كتب حسن عصفور/ قليل لم يكشف عنه من مضمون المقترح الأميركي لاتفاقية اطار “الحل النهائي الانتقالي” بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، تنطلق المقترحات استبدال القوات الاسرائيلية في منطقة الاغوار بقوات أمريكية، مع منح دولة الكيان ميزات أمنية في المنطقة، سواء من خلال “قواعد أمنية عسكرية” محددة، او في المراقبة الخاصة على المعابر الدولية – عمليا لا يوجد سوى معبر واحد، بين الاردن وفلسطين، الا إذا تم انشاء مطار جوي خاص في منطقة أريحا -..
الى جانب أن المقترح الأميركي يحاول أن يتستجيب لجوهر الفكرة الاسرائيلية في ما يعرف بتبادل الاراضي بحيث تسمح لدولة الكيان بضم ما يفوق نسبته الـ10 % من أرض الضفة، مستثنى منها الاغوار ومستوطنات القدس، وهو ما يعني عمليا تقليص مساحة الكيان الفلسطيني الى حدود الـ60% من الضفة الغربية، مع اضافة الاغوار نظريا لجغرافيا الكيان المرتقب ، ولكن دون “سيادة فعلية” الى سنوات عدة لانها ستبقى تحت المسؤولية الأمنية الأميركية – الاسرائيلية المشتركة -، ستكون المساحة مقاربة الى 85% من مساحة الضفة..
والمسالة في هذه الرؤية أنها تقلص عمليا حقيقة الحالة الكيانية وتحويل الاتفاق النهائي الى “اتفاق انتقالي” في اطار حل، ورغم خطورة الرؤية الأميركية لقضيتي الحدود والأمن والتي تتعارض مع موقف الأمم المتحدة الخاص بدولة فلسطين وحدودها المعترف بها رسميا في نوفمبر عام 2012، الا أن خطورة الخطة الأميركية لا تقف هنا بل تمتد الى تلك المحاولات الرامية لتغيير جوهر المبادرة العربية للسلام، خاصة في بندين هامين منها، الأول ما يتعلق بالقدس الشرقية باعتبارها أرض محتلة وعاصمة لدولة فلسطين، بحدودها المتعارف عليها وضمنها “البلدة القديمة” ومقدساتها الاسلامية والمسيحية، وانها تخضع للسيادة الفلسطينية في اطار اي حل سياسي مقبل، كما أن كيري يعمل على تغيير جوهر البند الخاص بحل قضية اللاجئين انطلاقا من القرار 194 ضومن اتفاق الطرفين..
محاولات كيري الأخيرة مع العربية السعودية ترمي الى انتزاع حق التغيير في ما يساعد أمريكا على تمرير صفقتها دون الالتزام بجوهر المبادرة العربية، والاكتفاء بالاشارة اليها كاطار يساعد في صناعة اطار الصفقة الأميركية، وهي رشوة لا يمكن لها أن تنطلي على أحد كونها مفضوحة الى درجة معيبة جدا، وبالتأكيد فاللعبة الأميركية لا تقف عند لعبة الغاء جوهر المبادرة العربية في قضية القدس واللاجئين فحسب، بل يراد ان يقوم بتعريب التنازلات المطلوبة فلسطينيا، سواء بتغطية الحل الأميركي المقترح ضمن “مبادرة عربية جديدة” او اعلان تأييد رسمي عربي لها، بما يستبدل الصفقة الجديدة بالمبادرة العربية، والتمهيد للاعتراف العربي بـ”اسرائيل كدولة يهودية” مقابل “تسوية جزئية جدا” لعودة عائلات فلسطينية ضمن ما يعرف ب”لم شمل العائلات”..
