كتب حسن عصفور/ قد لا نجد حركة مثيلة لما يعرف بجماعة الاخوان من حيث طريقة تعاملها مع مواقفها ونهجها، مهما تغيرا وتقلبت من موقف لنقيضه، أو منهجا في اقامة “التحالفات” السياسية، ولعل الجماعة الاخوانية تعتقد أن كل ما تقوم به يحمل “جانبا مقدسا” لذا لا يجوز توجيه سهام “النقد” له، وإن حاولت أن تبدو أنها جماعة متواضعة وتريد أن تتقرب من الآخرين فإن اعلانها عن “الخطأ” يبدو وكأنه قصة للتسلية لا أكثر..
بداية هي من الحركات النادرة في التاريخ السياسي المعاصر التي لا تعرف منهجا واضحا في نسج واقامة “العلاقات مع الآخرين” فهي خير من يطبق المقولة الانتهازية جدا في الفكر السياسي، التي أطلقها محام غربي مع بدايات القرن العشرين، ” لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل مصالح دائمة”..نظرية تلخص “قمة الفكر الانتهازي” أرادها مفكري الرأسمالية لتبرير منهج الاستعمار الجديد، خاصة مع بداية الدخول الأميركي لمعركة اقتسام النفوذ العالمي، مع القوى الاستعمارية السائدة آنذاك، تلك “الفكرة الانتهازية” تجسدت خير ما يكون في منهج “الجماعة الاخوانية”، ومن يعود للوراء، وبالأصل مع بداية اطلاق الفكرة من قبل حسن البنا عام 1928 لن يجد “تحالفا ثابتا” معلنا – لا نبحث عن ما هو تحت الستار وما يقال عن علاقة اصيلة مع بريطانيا ثم امريكا –، وانتقلت من قوة لأخرى دون أن تقدم يوما تفسيرا واضحا لتلك المسيرة “الانقلابية” في التعامل مع الأطراف والقوى التي قد تكون نقيضا احدها للآخر..
ولأن المسار التاريخي مرهق لبعض “الأطراف” ولا يبحثون به، بل يتجاهلونه بقصد أو بسذاجة، فإن التاريخ الراهن لا يلغ تلك النظرة والسلوك الانتهازي للجماعة الاخوانية بل يؤكدها خير تأكيد وكشف كثيرا من عوراتها خلال فترة حكم قصيرة، ولو توقف المرء أمام سلوك الجماعة من الأحداث والقوى والأطراف في مصر، خلال السنوات الثلاثة الأخيرة سيجد أنها جسدت خير تجسيد جوهر “الفكرة الانتهازية التاريخية” للسلوك السياسي مواقفا ونهجا، وانتقلت تلك احالة لفروعها المختلفة بمختلف تسمياتها في البلاد العربية..ويمكن ملاحظة كيف لها ان تنسج “تحالفا مؤقتا” مع قوى علمانية في تونس ومصر ثم تجد من يصف ” العلمانيين” بأبشع الأوصاف والتعابير ..- القرضاوي وخطبه المصابة بزهايمر سياسي بعد اسقاط حكم الجماعة في مصر وقبلها قليلا نموذجا -..
ولنقف قليلا أمام بيان صدر أخيرا من الجماعة الاخوانية، عشية ذكرى ثورة 25 يناير في مصر، وكيف اعتذر الاخوان عن “اخطائهم” لتكون “شاهدا حيا” على الاستخفاف اللامعقول في التعامل مع العقل الانساني، فالجماعة الاخوانية وكمحاولة منها لاسترداد بعضا من حضورها تبحث عن ذلك للتسل ثانية تحت عباءة قوى شبابية وحركات سياسية مصرية “علمانية” و”اشتراكية” لها مواقف خاصة من ثورة 30 يونيو أو بعض نتائجها، فالجماعة أصدرت بيانا اعتقدت انها تعتذر به للشعب المصري، ولعل بعض اسطر ذلك البيان تكشف مدى “الاستعلاء الفكري – السياسي” لتلك الجماعة على غيرها، فالبيان المفترض أنها “اعتذاري” بدأ بأن “الجميع قد أخطا”، ثم يسير بيان الجماعة لتحديد بعض ما وقعت به هي من أخطاء فتحصرها في “حسن ظنها في المجلس العسكري والقضاء المصري”، الذي لم يقتص للشهداء..ولم تتذكر ولو بعبارة واحدة كيف تصرفت هي منذ دعوتها للقاء عمر سليمان حتى آخر خطاب لموظفها الرئاسي محمد مرسي، وهو يهدد كل من يعارضه أن ما فات فات و”كفاية سنة”..كلمات لا تزال حية..
