كتب حسن عصفور/ كان لاحتفالات نصر اكتوبر العربي في مصرهذا العام، نكهة خاصة سيطرت على المشهد العام، كونها توافقت مع انتصار مصر وشعبها باسقاط “حكم المرشد الاخواني” وإزاحته باعتباره كان حلقة من حلقات تنفيذ المشروع الأميركي التقسيمي الجديد لاستبدال “سايكس بيكو” البريطاني الفرنسي القديم، احتفال كان تحت نظر الأمة من محيطها الى خليجها، شرقها وغربها، وعل الاحتفال الفني الذي جسد روح مصر وهويتها ردا على مشروع محاولة خطفها، كان مؤشرا على جديد مصر بعودتها الى روحها العروبية، تجسد بالسياسة عبر وجود ممثلين رسميين عرب في حالة نادرة، الى جانب الغنائية التي كانت تعبيرا عن المشاركة الفنية العربية..
احتفال فاق كثيرا بقيمته، اعادة انتاج ذكرى نصر مضىى، بل كان رسالة بأن “العبور العربي” لثغرة أمريكا في المشهد السياسي اقليميا قادم.. بهجة الفرحة بالنصر منعت أن يتوقف الانسان أمام بعض ما غاب عن الصورة السياسية الجديدة، فما بالك لو أن الغائب كانت فلسطين، سياسة وفنا، وهي ملاحظة لفتت انتباه بعض ابناء الوطن الفلسطيني العاشقين للمحروسة، غياب قد لا يكون لافتا للقيادة السياسية الفلسطينية المنشغلة جدا “فيما هو “استراتيجي” كإنقاذ “العملية التفاوضية” وترتيبات لقاء قمة بين عباس ونتنياهو من أجل منحها “طاقة وزخم” وكأن المسألة “خلاف شخصي” بين عريقات وليفني أو سوء فهم، وليس خلافا برنامجيا وسياسيا واضحا، فدولة الاحتلال تعلنها جهارا نهارا أن لاحل الا بالاعتراف بـ”يهودية دولة اسرائيل” واسقاط حق العودة وأن أمن اسرائيل فوق كل اعتبار.. محددات قالها نتيناهو قبل ايام فقط..فيما سفارة فلسطين ربما مرهقة الى درجة فقدان القدرة على الملاحظة، جراء ملاحقتها لمصائب “حماس”..
غابت فلسطين عن مشهد كان يجب أن تكون درته، بل وتاجه الخاص كونها تشكل وجدانا عربيا لا يمكن أن يتم التجاهل عنه، ولا يمكن “عبور الثغرة الأمريكية” وتناسي فلسطين الوطن والقضية رهن للاحتلال والعنصرية، كان يمكن لفلسطين أن تحضر فنيا من خلال الفتى الذهبي محمد عساف الذي يمثل “حالة وجدانية سياسية وفنية” ولا نظن أن شعبية اي فنان صاعد أو كثير ممن هم ضمن دائرة هذا الفلك تصل الى بعض شعبيته المجنونة.. ولو تواجد عساف ربما كان حضوره كافيا ولم نسأل سببا لغياب السياسي الرسمي، فهو نموذج مشرف لفلسطين شعبا وقضية ووجدان أيضا، بل قد يكون بات رمزا يعلو فوق رموز السياسية المصابين بألف طعنة في مظهرهم..
اما أن لا يكون هذا الفتى الفنان والموهوب فلا يمكن تفسيره ألا بأن فلسطين غابت “ذهنيا” عن من كان خلف ذلك المشهد الغنائي الكبير، وهذه “غصة كبيرة جدا” في حلق شعب فلسطين المنتظر من المحروسة الجديدة انحيازا يعيد ذلك الانحياز التاريخي لها في “زمن ناصر”، ما دام الحديث الطاغي راهنا في أرض الكنانة العودة للتماثل مع العهد الأبرز للأمة كفاحيا وتحرريا، كرامة وسيادة واستقلال..
التذكير بالغياب الفني والسياسي ليس سوى رسالة للمستقبل، فما كان قد كان وانتهى المشهد وفلسطين غائبة، ولكن ما يستحق هو أن لا يصبح هذا الغياب جزءا من سلوك قادم، بسبب حساسية نتجت عن علاقة حماس بالجماعة الاخوانية المنبوذة، وعنده نكون دخلنا مرحلة “الخطر السياسي”، بل والوقوع في خطيئة اعتبار حماس وكأنها “الشرعية الفلسطينية”، رغم أن مصر قبل غيرها تدرك أنها خطفت الشرعية بقهر ومؤامرة مركبة معلومة جيدا لأجهزة مخباراتها، كجزء من تمرير المشروع الأميركي الجديد..
وأن يحاول البعض تبرير الغياب بعدم متابعة أصحاب الشأن و”أهل البيت” فتلك ذريعة لا تخرج من مصر رأس العروبة، ففلسطين كانت وستبقى جزء من “الوعي المصري” منذ تاريخ بعيد، وهي حاضرة بقوة في ضمير الانسان المصري ولا تنظر “تأشيرة مرور” أو كارت سماح من اي كان..وكسل “القيادة الشرعية الفلسطينية” لا يمنح الحق أو المبرر بتغييبها عن مشهد احتفال بنصر كانت جزءا منه بثورتها التي شاركت بعض قواته في المعركة المباشرة وقبلها كانت قوة اندفاعها الثورية كأول رد فعل مقاوم على نكسة – هزيمة حرب 67 ، وهي التي قال عنها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر “المقاومة الفلسطينية أشرف ظاهرة عربية ووجدت لتبقى” واكملها الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ورمزه الوطني الأبدي ياسر عرفات بأنها “وجدت لتتبقى ولتنتصر”..
“غصة فلسطينية” ما كان لنا تركها تمر دون تعبير بأمل ان لا تتكرر “غصاتنا” بسسب طارئ لن يستمر قطعا!
ملاحظة: يبدو أننا سنمضي عطلة عيد الأضحى مشغولي البال بذلك “الخطاب التاريخي الهام الى ابعد الحدود” الذي سيقوله قائد حماس في قطاع غزة اسماعيل هنية..يا ابو العبد هل ستعلن “التوبة السياسية”!
تنويه خاص: كم كان محزنا بل وقاتلا ان تقرأ على شريط اخباري لمحطة “عدن لا يف” المعبرة عن الحراك في جنوب اليمن وهي تتحدث عن “الاحتلال اليمني”..اي حالة وصل حالنا!