التوجه الأميركي عربيا يهدف ايضا، لكسر اي محاولة رفض لوجود قوات أميركية في منطقة الأغوار بين الاردن وفلسطين، خاصة وأن هناك توجسات حقيقة بدأت تبرز في الساحة الاردنية من خطر ذلك الاقتراح، بدلا من أن تكون القوات الدولية أو الاميركية بين حدود دولة فلسطين والكيان الاسرائيلي، ما يؤكد ان وجود تلك القوات ليس من اجل تحقيق الأمن للطرفين بقدر ما يشكل ضمانة أميركية لاطالة منع اقادمة دولة فلسطين ضمن الحدود والرؤية المعترف بها دوليا، وابقاءها تحت “الحماية المؤقتة” الى عدة سنوات، ما يشكل خطرا عمليا وموضوعيا على استقلالية وسيادة الدولة الفلسطينية..
واشنطن تدرك تماما انها تسابق الزمن من اجل “اصطياد” القيادة الفلسطينية لفرض “حل تنازلي تاريخي” ينهي كل أمل بتحقيق اقامة “دولة فلسطين” كما تم الاعتراف بها دوليا في الأمم المتحدة، ويلغي أي امكانية لترسيخ السيادة الفلسطينية على البلدة القديمة في القدس الشرقية ومقدساتها، وهي تلك القضية التي استشهد في سبيلها الزعيم الخالد ياسر عرفات..مع اطالة “امد الاحتلال” بثوب التنفيذ الانتقالي والتدريجي للحل النهائي، وهي اللعبة الجديدة لتسويق المقترحات، لاشاعة أنه لا حل انتقالي ولا مؤقت كما تقول بعض الأوساط التفاوضية الفلسطينية، لكنها في الحقيقة تمارس الخداع السياسي لأن الانتقالي بات عمليا بمسمى آخر هو “التنفيذ التدريجي”..
الصفقة الأميركية لن تقف عن انتزاع التنازلات الجوهرية من الطرف الفلسطيني بل تعمل على تعريبها ايضا، وكسرجوهر المبادرة العربية ووحدة مضمونها وتمهيد الطريق لخلق حالة سياسية عربية تؤدي للإعتراف بدولة اسرائيل ويهوديتها..
تلك هي جوهر الصفقة التي تروج لها واشنطن ومبعوثها المكوكي، وكل محاولات اظهار رفض نتنياهو لتلك المقترحات ليس سوى لعبة مكشوفة جدا، من جهة، وكشف لحقيقة أن نتنياهو غير ذي صلة بأن يمنح واشنطن أو غيرها فرصة تحقيق “انتصار خادع” دون “ثمن حقيقي” يكون معلوما للعامة كافة وليس “نصرا مستترا”..يبحث اساسا اقرارا فلسطينيا عربيا بـ”يهدوية اسرائيل” والغاء السيادة على البلدة القديمة في القدس ومقدساتها، ومنح دولة الكيان “حق أمني” في دولة فلسطين باشكال عدة، وجودا مباشرا وقواعد عسكرية معلومة وسيادة على أي طريق رابط بين الضفة وغزة..
المناورة الكبرى بدأت فعليا، لكن ليس بالضرورة أن تحقق مرادها..فقوة الدفع الوطني لافشالها حقيقة قد تحضر دون جرس إنذار!
ملاحظة: توقيع اتفاقية شراء الغاز الطبيعي من دولة الكيان الذي وقعت عليه السلطة الفلسطينية لا يجب ان يمر دون تدقيق او مساءلة من جهات رقابية فلسطينية، واولها “كتل المجلس التشريعي” وهيئة الرقابة وهيئة مكافحة الفساد تحسبا!
تنويه خاص: حديث رئيس حكومة الرئيس عباس عن ارسال مواد طبية بقيمة ملايين الشواقل الى غزة يبدو وكأنه طرف اجنبي يساعد فئة منكوبة..يا سيد رامي قطاع غزة جزء اصيل من فلسطين وله حق عليك وغيرك ولا يحق لك “معايرته” او “المن عليه” بأموال له حق وفرض!