كتب حسن عصفور/ قبل الوصول الى مدينة رام الله بالضفة المحتلة، أعلن وزير خارجية كندا في تل أبيب، أن بلاده ترفض الموقف الاوروبي من المستوطنات، وانتقد قرارات الاتحاد الاوروبي من مقاطعة منتجاتها، واستقبل التصريح بـ”استهجان فلسطيني” لا أكثر، الا أن الخارجية الكندية شعرت بالحرج السياسي على ما يبدو من تصريحات وزيرها قبل وصول رئيس وزراء كندا السيد “ستيفن هاربر” للقاء الرئيس محمود عباس، فأعلنت ان كندا ترفض الاستيطان وتعتبره “غير شرعي”..
والحق استبشرنا “خيرا” بهذا التراجع السريع والمنظم من دولة لها مكانتها الدولية، وتجاوزنا عن تذكيرها بقرارها المعادي للغالبية المطلقة من دول العالم عندما وقفت بجانب امريكا ودولة الكيان بعدم التصويت لصالح قبول عضوية “دولة فلسطين” في الأمم المتحدة، حتى أن الرئيس محمود عباس حاول في المؤتمر الصحفي ازالة الحرج السياسي عن رئيس وزراء كندا عندما تم تذكيره بموقف بلده من التصويت ضد فلسطين، واعتبر عباس أنه “يختلف معها ولكنه يحترم قرارها”، وهو حق لها أن تصوت وفق ما تراه باعتبارها دولة لها سيادة..
وكان يمكن تمرير هذا “التبرير الايجابي من الرئيس عباس لكندا، مقابل ما تقدمه من دعم اقتصادي ومالي لمؤسسات السلطة” وطبعا منح بعض أهل البيت الفلسطيني جوازات سفر وما ينتظر منها أن تلعبه لاحقا في قضية اللاجئين، ونأمل ان يكون مساهمة ايجابية وليس تصفوية، رغم أن المؤشرات لا تبشر خيرا، بل كلها شؤم لدولة كشف حاكمها عن مواقف معيبة..
لم يحترم رئيس وزراء كندا ولم يقدر للرئيس عباس “كياسته” السياسية، وهو يبحث له عن “أعذار” كي لا يقع في دائرة الاحراج وسط كوكبة صحفية مترقبة لتنال بساهمها النقدية من مواقف كندا، وآخرها موقف وزير خارجيتها بخصوص الاستيطان، لكن هاربر أفندي، تجاهل كل ذلك وعندما عاد الى تل ابيب وفي برلمان دولة الكيان الشاروني – مرادف الفاشي – أعلن ما هو أكثر سوءا ورداءة وانحطاطا سياسيا، فالمسؤول الكندي اعتبر أن وصف اسرائيل بأنها تمارس سياسية “الفصل العنصري” مواقف “مقززة”، وأنها شكل من أشكال “اللاسامية المعاصرة”، ونال تصفيقا حارا من “يهود الكنيست” فيما حل الغضب بنوابه الفلسطينيين العرب..
ولم يقتصر حدود “الانحطاط السياسي” لهاربر عند هذا الموقف “العنصري” بل اعتبر أن الاعتراف بـ”يهودية دولة اسرائيل موقف غير قابل للتفاوض”، هكذا يرى رئيس الوزراء الكندي المشهد بعد أن انهى زيارته لرام الله، ولعله المسؤول الدولي الأول من غير اليهود، من يعتبر وصف سياسة دولة الكيان بالعنصرية وأنها تكرس الفصل العنصري هو شكل من اشكال معاداة السامية ومقززة، موقف يمكن اعتباره أنه عنصري باميتاز، وكأنه تجاهل أن هذا الوصف أطلقته أيضا قوى يهودية، وليس العرب فقط، ودول اوربية وافريقية واسيوية، ولو عادت به الذاكرة – التي يبدو أنها لا تحتفظ بالأحداث سوى لساعات قصيرة فقط – لعرف أن الأمم المتحدة وبأغلبية ساحقة سبق لها وصف الحركة الصهيونية وليس فقط كيناها بأنها “حركة عنصرية”..
ولأن استخفاف رئيس وزراء كندا ووزير خارجيته لم يجد ما كان يستحقه من موقف غاضب حقيقي قبل أن يصل، فذهب الى أبعد من تعبيره عن “القرف من وصف الكيان بالعنصري” ليعتبر أن “يهودية اسرائيل غير قابلة للتفاوض”..ما يترجم عمليا لأحد أشكال تصفية قضية اللاجئين التي يمكن لكندا أن تقوم به في دور مرسوم لها، وكأنها تقدم “السبت لتأخذ الأحد”..تأكيدها ليهودية الكيان مقابل دور في قضية اللاجئين، طمأنة مطلقة لبني صهيون..
لا ضرورة لنقاش هاربر ودولته، بل بات واجبا من القيادة الرسمية أن تعلن اليوم أن تلك المواقف الكندية مرفوضة رفضا مطلقا وأنها تدخل سافر فيما ليس لها به صلة، ومحاولة يائسة من دولة لا تحمل الود السياسي لشعب فلسطين، وأن تطالب الجامعة العربية بمعاقبة كندا على ما أعلنه رئيس وزراءها من مواقف معادية للقضية الفلسطينية والموقف العربي..
إن الصمت على ما أعلنه هاربر في تل أبيب يشكل تواطئا مشبوها، ضمن حسابات البعض الصغيرة، المالية والخدمية..وعلى القوى السياسية الفلسطينية كافة أن لا تقف متفرجة أمام هذه المواقف، فالصمت عليها سيدفع دول غير كندا للتمادي والتطاول السياسي، وتصريح رئيس وزراء رومانيا حول “يهودية اسرائيل”، وقبله الرئيس التشيكي بخصوص نقل سفارة بلده الى “القدس الغربية” تشكل مظهرا استخفافيا بالقيادة الفلسطينية والجامعة العربية..
نأمل الا ترى القيادة الفلسطينية فيما قاله هذا الـ”هاربر” “حق من حقوق السيادة”..لأن “سيادة الدول لا تكون على حساب قضايا الشعوب”..وكل تبرير تحت أي ذريعة لا يمكن قبوله..الرد السياسي على تطاول المسؤول الكندي يجب أن لا يتأخر!
ملاحظة: انتشار قوات حماس الأمنية على الحدود لوقف اطلاق الصواريخ على دولة الكيان هو جزء من الوفاء بما اتفق عليه في وثيقة مشعل مرسي نتنياهو..تنسيقا أمنيا عصريا!
تنويه خاص: بان كي مون لم يحتمل “زعل كيري” طويلا..قام بسحب دعوته لايران للمشاركة في “جنيف 2” قبل أن يتحول “الزعل الكيري” الى “غضب” ..والكوري مش قده..يا رجال آخر زمن!