كتب حسن عصفور/ بعد أشهر من العبث بحياة الشعب الفلسطيني، واتهام كل من خالفهم المسار المصائبي بالعودة للتفاوض دون سند وطني، يخرج علينا كبير مفاوضي حركة “فتح” صائب عريقات ليعترف أمام مؤتمر بالعاصمة القطرية نظمة الباحث القطري من أصل فلسطيني عزمي بشارة، بأن القيادة الفلسطينية ارتكبت “خطأ استراتيجيا” موضحا: ” ربما نكون أخطأنا خطأ استراتيجياً عندما لم نوقع على صكوك الانضمام للأمم المتحدة بعدما حصلنا على التفويض بدخولنا كدولة مراقبة للمنظمة الدولية، والمطلوب منا اليوم هو الانضمام والتوقيع على معاهدات جنيف الأربعة، والبروتوكول الإضافي لعام 1967 لأن هذا يجعل من فلسطين عام 1967 وعاصمتها القدس، دولة تحت الاحتلال”.
هذا كلام واضح ولا يحتاج سوى أن يقترن بالصدق لتنفيذ تلك الكلمات التي يمثل كل يوم تأخير عنها خسارة وطنية للشعب الفلسطيني وربحا استراتيجيا للعدو الوطني ومشروعه الاحتلالي، ولم يعد كافيا الاستمرار في وصف مسيرة “الخسائر الاستراتيجية” كونها باتت جزءا معلوما لكل ابناء فلسطين داخل الوطن وخارجه، سوى تأخر قلة أغمضت بصيرتها عن رؤية الحقيقة التي اكتشفتها متأخرة دون أن تغادر مربعها، وليته اعتراف يجد سبيله الى الهيئة القيادية في حركة فتح كي يصبح موقفا رسميا لها، ملزما لرئيسها، ولا يبقى في اطار المؤتمرات أو تصريحات اعلامية قد يكون لها هدف تضليلي..
وكي لا نذهب بعيدا في “العتاب الداخلي”، نتوقف أمام أخطر تصريحات صدرت رسميا عن إدارة أمريكية على لسان رئيسها راعي المفاوضات، حيث أعلن الرئيس الأميركي في تصريحات أمام مؤتمر في معهد أميركي بأن هناك تقدم يسمح بالتوصل الى اتفاقية اطار للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين، يقود الى “حل الدولتين”، لكنه قد يبدأ بالضفة الغربية ويتم تأجيله في قطاع غزة، وعندما يرى ابناء القطاع “الإزدهار الناشيء” في “دولة الضفة” سيثورون ليلتحقوا به..
وبعيدا عن الخطة الأميركية التي لا تعطي أهل الضفة “دولة” ولا يحزنون، بل هي كيان هزيل تابع لاحتلالين بدلا من احتلال واحد، اسرائيلي – امريكي، ولكن لنفترض أن الخطة ستمنح بـ”اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية”، غير منقوصة وبمعابر وبالاغوار والقدس الشرقية دون مستوطنات والبلدة القديم بمقدساتها والسيادة فلسطينية خالصة، والسماء فلسطيني، ولا وجود لأي مراقب أمني احتلالي لا أمريكي ولا اسرائيلي، فإن تصريحات الرئيس الأميركي تقود الى تصفية القضية الفلسطينية وجوهرها الكياني السيادي والموحد..
فـ”دولة أوباما الفلسطينية”، ليست سوى اعادة انتاج مشروع “التقاسم الجغرافي الوظيفيي” والذي سبق الكتابه عنه عشرات المرات، واعتبره البعض ليس سوى نتاج “خيال سياسي”، الى أن جاء الرئيس الأميركي ليكشف عنه دون أي التباس، بعد أيام من تقديم الخطة الأميركية للحل الأمني، واستبدال الانسحاب مقابل السلام الى “الأمن مقابل السلام الجزئي”، فالمقترح الأميركي لا ينسف فقط “موقف الادارة السابقة” عبر مشروع “بوش للدولتين”، بل هو ينهي عمليا ورسميا حق العودة الذي أقرته الأمم المتحدة، ومعه ينهي كليا قيمة القرار التاريخي الذي اتخذته قبل عام الجميعة العامة ومنحت فلسطين حقها السياسي والقانوني بأن تكون “دولة عضو مراقب” حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ووحدة كيانية بين الضفة والقطاع..