لكن المهزلة الاعتذارية لا تقف عند اغفال كوارثها في التعامل مع الاخرين وما نسجته مع أطراف حسب مصلحتها هي ، والتي تنطلق دائما من الفكرة الأم للانتهازية الفكرية – السياسية وأن “الجماعة فوق الجميع” – طبعا بما فيه الوطن أي وطن -، فالبيان يتحدث عن تعميم للخطأ كمحاولة تبريرية لسلوكها الانتهازي، وتلمس لمسا خفيفا ما وقعت به، “.. وإذا كان الجميع قد أخطأوا فلا نبرئ أنفسنا من الخطأ الذي وقعنا فيه”..هكذا ترى أنه بيانا يشكل “اعتذارا للشعب والقوى الأخرى..
وتستمر مهزلة الاعتذار الاخواني بالحديث عن أنها “قد وعت الدرس، واقتنعت بحكمة أن الوطن للشعب كله بكل أفراده وفصائله وقواه”، لافتة إلى أن إدارته تكون “عبر مشاركة حقيقية من كل أطيافه، لا تستثني أحدا، ولا تقصي أحدا، ولا تحتكر الحقيقة، ولا تتحكم في توزيع صكوك الوطنية بالهوى”..ولو عاد الانسان لبعض بيانات الجماعة خلال احداث الـ18 يوما لثورة يناير لقرأ كلاما مماثلا أو افضل كثيرا مما جاء في بيانها بعد تجربة كشفت كل زور وبهتان موقفها من الغير..لم تحترم مرة واحدة بيانات وعهود قطتعها للآخرين خلال تلك الفترة السياسية العاصفة في مصر بين موجتي الثورة في يناير ويونيو..
الاعتذار ليس بيانا بعبارات تحمل كلمات “قد” و”ربما” و”كلنا” و”لا نبرئ”، لا تجد عبارة واضحة لتحديد الأخطء والاعتراف بها صراحة وتسجيلها واضحة دون لغة المنسوب للمجهول او الغموض المقصود من تعميم وكأن الخطا السياسي الذي يصل الى حدود الكارثة كان “سهوا” وليس منهجا مستمرا منذ لحظة “التأسيس”..فالجماعة الاخوانية لا تعتقد أنها تخطأ بمعنى الخطأ، لكنه قد يحدث سهوا عنها، لذا لا يمكنها كجماعة بمختلف مسمياتها المتعددة، أن تقف أمام مراجعة فكرية سياسية وتضع النقاط فوق الحروف لتحدد ما هي الأخطاء وكيف لها أن لا تعيدها ثانية..ويوم أن تبدأ الجماعة بادراك ذلك واعلان مراجعة شاملة لمنهجها السياسي، مواقفا وتحالفات، تلك نقطة البداية..لكنها ستكون “جماعة” غير “الجماعة” التي عرفنا!
ملاحظة: قبل أن تبدأ حكومة د.رامي الحمدالله بتوزيع نصيب المتضررين من الاعصار “اليكسا” ليتها تأخذ بالحسبان التعويضي أهل قطاع غزة..للتذكير لا اكثر!
تنويه خاص: لماذا تصمت الخارجية الفلسطينية على مواقف رئيس وزراء كندا المسيئة جدا للقضية الفلسطينية..لعل المانع خير يا دكتور رياض!