كتب حسن عصفور/ بين فينة وأخرى، تخرج علينا أصوات أولي الأمر في جناحي “بقايا الوطن” لتتحدث عن “الفلتان الأمني”، وبأن أجهزتها لن “تسمح بذلك” كونه “يخدم دولة الاحتلال ومخططاتها”، ومن المفارقات التي لا تتوقف أن جناحي “ديمومة الانقسام” يلجأن لذلك مع كل “أزمة” تلحق بهما نتيجة لسياسات لا تستقيم وأهداف االشعب الفلسطيني، وتدخلان في صدام مباشر مع “المزاج الشعبي العام” الرافض لسياستهما البعيدة عن “التوافق الوطني”، ولا تختلف التعابير كثيرا لتصف من يقف وراء تلك الحالة من “الفلتان الأمني”، ونادرا ما تم معرفة الحقيقة في هوية تلك الجهات، رغم امتلاك جناحي “ديمومة الانقسام” من أجهزة تصرف من “المال الحلال والحرام” بلا حساب..!
ففي قطاع غزة، ترفع حركة “حماس” راية التهديد بالتصدي لكل “حالة فلتان أمني” كلما اصابها حدس بأن هناك ما يتم ترتيبه من فعل وتحرك ضد ما قادت اليه سياساتها الكئيبة، بعد خطفها القطاع، من تعزيز للمصائب السياسية – الوطنية، والاجتماعية – الانسانية، لذا فهي تلجأ لذلك السلاح السري للقمع والارهاب والمطاردة لمن يهدد “سلطتها القهرية”، وتبدأ رحلة “المطاردة الساخنة” لمن يحتمل أن يكون “مشبوها”، وللحق فهي تعيد انتاج سياسة المطاردة لدولة الاحتلال مع تطوير قمعي “إبداعي” بخطف بعض “المطاردين” دون أن يعرف أي كان مكانهم، فيما تقوم بتصفية من لا يروق لها تحت مسميات مختلفة، وآخر تلك التصفيات ما تعرض له المواطن اياد المدهون من شمال غزة، حيث الاتهام المباشر من ذوي الفقيد الى حماس وفتحي حماد مسؤول امنها الداخلي شخصيا، ورغم وعده بمعرفة الحقيقة وكشف من قام بقتل المدهون الا أن الجريمة ذهبت في طريق “المجهول”..
وفي الضفة الغربية، وعبر سنوات عدة نسمع ذات النغمة بأن السلطة وأجهزتها الأمنية لن تسمح باستمرار “الفتان الأمني”، وشنت حملات متتالية ضد مناطق ومحافظات، وقامت أجهزتها الأمنية بعمليات “مطاردة ساخنة” لكل من ترى بهم “مشبوهين بشبه الفلتان”، مع المفارقة الغريبة أن تقوم بعض أوساط السلطة بتوزيع الاتهامات وفقا للحالة المزاجية في تلك اللحظة، وخلافاتها مع أطراف معينة، فمثلا يمكن اعتبار مسبب “الفتان الأمني” أطراف من داخل فتح، ثم تنتقل الاتهامات الى جهة أخرى، فتجدها تطال حركة حماس وأنها تقوم بذلك لتكريس الانقسام والنيل من موقف السلطة “الوطني جدا”..
ونادرا ما تخرج أصواتا تتهم دولة الكيان بأنها تقف وراء ذلك “الفلتان الأمني”، ومن ذلك “النادر” ما جاء على لسان نمر حماد المستشار السياسي للرئيس محمود عباس، حيث قال مؤخرا ” إننا لن نسمح بالفلتان الأمني الذي يخدم الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته”، مضيفا ” أن الحكومة الإسرائيلية أمام المأزق والعزلة الدولية بسبب سياساتها تحاول أن تستفيد من أي عامل توتير أو فوضى في المجتمع الفلسطيني، من خلال بعض المجموعات وبعض الأفراد الذين يقومون بأعمال مشبوهة كما حصل في الاعتداء وإطلاق النار على وزير الأوقاف والشؤون الدينية محمود الهباش”..وجاء الموقف النادر من مستشارعباس لاتهام دولة الكيان في ظل “مأزق قيادة فتح التفاوضي” الذي بات معلوما للقاصي والداني!
ومع أن القوات الأمنية في جناحي “بقايا الوطن” تمارس حملات لا تتوقف ضد كل من تعتقد أنه قد يكون “مصدر قلق سياسي أو أمني”، الا أن تلك السياسة لم تصل الى نتيجتها المرضية للأجهزة الأمنية، وبعيدا عن الاتهامات لمن يقف خلف ذلك “الفلتان الأمني”، وليس مستبعدا أيضا أن تكون هناك “مراكز قوى داخل الأجهزة ذاتها” تقوم بتلك المظاهر للحفاظ على سطوتها وسلطتها الأمنية المطلقة، ولتحصد مزيدا من “الأموال” تحت “ذريعة مكافحة الفلتان”، ولكن ذلك ليس هو المشكلة، بل لماذا لا نجد نتائج جدية ملموسة لوقف تلك المظاهر رغم كل حملات الأمن لمطاردتها بلا هوادة..
لماذا لم تكشف أجهزة أمن حماس عن قتلة المدهون، لو أنها حقا تريد مواجهة “الفلتان الأمني” وليس استخدامه لتصفية حسابات سياسية، ولما لم تستطع كل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية معرفة من قام باطلاق الرصاص على سيارة النائب ماجد ابو شمالة ثم على سيارة القيادي الفتحاوي د.سفيان ابو زايدة، رغم الأمر الرئاسي بتشكيل لجنة تحقيق خاصة برئاسة وزير الداخلية د.سعيد ابو علي، والمثير للريبة أن يتحدث مستشار عباس عن حادثة اطلاق النار على وزير الأوقاف باعتبارها خطرا لا يمكن الصمت عليه، بينما تجاهل كليا حادث اطلاق النار على آخرين، هل هناك “فلتان أمني حلال” وآخر “حرام”، ولأن المسألة لا تزال حديثة، فماذا يمكن تصنيف حادثة الضرب بين النائب جمال ابو الرب والقيادي الفتحاوي الرجوب بعد أن سبقها اعتداء مرافقي الأخير على النائب في وقت سابق، اليس جزءا من مظاهر الفلتان الأمني، أم أن الاعتداء على نائب من مرافق لقيادي فتحاوي مسموح في حين قيام النائب بأخذ “حقه بيده” بعد غياب القانون ممنوع..
التعامل مع مظاهر الفلتان الأمني في ظل غياب الشفافية الأمنية – السياسية، وتجريم كل اشكالها وليس التعامل بانتقائية معها هو طريق وضع حد جاد لأي “فلتان أمني” لو كان حقا “فلتان أمني” وليس تصفية حسابات باسم مستعار اسمه “الفلتان الأمني” أو “ذريعة” لتعزيز شهوة التسلط ومصادرة محاربة “الفساد السياسي”..
ملاحظة: الشكر واجب للقيادي الحمساوي موسى ابو مرزوق بأن اعترف بخطأ منع دخول الرئيس السابق روحي فتوح..دائما رؤية الخطأ كما هو بداية للصواب ولا غيره!
تنويه خاص: ما هي حال فتح في قطاع غزة..كل يقول ما يحلو له القول وفقا لحساباته..بعضهم يقول ان هناك “حراك تنظيمي طبيعي” وآخر ينفي وينكر ويتهم الاعلام بخلق الأزمة..هل من وضوح أكثر!