“رؤية أوباما” الجديدة – أم الكبائر – هي الثمن الذي يريد تقديمه كـهدية لدولة الكيان الاسرائيلي، ثمنا للمساوات الدولية، مستغلا ضعف القيادة الرسمية الفلسطينية وانصياعها للرغبات الأميركية دون حد أدنى من الرفض او الممانعة ووهمها السياسي العجيب، ومستخدما “الانقسام” والذي هو صنيعة أمريكية كاملة قادتها ادارة بوش بمساعدة قطرية تركية، كي يمرر مشروعا هو الأكثر خطورة على القضية الفلسطينية من كل المشاريع السابقة..
ما أعلنه الرئيس الأميركي من البدء بدولة محدودة الصلاحيات والمساحات في الضفة، في ظل هيمنة احتلالية مبتكرة، وبلا أي منفذ خارجي يشكل ناقوس خطر سياسي يتسحق الاستنفار الوطني العالم، ويقطع سبيل الراحة التي تعيشها القوى الفلسطينية كافة كي تنهي اجازتها وتعود لتخرج الى الشوارع منتفضة ضد “المؤامرة الجديدة”، وهنا رسالة الى قيادة حركة “حماس” ألم تكتشفوا بعد عمق المؤامرة الانقسامية وابقاء سيطرتكم على قطاع غزة، بحجج واهية كاذبة وساذجة، ألم تروا بعد كيف استخدمتكم أمريكا لتمرير أخطر مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية منذ اغتصاب فلسطين.. هل تدركوا الحقيقة وتعلنوا تخليكم عن كل مظهر “انقسامي” وتعيدوا قطاع غزة بعد خطفه الطويل لمنظمة الحرير الفلسطينية، وتخاطبوا الجامعة العربية ومصر بأن تساهم بتسليمه رسميا الى منظمة التحرير وتشكيل قيادة وطنية موحدة تقود شؤونه الى حين..
“مؤامرة أوباما” الجديدة هي جرس انذار للرئيس محمود عباس ولقيادة فتح وجمهورها العريض، هل لا زلتم تراهنون على أوباما وادارته ومصداقيتهم التي تحدث عنها الرئيس قبل ايام فقط، هل يعتقد الرئيس عباس بأن الأشهر القادمة ستمنحه ما ينتظر، ألم ير أن كل يوم يمر دون قطع لعبة التفاوض يساهم في كوارث وطنية كبرى..
كفى عبثا وغطرسة وأفيقوا قبل فوات الآون، وقبل أن تجبروا على افاقة لا ترغبون رؤيتها..بعد اليوم اي لقاء تفاوضي هو فعل لتمرير “المؤامرة الأوبامية الجديدة”..
وبالمناسبة هل جاء قرار حكومة الحمدالله ضد موظفي قطاع غزة واحالتهم للتقاعد كجزء من “المؤامرة الأوبامية الجديدة”، دون التراجع والاعتذار سيكون القرار مقدمة لتمرير المؤامرة!
ملاحظة: بعد انقطاع طويل..مشعل يلتقي وفدا فتحاويا على هامش مؤتمر قطري..اللقاء لم يرسل أي مؤشر ايجابي بعد..لكن تصريحات وفد فتح ضد التفاوض القائم بشرى أولية..بس ما يكون كلامهم ارضاء للمحتفي بهم!
تنويه خاص: تحية خاصة لابداع الجبهة الشعبية في تجديد قيادتها..ومع الابداع التنظيمي ننتظر ابداعا فعليا لقيادة حركة فعل شعبية واسعة ضد “المؤامرة الكبرى”!