أن يأت “اليوم الموعود”!
ملاحظة: زعيم الجماعة الاخوانية التونسية الغنوشي أثبت انه “ذئب سياسي”..من خبرته المصقولة في بلاد الفرنجة أدرك أن “الخروج الآمن” من السلطة أفضل كثيرا من “الطرد غير الآمن” من صفوف الشعب..مصر مثالا!
تنويه خاص: كذب البعض أن كيري تقدم بمشروع يشمل كل قضايا الحل النهائي، بما فيها القدس فضحه نتنياهو واعلنها بأعلى صوته أن ذلك لم يحدث ولن يحدث..هل بات الكذب أداة لتسويق الردة السياسية ايضا!