كتب حسن عصفور/ تمر سنوات على الفلسطيني منذ اغتصاب وطنه التاريخي، في واحدة من أوسع مؤامرات القرن الماضي، ليس باحتلال أرض مستعمر خارجي، بل تشريد شعب ومحاولة تغيير هوية مكان وتزوير تاريخ لصناعة “هوية وكيانية” فوق أصل المكان.
بعد 75 عاما، كان الاعتقاد أن الفلسطيني خرج من التاريخ ليدخل تيه جديد، يبحث هويته بعدما تقاسموا أرضه ووطنه، ومنحوه بطاقة “مشرد” باسم منقب “لاجئ”، كانت الدول الاستعمارية صانعة مشروع التدمير الكياني الفلسطيني، وزراعة بديل عنصري وراء خلق تلك الهيئة التي باتت تعرف بـ “أونروا” لإغاثة المشردين وحمايتهم من جوع، علهم لا يتذكرون.
مسار المشروع الاستعماري الاحلالي منذ النكبة، حقق بعضا من أهدافه لسنوات انتقالية، بين عامي 1948 وحتى عام 1967، والذي عرف بعام النكسة عربيا بهزيمة مفاجئة، فتحت الباب عريضا لأن تمتد رصاصة الفاتح من يناير 1965، معلنة ثورة فلسطينية معاصرة تمنح منظمة التحرير التي شكلتها قمة عربية عام 1964، لغايات مختلفة عمقا كفاحيا، كبداية طريق لاستعادة الحضور الثوري الفلسطيني مع رفع قيمة الهوية الوطنية.
كسرت الثورة الفلسطينية المعاصرة عبر منظمة التحرير هوية الكيان المعاصر، أحد أبرز مظاهر مؤامرة القرن العشرين على شعب فلسطين، لتبدأ معها ليس رحلة كفاح فحسب، بل رحلة إعادة بناء ما يمكن البناء عليه من “بقايا الوطن”، بثمن آلاف من شهداء ومئات آلاف جرحى وعشرات آلاف من أسرى، تقدمهم قادة الثورة المعاصرة وزعيمها، ليكون شعب فلسطين مفتخرا، ان قادته كانوا قادة استشهاد ما لم يكن لغيره من شعوب الكوكب الأرض.
وتحت ضربات الفعل الثوري الكفاحي ومسار كان ثمنه ما فاق أرقام ثورات عدة، انتفاضة وطنية كبرى امتدت لسنوات ستة، وفي لحظة “سهو سياسي” من أطراف مؤامرة “تذويب الهوية الكيانية”، تمكنت الثورة والمنظمة بقيادة الخالد المؤسس ياسر عرفات في وضع اللبنة الأولى لبناء “الكيانية الفلسطينية المعاصرة”، سلطة وطنية في الضفة وقطاع غزة، فتحت الباب لقطع الطريق على استكمال “مؤامرة التذويب العام” التي أطلقوا شرارتها في 15 مايو 1948، فكانت رصاصة البناء الأول في 4 مايو 1994، ذات شهر التآمر.
كيانية فلسطينية معاصرة بعد ثمن كان يستحق دولة حرة مستقلة، لكن قوى العدو والردة حاصروا ما كان يجب استكمال مسار الفعل الكياني، وخلال سنوات تمكنوا من القيام بـ “ثورة مضادة”، شرارتها اغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات 11 نوفمبر 2004، لتبدأ رحلة الردة عبر مسار مخادع، باسم انتخابات فعلوا كل شيء قبل أن تحدث، تدميرا للقوة القائدة للثورة والكيانية، منظمة وسلطة، لفتح الباب أمام “بديل مواز” لقطع الطريق على استكمال انطلاقة مايو 1994، بأمل العودة لمايو 1948، بنقاب اسود مخادع.
وفي يونيو 2007، نجحت “أطراف الردة” بالقيام بأول عملية اختراق لكسر الانطلاقة الفلسطينية الكيانية الموحدة، التي ولدت في لحظة “السهو السياسي”، وصناعة فعل انقسامي يتجه نحو نتوء انفصالي في قطاع غزة، يعيد بعض ملامح ما كان فصلا قهريا ما قبل عام 1967، ليكون
يونيو 2007، تاريخ نكبة صغرى قدم خدمة لمؤامرة النكبة الكبرى أهدافا ورؤية.
وكي يدرك البعض جوهر النكبة الصغرى، وقيمتها الكبرى للمشروع التهويدي، عليهم أن يروا كيف لدولة الكيان الاغتصابي الاحلالي، ترعى ذلك النتوء الانفصالي بكل أدوات التروية السياسية والاقتصادية، بل والعمل على صناعة إعلامية لـ “قوة خاصة” تبدو وكأنه “دولة خارقة”، بهدف أن تستمر في جوهرها السياسي.
ما حدث يونيو 2007، كانت عملية “سرطنة” المشروع الوطني الفلسطيني خدمة كاملة الأركان للمشروع التهويدي الزاحف في الضفة والقدس، على طريق بناء “ذاتية فلسطينية خاصة” تحت رعاية مركبة، تكون دولة الاحتلال الاغتصابية اليد العليا لمن سيكون قائما بأعمال تسيير المشهد الارتباطي.
وكي يصبح التذكير بيوم “النكبة الكبرى” حافزا للفعل الثوري، وليس يوما للذكريات الباكية حزنا، وجب العمل على هزيمة “النكبة الصغرى” واستئصال الورم السرطاني الذي نهش جسدها، طريقا لا بديل له طريقا لو أريد تحررا واستقلالا لأرض وشعب.
في ذكرى النكبة الكبرى، يزول الحدث يوما..وتبقى فلسطين وشعبها حاضرا أبدا..مهما حاولتم تغيير الاسم أم قسمتموه..فالمسميات الطارئة لا يمكنها أن تمحو حقائق أزليتها دائمة.
ملاحظة: هل تحدث “المفاجأة الكبرى” في ذكرى “النكبة الكبرى” في خطاب الرئيس محمود عباس أمام الأمم المتحد ويعلنها: “باسم الله باسم الشعب أعلن قيام دولة فلسطين فوق أرض فلسطين..وليذهب المحتل الى جحيم”..قلها وعش حيا في ذاكرة الوطن أبدا!
تنويه خاص: بعيدا عمن يفوز في انتخابات الرئاسة التركية، وكمان بعيدا عن مرارة الموقف الوطني الفلسطيني ممن دعم “النكبة الصغرى” واحتضن مشروعها المسرطن..فما حدث من نسبة تصويت تاريخية تمثل درسا وحافزا لكل الناس..صوتكم بيفرق في التغيير دوما!