كتب حسن عصفور/ تسارعت حركة التقدم الاجتماعي – السياسي كثيرا في بلادنا العربية، مع تطورات دولية عاصفة، لا تسمح لغير المتفاعلين الاستمرار ضمن نطاقها، فكانت التغيرات بين خيار ذاتي وإكراهي، ومعها تسللت أشكال جديدة من مظاهر الحكم والعلاقة بين الحاكم والشعوب التي وجد نفسه، وارثا، منتخبا، بأشكال مختلفة يدير شؤون بلد.
ورغم الحديث التقليدي فكريا عن أثر العامل الاقتصادي على التطور الديمقراطي، فهناك فجوة لا تتناسب والمعادلة التقليدية في العلاقة بين طرفيها، بل أن التقدم الاجتماعي العام، لا ينعكس بذات القوة على البعد الثقافي – السياسي، فوارق كبيرة بينها في غالبية المنطقة العربية، ولذا تغيب الثقافة الديمقراطية بالمعني العام.
ودون اعتبار أن غياب العمل الحزبي، مظهرا لغياب البعد الديمقراطي – السياسي، فتقييد دور المجالس البرلمانية، المشكلة، المنتخبة، أو المعينة بقرار حاكم لتبدو المسألة تساوقا مع “متطلب عصري”، وكمظهر استكمالي للديكور العام، يكرس بعدا مضافا.
وسط ذلك المشهد، تسود ثقافة سياسية غريبة، تعكس “مظهرا” لعمق الفردية الحاكمة، بل واطلاقها، مع كل محاولات “التكيف الخارجي” مع المسار الديمقراطي، ثقافة أن الحياة العامة باتت رهنا لقرار الحاكم الفرد أو الأفراد، وليس جزءا من مكونات العمل المطلوب كدور ووظيفة لمن يتولى مهام إدارة الدولة، او النظام.
فالحديث عن بناء على “امر الرئيس” “توجهات الملك” “تعليمات القيادة”، ومشتقاتها اللغوية كافة، تم تنفيذ هذا وذاك من متطلبات الحياة، لتبدو أن حياة الناس والشعب رهنا برغبة الحاكم، أي كان صفته، ملكا أو أميرا، رئيسا ام شيخا، وليس حاكما خادما بل شعب خادم، وتحويل الحق العام الى “منحة خاصة”، لا يمكن الحصول عليها سوى بإرادة الحاكم.
رغم أن الخدمات العامة هي جزء تنفيذي لأي إدارة حكم، وعلى الجهات التنفيذية القيام بها، بحكم دورها، فالحكومات وجدت لذلك، وليس لتلبية رغبات الحاكم، والعمل فوقا لقراره، وكأنها لا تستطيع تنفيذ بناء مشفى عام، او فتح طريق أو علاج مواطنيها سوى بقرار أو تعليمات الفرد الحاكم، خلافا لكل ما هو معلوم من “قواعد الحكم الإنساني – الديمقراطي”.
ومقارنة ببلاد غير بلادنا المصابة بعقم الوعي الديمقراطي، لا يمكن ابدا ان تقرأ تلك التعابير المصادرة للحريات الأساسية وتجسيدها في “رغبات الحاكم”، فعندها ستنفجر ثورات لتطيح بمن يحاول ممارسة “الاستبعاد” بمظهر ديمقراطي، وتبدأ حركة نقاشية تحذيرا من “فاشية خاصة” تتسلل عبر مفاهيم وسلوك بمظاهر “معاصرة”.
قد لا تثير جوهر “العملية الاستعبادية الديمقراطية” السائدة عربيا، كثيرا من نقاش عام، ارتباطا بعمق التحكم السلطوي بمفاعيل حرية الراي والسيطرة المكثفة جدا على أدوات التفاعل المطلوب، بمختلف وسائلها، رغم ان “تعددية الانفتاح” الإعلامي والتطور الأسرع فيما يعرف بـ “ديمقراطية التواصل الاجتماعي”، لكنها تحولت موضوعيا الى مظهر استغلالي فرداني، لا تقيم بناء لقاعدة حقيقية في خدمة التغيير الجوهري.
من حق الحاكم، ممارسة الحكم بطريقته، ما دام حاكما، ولكن ليس من حقه ابدا، أي كان صفته تحويل “الحق الديمقراطي” الى “هبة ديمقراطية”، فتلك جريمة وربما “أم الجرائم” التي تمثل قاعدة رئيسية لحركة التقييد العام لقدرة الشعوب على بناء سوى لنظام وأفراد، وحماية لما يتم توازيا مع تقدم اقتصادي، متسارع.
كسر نظرية “الاستعباد الديمقراطي”، هي المقدمة الحقيقية لبناء نظام لشعب وليس نظام لفرد حاكم الشعب.
ملاحظة: في يوم واحد غادرنا الصديق علي جوهر الجمالي، أحد الشخصيات التي كانت نموذجا للعمل التطوعي، ربما سيرته تحتاج لأن تكون مثالا..وغادرنا الصديق مرعي عبد الرحمن، مناضل خاص، انحاز للثورة والوطن مبكرا ..رحيل قاس ولكنها الحياة…لكما سلاما!
تنويه خاص: مفارقة لطيفة، ان يقبل الرئيس الأمريكاني ان يكون محل نكات ساخرة، بحضوره كتقليد خاص..رغم كل كوارث أنظمة الاستعمار لكن بعض مظاهرها تستوقفك للتفكير..معقول مرة نعيش تلك الحالة..الحلم مش غلط!