كتب حسن عصفور/ وكأن أزمات أهل قطاع غزة باتت مجالا للتسلية السياسية بين “فصيلي الكارثة الوطنية”، أو مجالا للتعبير عن “الكبت السياسي” لبعض فصائل كان يعتقد أن قدرتها الجماهيرية ستعيد رسم تحديد مسار البحث عن أدوات غير التعبير عن حالة سخط وتذمر، كمواطن لا يملك من أمره سوى الدعاء على من تسبب بما وصل اليه، ومنظمات انسانية تجد فرصتها في التعايش مع الكارثة السياسية – الانسانية لأهل القطاع، بكتابة التقارير عنها كطريق لزيادة رصيدها البنكي..
لا يوجد من يجهل الكارثة الانسانية – السياسية التي تضرب القطاع من اركانه كافه، ولا نظن أن أهل القطاع ينتظرون من أي كان من يصف لهم ما يعرفونه عن ظهر قلب ويدفعون ثمنه من جلودهم وحياتهم ومستقبلهم، ولذا آخر ما يمكنهم الرغبة في سماعه تلك الأصوات التي تتحدث عما يعيشون أزمة ومعاناة بكل اشكالها الانسانية، قبل السياسية، بل لعلهم وصلوا الى قناعة أن أزمة القطاع السياسية باتت خلف ظهورهم الى حين ظهور معجزة سياسية إقليمية، وليس وطنية تفتح باب “الأمل الوطني” في الخلاص من مصيبة ظلام الانقسام..باتت مصيبتهم المباشرة في مناحي الحياة الانسانية، اليومية والمستقبلية..
فحماس صاحبة السيطرة على الواقع القائم وضعت قطاع غزة تحت وصايتها السياسية، ما أحاله الى “رهينة”، نتيجة لحسابات حماس الاخوانية الضيقة، التي تصرفت بسلوك لا صلة له بالانتماء للقضية الوطنية من الثورة المصرية، واعتقدت واهمة أن سلوكها وموقفها السياسي – الاعلامي والفكري من ثورة مصر التي أسقطت حكم المرشد والاخوان ليس سوى “لحظة حرجة” و”ساعة وتمر” لتعود الأحوال أحسن مما كان، وعاشت تلك الأوهام التي روجتها “الجماعة الإخوانية” بهوس عجيب أن “مرسي عائد الى القصر بعد العصر”، ققول تكرر بلا أي ادراك للحقيقة أن مصر أنهت والى دهر بلا زمن معلوم أي إمكانية لعودة الحقبة الإخوانية للحكم ليس في مصر وحدها، بل في المنطقة بأكملها، ذلك ما غاب عن قيادة حماس فأوقعت القطاع في “كمينها الإخواني”..
ولذا، وبدلا من “الولولة السياسية” اليومية للحديث عن معاناة أهل القطاع، عليها أن تتصرف بمسؤولية وطنية لو أرادت أن لا تدخل تاريخ “اللعنة الفلسطينية”، تبدأ وفورا بالاعتذار الى شعب مصر عن اي اساءة حدثت من قبلها الى ثورته، وأن “الخطأ – الخطيئة” يمكن معالجتها بروح من الانتماء القومي، وتضعها في شكل من أشكال “التوبة الوطنية”، تترافق مع اعلان رسمي من قيادة حركة حماس انهاء شكلها “الحكومي الخاص” في قطاع غزة، وتعلن في بيان بلسان مسؤولها الأول اسماعيل هنية بأن ما كان يسمى “حكومة ومجلس وزراء” لن يعد له مكان بعد اليوم، وأن الهياكل الحكومية في قطاع غزة هي جزء من هياكل السلطة الوطنية وحكومة د.رامي الحمدالله، وأن يعلن هنية أن قطاع غزة بانتظار رئيس الوزراء وحكومته للقدوم الى غزة لممارسة دورهم ومسؤوليتهم منها..بداية لا مفر منها وعنها كي تنتهي حماس من حالة “اللطم” على المعاناة الى وضع أسس لحل المعاناة..
ولأن حكومة الرئيس عباس التي يمثلها د.رامي الحمدالله ترى أنها حكومة لطرفي “بقايا الوطن” في الضفة والقطاع، فحتما لا تقتصر مسؤوليتها على لعبة استغلال موقف حماس للهروب من مسؤولياتها المباشرة عن القطاع، تبدأ بالكف عن الكذب بترداد نغمة نسبة ما تصرفه على القطاع، وهي ارقام لا تتطابق مطلقا مع الحقيقة، فلا عاقل يصدقها سوى من يبحث تبريرا للهروب من تحمل مسؤولية البحث عن حل للمأساة الانسانية قبل السياسية في قطاع غزة، وقائمة القضايا عديدة، ومعالجتها تبدأ فورا بالمساهمة في علاج مشكلة الكهرباء بذات السرعة التي عالجت بها مشكلة “وقود الضفة”، وتفي بما وعدت لادخال الوقود بدون ضريبة البلو، كما أعلن في لحظة “شجاعة” د.رام الحمدالله، قبل أن ينصحه باحثون عن ابقاء قطاع غزة تحت الكارثة، ويجدون له ذريعة معيبة اسموها بمسمى أن من الصعوبة اللعب بضريبة البلو.. والحقيقة هي أنهم يعتقدون أن تعميق أزمات القطاع الانسانية يعني تعميق أزمات حماس السياسية..وكأنهم الوجه الآخر لحماس..كل منهم يبحث اختطاف قطاع غزة لاستخدامه كرهان ضد الآخر..
يتناسى القائمون على مصير أهل “بقايا الوطن” من طرفي المصيبة أن “خطف قطاع غزة” لتصفية حساباتهم الخاصة لعبة باتت أكثر من مكشوفة، وأن “التمرد” على لعبة “الخطف المتبادل” ليس ببعيد، ودون تلك الحالة الكلامية التي ملأت الدنيا كلاما تمرديا، بلا فعل مناسب كون المسألة ليس ضمن حسابات “التمرد العام” ضد “خاطفي القطاع والمسألة الوطنية”..
لم تعد حالة قطاع غزة بحاجة الى تلك العبثية الدائرة في استخدامه، وليت فصائل العمل الوطني تدرك أن مسؤوليتها لا تقف عند حدود الغضب الانفعالي اللحظي لما يمر به الحال العام فيما تبقى من وطن..!
ملاحظة: قد لا يكون ملائما لرئيس دولة فلسطين أن يتحدث لاعلاميي مصر أنه نقل تحيات “كيري” للفريق “السيسي”..بدت وكأنه يبحث عن دور تلطيفي في مسألة تفوق كثيرا ذلك النوع من “التباسط الشخصي”!
تنويه خاص: أن يمر يوم 11 نوفمبر مرورا عاديا فيي قطاع غزة فذلك ليس نصرا لحماس..فكل عاقل كان يعرف أن الغضب على حماس ليس مقترنا بيوم خاص..فرحة قادة حماس بهدوء اليوم هو الوجه الآخر للخوف الذي كان يسكن بهم!