كتب حسن عصفور/ وكأن تقارير الخبراء باي صفة أو جنسية يمكنها أن تلغي الحقيقة السياسية الصارخة بأن قتلة الزعيم الخالد، ورمز الوطنية الفلسطينية المعاصرة ياسر عرفات معلومين علم شروق الشمس وغروبها، وأن المسالة لم تكن تحتاج لاقتصار متابعة ملف اغتياله من الزمرة القاتلة على انتظار رأي لجان خبراء دولية ترتبط بشكل أو بآخر بمصالح اقوى من الحقيقة، وأي اعتقاد بأن “المهنية والحيادية والموضوعية” يمكنها أن تنتصر على مصالح استراتيجية ليس سوى ضرب من “السذاجة” أو “الشراكة”، ومن يعتقد ان تسجيل قضية اغتيال الزعيم ضد “مجهول” أو “ضد القدر” يرتكب حماقة لا بعدها حماقة..فلا مكان لطمس عين الحقيقة في اغتيال الزعيم مهما طال الزمن أو صمت اصحاب المصالح في تغييب ما لا يجب أن يغيب يوما..
ولأن اغتيال الزعيم الخالد ابو عمار حدثا لا يحضر بمناسبة خاصة، لكنه حضور دائم بحضور القضية الفلسطينية في كل مساراتها، وبلا شك تحضر روح الزعيم في هذه الأيام أكثر نظرا لما يحدث في فلسطين التاريخية من مفاوضات تعيد الضوء على سبب اغتياله المباشر وغير المباشر، بعد أن أعلن التحالف الأميركي – الاسرائيلي المشبوه، اثر قمة كمب ديفيد في يوليو ( تموز) عام 2000، أن “عرفات لم يعد شريكا في السلام”، اعلان سياسي حمل في طياته رسالة التصفية الجسدية – النهائية للزعيم الخالد، والخلاص من “العقبة الكبرى” التي برزت أمام تمرير المشروع الأميركي – الاسرائيلي لتصفية جوهر القضية الوطنية وفرض حل يلغي أي بعد استقلالي لدولة فلسطين وعاصمتها القدس في حدود أرض عام 1967 وحل عادل لقضية اللاجئين انطلاقا من قرار الأمم المتحدة 194، خاصة وأنه القرار الوحيد الذي وضع اسسا كاملة ومحددة لحل قضية اللاجئين..
اغتيال ياسر عرفات بدأ عمليا في صيف 2000، والمسالة الجوهرية التي كانت سببا رئيسيا لذلك القرار بإزالة وجود الزعيم من أمام مخطط فرض الاستسلام السياسي، اتت بعد أن رفض “رمز الشهداء” بأن يتخلى عن “حق السيادة الوطنية الفلسطينية” على البلدة القديمة في القدس الشرقية، بمقدساتها كافة المسيحية والاسلامية، وان لا مكان لأثر يهودي هيكل او معبد في تلك المنطقة، واي موقف غير ذلك لا مكان له فوق ارض الواقع، مهما كان الثمن..
لم تكن رؤية الزعيم الخالد ناتجة عن “تعنت سياسي شخصي”، كما تحاول بعض الأوساط الانهزامية أن تشيع، بل انطلق من حقيقة سياسية تاريخية، فرفض كل الحيل السياسية بخصوص العروض الأميركية – الاسرائيلية للتلاعب بمسألة “السيادة الفلسطينية” على البلدة القديمة بمقدساتها كافة ضمن السيادة على عاصمة دولة فلسطين، لا فصل بينها تحت اي غطاء أو مظلة أو مسمى..تمسك “رمز الشهداء” بموقفه حتى بعد ان ادرك أن العقاب بات أقرب ما يكون اليه، وسمع كلاما لا يمكن أن يقال في اي مقام سوى من “عصابة سياسية”، لكنه كان يدرك اكثر أن التاريخ لن يذكر تهديد أو وعيد من هذه العصابة أو تلك، بقدر ما سيذكر أي قرار أو موقف حدث هنا أو هناك..
كان الزعيم الخالد يعلم يقنيا وقد اخبر من يستحق الثقة في حينه، ان اي تنازل عن السيادة الفلسطينية عن الأماكن المقدسة في البلدة القديمة سيكون الخطوة الأولى لهدمها والشروع في بناء “الهيكل المزعوم”، وكان يرى المسألة وكأنها ستحدث في اليوم التالي..فلم تكن لعبة تقاسم “السيادة” على المقدسات وخاصة الحرم القدسي الشريف بين فوق الأرض وتحت الأرض سوى الغطاء العملي لتهويد المنطقة المقدسة تحت مسميات مختلفة.. فكان قرار ابو عمار أن لا فرصة ابدا لتلك المساومة الرخيصة..ورفض كل العروض تحت التهديد المباشر الصريح..
تلك المسألة التي لا يجب أن تغيب عن بال اي فلسطيني، وأمريكا تحاول تمرير مشروعها التصفوي الجديد للقضية الفلسطينية وخاصة ما يتم الحديث عنه بشأن القدس ومقدساتها، وعرض افكار خاصة لـ”السيادة على البلدة القديمة ومقدساتها”، واعادة فرض ما لم يقبل يوما فلسطينيا وكان السبب الجوهري والأساسي لإغتيال الزعيم الخالد ياسر عرفات..
فأي مساومة أو تجاوب مع تلك الأفكار الأميركية بخصوص السيادة الفلسطينية على مقدسات القدس تشكل عملية اغتيال للمقدسات أولا، واغتيال روح الوطنية الفلسطينية ثانيا وقبلها أغتيال الزعيم الخالد ياسر عرفات مجددا..وسيكون اي قبول بما دفع الخالد روحه ثمنا له مشاركة عملية في اغتيال ابو عمار..
تلك الحقيقة التي لا يجب أن تفارق من يبحث مصير القدس ومقدساتها..فأي خلل بمسألة السيادة يمثل رخصة هدم للمقدسات الاسلامية والمسيحية ورخصة مشاركة في تهويد قدس الاقداس..
ملاحظة: المصالحة الوطنية لم تعد تحتاج للحديث عن “استعداد” بل تحتاج لخطوات فورية لتنفيذ المتفق عليه..وغير ذلك “تلاعب بالزمن والعقل”!
تنويه خاص: هل صمت كتل المجلس الشتريعي عن معرفة حقيقة اتفاق شراء الغاز من دولة الكيان لعشرين عاما يشكل موافقة عملية..لو كان ذلك ليتهم يعلنون ذلك لمن انتخبهم..مفترضين انهم لا زالوا يتذكرون أنهم منتخبين!