كتب حسن عصفور/ بعد أن التقى رئيس وفد “فتح” للمفاوضات مع الجانب الاسرائيلي صائب عريقات، والوزيرة الاسرائيلية تسيبي ليفني، قرر وزير خارجية أمريكا العودة مجددا الى “فلسطين التاريخية” ليجتمع مع رئيس دولة الكيان الاسرائيلي والرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعد ايام معدودة فقط على مغادرته المنطقة..
الزيارة المفاجئة، تأتي في سياق ما يتم الكشف عنه من أفكار وملامح للمشروع الأميركي، بشقيه الأمني والسياسي يؤدي الى فرض “حل انتقالي جديد” ويكرس لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وابقاء الضفة تحت احتلال بثوب آخر، ووفقا لما تم تسريبه عن اللقاء الأخير بين عباس وكيري، فإن الرئيس عمليا رفض الشق الأمني مع امكانية بحث بعض المقترحات البديلة، ولذا فعودة كيري من أجل معرفة الموقف النهائي الفلسطيني من “الشق الأمني” واستكمال” ملامح الشق السياسي”..
وقبل أن يصل جون كيري أطلق رسالته الابتزازية الرخيصة، بأنه طلب من رئيس الوزراء الاسرائيلي تأجيل اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الى الشهر المقبل، وربطها بموافقة الجانب الفلسطيني على المشروع الأميركي الجديد، وهو ما يشكل ضربة الى موقف عباس وفريقه التفاوضي، وايضا لحركة فتح التي تحتضن وحدها مهزلة المسار التفاوضي الراهن، خاصة وأن الرئيس عباس حاول بكل قواه اللغوية أن يجعل من “صفقة الأسرى” تستحق كل ثمن يدفع بها، بعد أن كشف كيري الصفقة التي تمت بينه والرئيس عباس للعودة التفاوضية، اسرى مقابل وقف كل التحرك الدولي لصالح تعزيز مكانة “دولة فلسطين”..ولذا فتأجيل اطلاق سراح الأسرى يعري كليا تلك الخدعة السياسية ، والتي لم يكن القبول بها موفقا نظرا للتجربة السياسية في التعامل مع دولة الكيان..
ولأن كيري وادارته في عجلة من أمرهم لاستغلال المشهد الفلسطيني الحالي، فعودته من أجل ممارسة المزيد من الضغط على عباس وفريقه مع ما يمكن تقديره باستخدام “تهديدات مختلفة” عامة وخاصة، ضد السلطة وشقها المالي، او خاصة فيما يتعلق بميزات تمنحها اسرائيل حسب “الرضا”..ولذا فزيارة كيري الجديدة ستكون “محطة مفصلية” في شكل العملية السياسية – التفاوضية المستقبلية، وقد تكون أحد أهم وأصعب الزيارات للوزير كيري الى المنطقة، وعليها يتحدد الى أي جهة تسير المفاوضات، وبها يرتبط مصير المشروع الأميركي الجديد، الذي أعلن بعضا منه الرئيس أوباما..
لم يعد خافيا طبيعة المشروع الأميركي على أحد، فكل عناصره باتت معلومة للجميع، مشروع يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وانهاء أي أمل بدولة فلسطين فوق الأرض المحتلة عام 67 ويرمي لاعادة انتاج مشروع بيريز القديم بتعديلات “عصرية”، مشروع لا يحتاج ابدا جهدا وبحثا لاعلان رفضه، وما يصدر بشكل أولى من بعض القيادات الفلسطينية يشير الى أن قبول المشروع ليس واردا، لكن هناك تسريبات تشير الى امكانية “التعامل” مع المشروع ضمن تقديم صيغ “توفيقية” لبعض عناصر الشق الأمني، أبرزها القبول بالتنفيذ التدريجي لإنسحاب القوات الاسرائيلية على مدى سنوات، “حل وسط” تراه أوساط الرئاسة كي لا تصل نقطة كسر العظم مع واشنطن، ومنح تواجد لقوات دولية في منطقة الأغوار..
وخطر هذا “الحل الوسط” الفلسطيني أنه عمليا يسمح لاسرائيل بالتلاعب بمصير الاتفاق وتربطه بالبعد الأمني، وهذا ليس استنتاجا نظريا، بل من الخبرة التفاوضية في المرحلة السابقة، فاي اتفاق على الحل النهائي يجب أن يكون تنفيذه متكامل، وفي سياق قرار الأمم المتحدة الخاص بدولة فلسطين، الى جانب أن الموقف الفلسطيني لم يشر بعد الى كيفية العلاقة بين الضفة والقطاع والرابط السيادي بينهما في ظل أي اتفاق للحل النهائي..المسألة لا تبدو واضحة في حديث المفاوضين والمتحدثين الفلسطينيين، والرابط بين الضفة والقطاع، إن لم يكن ضمن السيادة الفلسطينية سيمنح دولة الكيان لابتزاز الفلسطينيين في كل زمن، وبات السؤال عن هذه المسألة أكثر من ملح بعد تصريحات أوباما..
القيادة الرسمية والرئاسة الفلسطينية عليها مسؤولية خاصة جدا وهي تستقبل الوزير الأميركي، وعليها الا تقع في فخ لعبة الابتزاز والتهديد، ورفضها للمشروع الأميركي ضرورة وواجب وطني، واي تعامل معه تحت أي صيغة يدخل فلسطين القضية في نفق مظلم لا خروج منه لسنوات، المسألة لم تعد كيف نتعامل مع الرغبات الأميركية، بل وصلت الى حد السيف الذي يقطع كل من ينتهك “الخطوط الوطنية الحمراء”..
زيارة كيري غدا يجب أن تكون بداية لصحوة فلسطينية لتصحيح مسار العبث طوال المرحلة السابقة..ولا خيار وطني آخر!
ملاحظة: توقيع اتفاقية “مشروع قناة البحرين” شكل “فرحة تاريخية” للكيان الاسرائيلي..الطرف الفلسطيني يوقع اتفاقات استراتيجية دون أن يضع شرطا لأن يكون التوقيع باسم “دولة فلسطين”!
تنويه خاص: كان من المفروض ان يكون اليوم اعتصاما الموظفين في قطاع غزة ضد قرار حكومة الحمدالله بفصلهم الوظيفي السياسي..حركة حماس قررت منع الفعالية لأنها تبحث تطبيق مشروع الفصل بايد مضافة أيضا!