كتب حسن عصفور/ كما اليوم 28 مايو 1964، تم تأسيس أول كياني مؤسساتي تمثيلي جامع، في تاريخ الشعب الفلسطيني، بعيدا عما كان من “أهداف” وراء التأسيس بعد قرار القمة العربية في القاهرة، وما قيل أو يقال من قبل البعض المؤرخ، لكنها أطلقت شعلة بقاء الوحدة الخاصة للشعب الفلسطيني، بعدما تمزقت ارضه وتشتت غالبيته، وتوزع وجوده، حاملا مسميات لجنسيات مختلفة.
تأسيس منظمة التحرير كان حماية للهوية الوطنية التي شكلت “الجدار الواقي” من ضياع أريد له تكملة لمؤامرة الاغتصاب والتهجير الجمعي، والتفتيت المتعدد، فقادت نحو التاريخ المعاصر للكيانية الفلسطيني التي كرستها للمرة الأولى كحقيقة سياسية قيام السلطة الفلسطينية، والمفارقة الكبرى، ان تكون في ذات شهر تأسيس المؤسسة الجمعية التمثيلية الأولى، وهو ذات شهر النكبة الكبرى.
انطلاق منظمة التحرير مايو 1964، فتح الباب للتحفيز الفكري النوعي كفاحيا للشعب الفلسطيني، والذي أطلق رصاصة ثورته المعاصرة الأولى ليلة الفاتح من يناير 1965، أي أقل من أشهر على ذلك، مؤشرا مضافا أن “الفلسطيني” خارج “الإزاحة” من الحضور العام، وأن المؤامرة التي فاقت كل ما يمكن لشعب مثله أن ينتصر فيها، لكنه أرسل بشائر “عدم الهزيمة”، في مايو 1964 وأكملها يناير 1965.
لم تتكرس منظمة التحرير كيانا سياسيا تمثيليا، دون ان ترفع راية “الكفاح والهوية المستقلة والوحدة”، ثالوث الثورة المعاصرة، التي فرضتها ممثلا شرعيا وحيدا، خلال مسار لم يكن “ورديا” أبدا داخليا، مع البعض الفلسطيني ما قبل 1987، خاصة من له علاقات غير بريئة أو فكرية مع أطراف رسمية عربية حاكمة، وداخل الأرض المحتلة مع أطراف حاولت دولة الكيان وغيرها صناعتهم ليس بديلا بل تشويشا للتمثيل، وكذا مع أطراف عربية سعت مبكرة فرض “هيمنة ساذجة” على مكون خرج ليكون هوية شعب وكيان ثورة، وكسرا لكل ما سبق سيطرة أو ذيلية.
مسار معقد ومركب، ربما لم تعرفه ثورة، لكنه فرض إنجازاته فرضا بقوة “الثالوث التكويني”، وقيادة ثورية تاريخية كانت مدركة لمسببات ما سبق، ووعيا لمحصنات ما يجب أن يكون، كي لا يذهب ريح الوطنية المعاصرة كما ذهبت في مؤامرة النكبة الكبرى.
الإنجاز التاريخي الأكبر بعد تكريس هوية التمثيل الوطني الموحد، رغم مؤامرة أطراف معادية لتأسيس “بديل مواز” منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، كان تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية 1994، بعد توقيع اتفاق اعلان المبادئ 1994، فوضعت اللبنة الأساس لكيان فلسطيني في الضفة وقطاع غزة وملامح حضور تمثيلي في القدس الشرقية، كنصر تاريخي على جوهر مؤامرة النكبة والتشريد.
انجاز تأسيس الكيان الفلسطيني الأول فوق أرض فلسطين بقيادة فلسطينية كاملة الانتماء خالصة الولاء، وضع حجر أساس لكسر جوهر النكبة، بعيدا عما أصاب ذلك لاحقا من ردة وقبول جسم سرطاني الى جسد الكيانية، تآمرا أو سذاجة أو غيره، لكن الحجر الأول لن يزول أي كانت ملامح الحصار السياسي القادم، أو تقليما للبعد السيادي الكامل، فلا مكان أبدا لاستمرار مصادرة “الهوية الوطنية” أو “لعثمتها” وبعثرتها بين هويات غيرها.
في ذكرى انطلاقة الكيان التمثيلي السياسي الأول، تذكرت المؤسسة الرسمية الفلسطينية، أو بالأدق بعض أفرادها، وليس هيئاتها، منظمة التحرير قيمة خاصة، دون ان تزيل غبار تكدس كثيرا على كل ما لها ما يقارب العشرين عاما، بحيث بات معرفتها يحتاج الكثير، ولم يعد يكفي ابدا التغني بالفكرة والمكانة التي بدأت وصارت، مع حالة وهن لم تعرفها منذ 1964، وهي الأكثر رداءة في المسار العام.
منظمة التحرير بصفتها التمثيلية السياسية الكيانية، لم يكن ابدا تستحق مرورا كما كان في يوم التأسيس، كان لقيادتها المعروفة إعلاميا باسم “اللجنة التنفيذية” (99%من الشعب داخل الوطن وخارجه لا يعرفونها ولا يعرفون مسمياتهم دوائر ومهام وأفراد)، أن تنعقد لبحث ما سيكون في اليوم التالي، تقف أمام مخاطر محاولة “تذويبها” لصالح خلايا متفرقة، لا تعمل الا بإذن أو بناء على جرس.
منظمة التحرير الهوية والكيان، إما ان تكون كما كانت ما قبل 2004، أو أن تستعد لمرحلة غير التي كانت، ولصالح مسميات أخرى كبداية لتحقيق حلم العدو الكامن، بتشكيل بديل ممكن وفق شروط ممكنة لا تلغي الهوية ولكنها تنفي وطنيتها التمثيلية.
حضور منظمة التحرير وفاعليتها، تجسيدا لكونها ممثلا وحيدا كيانا وهوية، لن يكون ابدا ببيان كامل أركان “البلادة السياسية”..ولا خطاب طابور الصباح المدرسي.
ملاحظة: فضيحة “المنحة القطرية” كشفت كثيرا من شروط مذلة..الطريف أن الكيان يتلاعب بتسريبه معلومات مخجلة جدا..”اللي متغطي بمصاري شنط الموساد عريان وطنيا” شو ما حاولتم الكذب..رب تأخير منحة خير من ألف بيان!
تنويه خاص: أكدت أمريكا ودول أوروبا، انها تستطيع فرضا على دولة الكيان، فرغم “العنطزة” عن “الاستقلالية” تراجعت حكومة نتنياهو مكسورة حول قرار تمويل منظمات حقوقية..هاي للبعض الفلسطيني اللي بيحكوا أنه أمريكا والأوربيين لا يستطيعوا الفرض عليهم..يا وكسكتم شو همل!