كتب حسن عصفور/ في اللقاء الأخير للرئيس محمود عباس مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، رجل مصر القوي والقادم بإرادة شعبها، سأل الرئيس عن حقيقة تورط بعض من المنتمين لتنظيمات فلسطينية في الأعمال الارهابية ضد مصر وجيشها وقواتها الأمنية، فكان الجواب ايجابا مع توضيح بأن عدم الاعلان عن كل التفاصيل يأتي في سياق محاصرة رد الفعل الشعبي على الفلسطيني دون تمييز، اجابه تعكس حرصا فريدا من رجل يأمل غالبية أهل فلسطين أن يكون رئيس مصر المقبل، حلم يروادهم كما غالبية الشعب المصري..
ولكن للحرص المصري حدودا ايضا، فكان لا بد من اعلان بعض مما لديهم من معلومات تقوم بها بعض أطراف مصرية تكفيرية وارهابية ومشاركة من بعض فئات فلسطينية ، ولذا أعلن وزير الداخلية المصرية، من بين ما أعلن، أنه تم القبض على فلسطينيين متورطين، وذكر بعض الأسماء التي تورطت في القيام بأعمال ارهابية، ولكن الحديث عن بعض الأسماء كان يمكن احتوائه في سياق علاقة طبيعية، الا أن الأخطر هو اعتباره بأن قطاع غزة بات “وكرا للتنظيمات المتطرفة” العاملة ضد مصر وأمنها..تصريح هو الأول بهذا التحديد يصدر عن وزير مصري يتحمل ملف الأمن الداخلي، ولم يكن ليعلن ذلك دون موافقة كل الجهات المصرية الرسمية والأمنية، بما فيها قائد الجيش الفريق السيسي والمخابرات العامة، التي تعلن حماس أنها على تواصل معها..
الاعلان المصري الجديد يعني بكل ببساطة اعتبار قطاع غزة بمن يسيطر عليه، منطقة خطر حقيقي على الأمن القومي المصري، إن لم تصل لاعتبارها “منطقة معادية” لمصر ، ثورة وشعب، وهو ما يمكن وصفه بالأخطر في سياق تاريخ العلاقة الفلسطينية المصرية، ورسالة يمكن اعتبارها أكثر من “جرس إنذار”، ولذا وبعد اعلان وزير الداخلية المصري، لم يعد بإمكان حركة “حماس” وقيادتها وخاصة داخل قطاع غزة الحديث بأن ما يقال عنها ليس سوى ترتيبات ودسائس من مخابرات عباس وسلطته، بالتنسيق مع اعلاميين مصريين، وتكتفي بالرد عليها ونفيها وشن حملة اعلامية مضادة عبر ما تملك هي وجماعتها من وسائل ومنابر اعلامية لا ترى سوى ما تريد أن تقول..
المسألة الآن دخلت في سياق نوعي جديد، ولا يمكن التعامل معها بذات التعامل السابق، بل يفترض على قيادة “حماس” أن تعيد قراءة رسائل مصر السياسية – الأمنية بطريقة مختلفة وجديدة، وأن لا تكتفي بتلك العبارات الساذجة التي قالها رئيسها في غزة، بأنها ليست سوى “عتاب متبادل”، وعلها الرسالة الأكثر استهبالا من رسائل حماس المتتالية منذ سقوط “حكم المرشد الإخواني” فوق أرض المحروسة، والضرورة السياسية والوطنية تدفع حماس، لو رغبت في البقاء كجزء من النسيج الوطني – الاجتماعي الفلسطيني، وتنظيم مشارك في القيادة الفلسطينية في مستقبل الأيام، أن تعيد النظر كليا في نهجها وسلوكها تجاه مصر، وأن تقوم بعملية مراجعة شاملة لكل موقفها وما تقوم به بعض التنظيمات التي أسمتها مصر، ارهابية – تكفيرية..والتي لم يعد النفي أو التجاهل كافيا للهروب من الرد على المطالب المصرية المشروعة لحماية أمنها، ولاحقا لحماية مستقبل العلاقة مع فلسطين وبوابته الجنوبية، الذي بات في نظر “الأمن القومي المصري” خطرا مباشرا وربما معاديا أيضا..
قبل سنوات أقدمت قوات حماس الأمنية على اقتحام مسجد بمدينة رفح، لم تهتز لقدسية المكان ولا مشاعر المصلين، من أجل القضاء على مجموعة سلفية وقائدها عبد اللطيف موسى، قتلته ومن معه داخل المسجد، لأنها وجدت في تلك المجموعة ما يهدد “سيطرتها وأمنها” داخل قطاع غزة، عمل وصفته قوى مختلفة بأنه جريمة كاملة الأركان، ومع ذلك لم تهتز قيادة حماس ولم تتوقف أمام غضب نتج أثر الشكل والطريقة لتلك الجريمة، ولكن مصلحتها وسلطتها وأمنها اباح لها ما ليس مباحا..إلا أن حماس سمحت لقوى جديدة تنتمي لذات الجذر الفكري لمن قتلتهم سابقا، الاعلان عن استعدادها لخوض “حرب مقدسة” ضد الجيش المصري بعد ثورة 30 يونيو..سماح كونه يخدم خطة التنظيم الدولي للجماعة الاخوانية – الارهابية..
لم تفعل قوات وشرطة حماس شيئا لتلك المجموعات بل أنها حرصت على تعميم مؤتمرها الصحفي، وجاء تبرير بعض قياداتها لاحقا عن سماحها وصمتها لهذا العمل بطريقة لا يمكن وصفها سوى باستمرار لعبة “الاستبهال السياسي” المعتادة.. ولم ينس ذلك البعض من تكرار القول، أنها تنظيمات ضد حماس أيضا..لم يعد بالامكان الاستمرار بهذه اللعبة، فحماس وحدها دون غيرها من سيقرر الجواب على ما جاء في مؤتمر وزير الداخلية المصرية، هل ستبقى حامية وراعية لتنظيمات تكفيرية تعمل ضد مصر من قطاع غزة، أم أنها ستعيد النظر في تلك اللعبة الساذجة وتفتح صفحة جديدة من الاستعداد الكلي للتعاون لوضح حد لما يشكل خطرا على أمن مصر القومي.. المسألة باتت بيد حركة “حماس”، وعلى قياداتها ألا تبقى أسيرة للوهم الأردوغاني أو الاخواني وتلك البلدة المصابة بحالة ارتجاف سياسي بعد غضب الخليج عليها، انتهت الحكاية ولا مجال لعودة “المعزول” وسيبقى في السجن الى حين المحاكمة والتي يبدو من دلائل الاعتقال أنه سجن طويل الأمد..
حماس دون غيرها من سيحكم على مستقبلها في قطاع غزة أولا وفي فلسطين ثانيا، على ضوء موقفها من مصر الثورة، قبل أن تبدأ رحلة “كذب المقاومة عن الأقصى”!
ملاحظة: الاتفاق النووي الايراني والدول الكبرى قد يكون يوما اكثر سوادا لنتنياهو وحكومته الفاشية..ما نأمله بعد ذلك أن تنتبه ايران أن جوارها العربي يستحق منها ايضا “صفقة مودة”..ولذلك كلام سياسي آخر!
تنوييه خاص: المظاهرات التي بدأت في قطاع غزة ضد عجز حماس عن حل لمشكلة الكهرباء قد تكون بداية لتصويب “الكارثة الأكبر” وحلها!