كتب حسن عصفور/ عاد مجددا الى “المشهد السياسي” قرار حكومة “فتح” برئاسة رامي الحمدالله باحالة موظفي قطاع غزة الى “التقاعد المبكر”، بأسماء مستعارة أسميت الغاء “العلاوات”، قرار مضى على صدروه أسابيع وانتفض القطاع الوظيفي الرسمي في القطاع لفترة وجيزة، ثم انفض الاعتصام على أمل وعد بأن هناك “خيرا قادما”، مع قدوم وفد فتحاوي سيبحث فيما يبحث تلك المسألة التي أشاعت جوا من الهلع ليس ماليا ولا وظيفيا فحسب، بل سياسيا مع ما تم تسريبه من توجه أمريكي رسمي أعلنه الرئيس اوباما ببحث مصير الضفة الغربية دون قطاع غزة..
واعتقد الجميع أن “قيادة فتح” والرئيس محمود عباس سيقف أمام قرار حكومته فورا ويعيد الأمور الى نصابها حتى لو كان بها شيئا من “المقامرة المالية”، كي لا يقع في المحظور السياسي الأخطر من أزمة وضيق ذات اليد المالي، فما بدأت وسائل اعلام امريكية واسرائيلية بالإشارة اليه، لم يقتصر على تصريح اوباما عن “دولة في بعض الضفة” بل أن الادارة الأميركية تعتقد أن احالة موظفي قطاع غزة الى التقاعد المبكر وخنقهم ماليا سيكون بوابة للإنتفاض ضد حركة حماس وإحداث قلق اجتماعي لها..هكذا يحاولن تمريرها الى بعض من التقاهم كيري مؤخرا في بلاد الفرنجة..
قد يعتقد بعضهم أن واشنطن وتل أبيب تبحث عن جادة في “انهاء” حماس وسلطتها الخاصة في غزة عبر بوابة تشجيع التفاعل الاجتماعي ضدها، لكن الحقيقة تشير الى أن محاولات زج بعض اطراف الفريق التفاوضي في تلك اللعبة ليس سوى مناورة لتعزيز روح الانقسام الوطني، وخلق “اجواء من الفوضى” في القطاع كي تستفيد واشنطن وتل أبيب منه لتمرير أخطر مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية، والذي لم يعد منه ما يمكن اعتباره سريا، سوى ما يحاول بعض “عشاق التفاوض” خداع الشعب الفلسطيني به، فواشنطن تعلم يقينا أن “الانقسام” كان الهدية الأهم التي قدمتها بمساعدة بعض متسلقي المشهد في بلدة عربية، لدولة الكيان الاحتلالي، على طريق تحقيق “حلمهم” بالخلاص من أثر الثورة ومنظمة التحرير في الارتقاء بالمشروع الوطني الفلسطيني..
لكنها تدرك ايضا، ان الضرورة السياسية تتطلب “تغذية الانقسام” من حين لآخر كي تضمن استمراره، بطرق شتى، فكان آخرها تشجيع حكومة فتح – عباس على وقف العلاوات عن موظفي القطاع تحت ذريعة مخجلة ومهينة اسمها عدم قيامهم بالعمل وتلقيهم رواتب بلا مقابل..وخلال “زيارة” وفد مركزية فتح الى قطاع غزة اصطدم، فيما اصطدم بتلك القضية، فما كان من أحدهم سوى التصريح بأن الحكومة اصدرت قرارا باعادة العمل بالعلاوات التي تم ايقافها، ما يفهم منه التخلي عن فرض “التقاعد المبكر” أو المضي قدما في سياسة “التقاسم الجغرافي الوظيفي” التي تريدها امريكا حلا سياسيا للقضية الوطنية الفلسطينية..
لكن المفاجأة الكبرى أنه لا يوجد أي قرار حكومي أو رئاسي يلغي قرار الاحالة السابق ذكره، وما أعلنه القيادي الفتحاوي جاء للهروب من مواجهة غير مضمونة العواقب فقال ما قال وغادر، وليقل عنه ما يقال ليس ذلك هو المهم له، حيث بحث عن “انسحاب آمن” من معضلة قد تكون لها أوجه غير “آمنة سياسيا”.. ولأن صمت القوى والفصائل لم يعد يشكل “مفاجأة” على مواجهة تلك القضية الخطيرة جدا سياسيا قبل ان تكون مسألة مالية، لا بد من اعادة تفاعل واستمرار حالة الانتفاض الوظيفي ضد القرار كي لا يتم تمرير الموقف الأميركي عبر بوابة وظيفية..
التصدي لافشال قرار حكومة فتح – الوظيفي – هو تصدي لافشال مشروع “أوباما – كيري – نتنياهو” الذي بات “ناضجا” للعرض، ولم يبق له سوى ايام محدودة وتحدث القنبلة التدميرية، ولذا لا يجب البقاء منتظرين حتى انفجار الكارثة – المصيبة في وجه الشعب الفلسطيني، بل يجب الانتفاض العام – الشمولي لقطع الطريق على من يعتقد ان “القدرة الكفاحية – الشعبية” تشرنقت، وكل ما يبرز منها ليس سوى “ردات مؤقتة آنية” سرعان ما تنتهي، كما حدث في القرى المتحدية للهدم والاستيطان، تتفاعل ايام ثم تنتهي بقوات اقتحام احتلالية ويتكفي المقاومون ببيان عن تحقيق “نصر تاريخي” في البقاء عدة ايام داخل خيم المقاومة..
امريكا ودولة الكيان تسرعان الخطى لاستثمار الحالة السياسية لتمرير خطة كيري التصفوية، ودون فعل حقيقي يكون له أثر ملموس ستتمكن تلك القوى من تمرير مخططها الاستعماري لاذابة القضية الوطنية في متاهات مستعارة بأسماء مختلفة ومتنوعة!
ملاحظة: يبدو أن حركة “فتح” ستواجه بعض من صعاب مع مصر نتيجة كلام لأحد قياداتها اعتبر أنه معاد لثورتها ورمزها الجديد..هل تضحي قيادة فتح بمصر من أجل “لسان ذاك القيادي” ام تدرك أن “اللعب احيانا مع الكبار” مكلف جدا ووتدارك ما يجب تداركه!
تنويه خاص: قيادة حماس كانت أكثر صراحة ووضوح من قيادة فتح باعتبار أن المصالحة ليست مقبلة..رغم البشرى الأولى لأحدهم، تراجعوا بعد نهاية “زيارة وفد فتح” عنها..وقالوا ما قالوا..المصالحة في واد والأحداث في واد!